الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وطن في سيمفونية

وطن في سيمفونية
6 ابريل 2016 20:50
إيمان محمد يلفت الموسيقي الإماراتي محمد فيروز الانتباه بانشغاله بالأبعاد الإنسانية لقضايا جيوسياسية وفلسفية كبرى، يتناولها في مقطوعاته الأوركسترالية، ليكون بذلك أحد أهم الأصوات الشابة في الموسيقا الكلاسيكية اليوم، حسب وصف صحيفة نيويورك تايمز. مؤخراً أصبح فيروز، المقيم في نيويورك، أصغر مؤلف (مواليد 1985) تصدر له علامة «دوتش غراموفون» العريقة، ألبوماً كاملاً مكرساً لأعماله، ومنها مجموعة «فولو بويت» أو «اتبع الشاعر» التي أطلقها في ربيع 2015. ويتضمن هذا الألبوم عملين يبرزان قدرة اللغة على تحويل المفاهيم، وهما: مجموعة الأغاني الرثائية «أودونيسك» وموسيقا الباليه «سادات»، حيث يوظف فيهما مقاطع شعرية لكل من الشاعر الإنجليزي الكبير أودن والشاعر الإيرلندي شيموس هيني الحاصل على جائزة نوبل للآداب، لإعادة سرد قصة حياة الرئيس المصري المقتول أنور السادات، بصوت الشاعر بول مولدون الحائز جائزة بوليتز، مع مزج ذلك بمقاطع من خطبة غير شهيرة للرئيس الأميركي جون كيندي المقتول أيضاً، يقول فيها: «عندما تقود السلطة الإنسان إلى الغطرسة يذكره الشعر بمحدوديته، وعندما تقلل السلطة من اهتمامات الإنسان، يذكره الشعر بثراء وتنوع وجوده، وعندما تَفسد السلطة الشعر يُطهِّر». واقتبس فيروز أول عمل أوبرالي له، «أغنية صميدة»، عن مسرحية «أغنية الموت» للكاتب المسرحي المصري توفيق الحكيم، ويرصد العمل سعي بطل المسرحية «علوان» لإدخال الحداثة إلى الجوانب المظلمة من حياتنا، وكسر دائرة العنف التي لا تنتهي، الأمر الذي يجلب له عواقب وخيمة في نهاية المطاف، وتظهر في هذا العمل التأثيرات العربية بشكل واضح، وترتدي فيها النساء الحجاب، وتم تقديمها في مهرجان «بروتوتايب فيستيفال»، و«أوبرا بيترسبرج»، و«بوسطن أوبرا كولابوريتيف». سيمفونية الإمارات هذا العام كلف مهرجان أبوظبي محمد فيروز لتأليف سيمفونيته الخامسة التي تستكشف قصة دولة الإمارات وقيمها العالمية، والتي ستقدم في عرضها العالمي الأول في مهرجان أبوظبي 2020. عن السيمفونية المرتقبة، يقول محمد فيروز لـ «الاتحاد»: «ستُظهر السمفونية دولة الإمارات الفتيَّة في عمرها والكبيرة في إنجازاتها في قصة اتخذت شكلاً يشبه السمفونية، لأن الأوركسترا السيمفونية هي النموذج المثالي (الإنساني) لتكامل وانسجام الموسيقا، وتشمل مجموعة متنوعة من البشر والأجهزة للتعبير عن شيء جميل من خلال فن الموسيقى، فظهور التعبير الإجمالي خيرٌ من الفردي. ودولة الإمارات هي نموذج للوحدة والاحترام والتعايش في وئام، وهي دروس تعلمناها من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ويجب أن نستمر على هذا المنوال». ويرى فيروز أن اختياره لتأليف هذه السمفونية لتقديمها عام 2020، العام المفصلي في تاريخ الإمارات، يعد فرصة كبيرة بالنسبة له، وتكليف جميل من قبل أهل بلده، يقول: «يعد هذا العام حاسماً، حيث تستضيف دبي معرض إكسبو، وفيها تتحقق رؤية 2020 التي تترجم حساسيتنا كأمة فيما يتعلق بالتخطيط طويل الأجل، ووضع رؤية مستدامة للمستقبل. نريد عرض هذه السيمفونية الكبرى عرضاً يكون بمثابة واجهة أولية في تلك السنة الحاسمة للبلاد، وستعمل السمفونية، حسب قوله، على استحضار قصة دولة الإمارات والقيم التي تميزها، مع العودة إلى جذور قبيلة بني ياس في الماضي والحاضر في الجزء الأول من السمفونية». أما الجزء الثاني من السمفونية، فهو الأكثر غنائية، إذ يمثل فترة حكم المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وحكمته، وسيظهر ذلك على شكل صورة موسيقية (أقرب إلى صورة لينكولن للملحن أرون كوبلاند) أو من وحي مَعلم مهم في الدولة مرتبط بالشيخ زايد مثل جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي. ويرمز الجامع بمعماره غير العادي إلى التمازج بين الثقافات والاحترام المتبادل بينها، فقد تم تشييد المبنى من مواد جُلبت من مختلف أنحاء العالم، وشارك حرفيون من عشرات الدول في عمليات التشييد، وشمل ذلك إيطاليا، وألمانيا، والمغرب، وباكستان، وتركيا، وماليزيا، والصين، والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى الإمارات وغيرها من البلدان. ويقول: «يضم الجامع هذه العناصر المتنوعة في وئام تام، وأتصور تماثلاً موسيقياً في الشرود التام للأصوات الموسيقية التي تعكس هوية الجامع الفريدة والخاصة به، إلا أنها تتجمع معاً لتشكل نسيجاً جميلاً من التمازج والوحدة». ويدور الجزء الثالث من السمفونية حول إنشاء دبي، تلك المدينة التي تجسد قيم الطموح والنجاح في رؤية الدولة، ويقول فيروز: «ولأن دبي هي موطن لأكثر من مائتي جنسية لأشخاص يعيشون دون حساسية عنصرية أو عرقية ملحوظة، لذا أود أن تعكس موسيقى الجزء الثالث اختلاف اللغات والتنوع الموسيقي لهذه المدينة العالمية الجريئة، لهذا تمتزج الدقات البنجابية، والروك الأميركي، وموسيقى البوب العربية، ورقصات بوليوود في حركة ثمانية عالية ومنسوجة تماماً، أما الخاتمة فتعيدنا إلى ديسمبر 1971 بدءاً من تأسيس الدولة والرؤية الاتحادية التي جعلت الدولة تستمر، حيث تنساب الموسيقى قدماً تفاؤلاً وأملاً». سيستغرق محمد فيروز خمس سنوات تقريباً لإنجاز هذا المشروع الكبير، خاصة أن جدوله مزدحم بمشاريع عدة تم تكليفه بها من قبل جهات عالمية مختلفة. سيرة استثنائية وبالعودة إلى أعمال فيروز السابقة، سنجد سيرته مليئة بالأعمال الاستثنائية التي تعكس التعددية الثقافية التي تأثر بها في نشأته، إذ أتاح له عمل والده في السلك الدبلوماسي التنقل بين قارات العالم الخمس، والانغماس في أنماط موسيقية متنوعة في الأماكن التي عاش فيها، دون أن يفقد الصلة بجذوره العربية، خاصة مع حرص والده على الاستماع إلى رموز الموسيقى العربية، وتأثره بأهل بلاد الشام حيث «العالم كله يستيقظ على صوت فيروز وتغيب الشمس على صوت أم كلثوم، هذه الموسيقى في دمائنا» كما يقول، وهكذا اختارته الموسيقا ولم يخترها هو، ومن أجل ذلك يلتزم فيروز التأليف الموسيقي يومياً دون انقطاع. العالم العربي بالنسبة له عالم متنوع جداً «بعض الدول تزدهر مثل دولة الإمارات، بينما دول أخرى تنتحر حرقاً. الموسيقا والأدب والثقافة والفنون لا تنمو بشكل طبيعي إلا في البلدان المزدهرة والمستقرة، فلن يتطور أي شيء دون استقرار» ويضيف: «أؤمن بالحكومات التي تصغي إلى شعوبها وتسمح لمواطنيها بالمشاركة والتعبير عن صوتها الخاص، وهذه هي الحال في دول مثل الإمارات، حيث تتولى الحكومة رعاية شعبها، وتسمح بوصول أصواتنا إلى الأسماع مباشرة، والسماح لنا بالتحدث إليهم مباشرة. وهذا نموذج للنجاح، فالسياسة أساسها الاهتمام بالبشر، وأي حكومة جيدة تهدف إلى رفاهية مواطنيها». وفي مقابل التيارات المحافظة السائدة في المنطقة والتي تحرم الموسيقا، لا يجد فيروز إلا التذكير بالتاريخ العربي في هذا المجال، ويقول: «في الواقع تصدر العالم الإسلامي والحضارة الإسلامية كل الإنجازات الثقافية لقرون عديدة، وعلينا أن نعتز بتاريخنا وننأى بأنفسنا عن الأفكار التي تسبب الخلافات في هذا الجزء من العالم. إذا نظرنا إلى الحقائق، فسنرى أن المساهمات الإسلامية في الموسيقى كانت هائلة وتقريباً يصعب إحصاؤها، في الواقع ما كان مقدراً لنا أن نستخدم كلمة «موسيقا» اليوم إلا بعد أن نحتها الكندي كمفردة حديثة عندما كتب كتابه الشهير «كتاب الموسيقي»». وأضاف «يسعدني أن أرى الموسيقا والفنون تزدهر في دولة الإمارات، ويرافقها احترام التنوع وحقوق الإنسان. علينا تمرير هذه الرسالة إلى بقية دول المنطقة والعالم، حتى نتمكن من محاربة قوى الجهل التي تدمر النسيج الاجتماعي في كثير من البلدان في المنطقة، من خلال إثراء الفنون والعلوم الإنسانية والفكر، وعلينا أن نستعيد مكانتنا المتقدمة مرة أخرى في العالم. وفي هذا الشأن لا أستطيع أن أزيد حرفاً على ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عندما كتب: (عندما كانت المنطقة في أزهى عصورها متسامحة مع الآخر ومتقبلة للآخر، سادت وقادت العالم.. من بغداد لدمشق للأندلس وغيرها.. كنا منارات للعلم والمعرفة والحضارة، لأننا كنا نستند إلى قيم حقيقية تحكم علاقاتنا مع جميع الحضارات والثقافات والأديان من حولنا، حتى عندما خرج أجدادنا من الأندلس، خرج معهم اليهود ليعيشوا بينهم لأنهم يعرفون تسامحنا). رسائل في كل أعمال فيروز، لا يمكن إغفال الرسائل الإنسانية والاجتماعية التي يمررها، مستفيداً من أنماط موسيقية متنوعة، بما فيها الأوبرا والسمفونيات والأعمال الصوتية والكورالية، وموسيقا الحجرة، والعزف المنفرد، فقد استوحى سيمفونيته الرابعة «إن ذا شادو اوف نو تاورز» أي (في ظلال بلا أبراج) من الرواية المصورة ذات العنوان نفسه للروائي آرت سبيجلمان الحائز جائزة «بوليتزر» التي تتناول الحياة الأميركية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وقد تم إطلاق هذا العمل في مارس 2013 في «قاعة شتيرن» في «كارنيجي هول» بنيويورك وأدتها فرقة «ويند». كما أنه ألف مقطوعة مصغرة على البيانو بعنوان «من أجل سوريا» متأثراً بصور لأطفال وجدوا مقتولين في حمص، بينما علق المراسل «كأنهم ينامون في سلام»! فكتب هذه المقطوعة بتكليف من مشروع بيتهوفن الدولي من وحي مقطوعة «ثورة» المشهورة لبتهوفن، فتعد مقطوعة فيروز هدهدة للأطفال القتلى، هدهدة حرموا من سماعها، حسب تعبيره. أما سيمفونيته الثالثة «قصائد وصلوات»، فهي لا تخلو من الجدل، إذ تجمع بين قصائد الشاعرين العربيين محمود درويش وفدوى طوقان، والشاعر الإسرائيلي يهودا عميحاي، إلى جانب صلوات متعددة مثل صلوات قادش الآرامية، مع مزج بين أصوات الميزو سوبرانوا والباريتون والكورس والأوركسترا. ويقول فيروز عن هذا العمل: «كنت أتمنى لو قبلت «إسرائيل» مبادرة السلام العربية التي وضعها الملك عبد الله بن عبدالعزيز (رحمه الله). لقد عشنا نحن العرب مع اليهود لقرون عديدة دون مشاكل، والآن ما هو الحل الناجع للنزاع مع «إسرائيل»؟ إننا بحاجة إلى أن يستمع الإسرائيليون إلى مخاوفنا، فلا يمكننا قبول أن يعيش شعب مثل الشعب الفلسطيني بالطريقة التي يعيش بها الآن، نحن بحاجة للسلام». معزوفاته.. وعازفوها تعود أول محاولة للتأليف لدى محمد فيروز إلى طفولته، إذ ألف مقطوعة لمسرحية «أوسكار وايلد» وهو في السابعة من عمره، توالت بعدها محاولاته فألف مقطوعة أوبرالية، وأخرى دينية، و15 مجموعة غنائية، ومئات الأغاني المميزة. ويصف فيروز نفسه بأنه «مهووس بالنص الموسيقي»، كما يحترم كثيرا طاقة الصوت البشري. وقام العديد من المغنين البارزين بتأدية مؤلفاته أمثال: كايت ليندسي، وساشا كوك، وإيزابيل ليونارد، وناثان جن، وأنتوني روث كوستانزو، ودي آنا فورتوناتو، وميليسا هيوز. ومن أبرز مؤدي معزوفات فيروز الموسيقية عازفة التشيللو مايا بيزر، والفرق الرباعية «بوروميو» و»ديل سول» و«ليديان»، ومجموعة «إيماني ويندز» الموسيقية، إضافة إلى عازفتي الكمان راشيل بارتون باين وكلوي هانسليب، وعازفة الفلوت كلير تشيس، وعازف الكلارينيت ديفيد كراكوير، و«أوركسترا الفرسان لموسيقا الحجرة»، وفرق موسيقية مثل «إنترناشيونال كونتيمبوراري» و»إل بي آر» و«متروبوليس»، إلى جانب عدد من قادة الأوكسترا أمثال ليونارد سلاتكين، وجونتر شولر، وإيفان روجيستر، ومارك شابيرو، وفوزي حيمور، ويون جاي لي. وتم تكليف فيروز بعدة أعمال حصرية من «أوركسترا ديترويت السيمفونية» و«أوركسترا ألاباما السيمفونية»، و«جوقة إنديانابوليس السيمفونية»، وشركة «بيث موريسون بروجيكتس»، و«الأوبرا الهولندية الوطنية»، وشركة «بيتسبرج أوبرا»، و«متحف المتروبوليتان للفنون»، و«مهرجان آسبن»، و«مهرجان نيويورك للأغنية»، وفرقة «دا كابو تشامبر بلايرز»، وفرقة «نيو جوليارد» الموسيقية، وفرقة «كانتوس»، وفرقة «سيجنوس»، وفرقة «كاونتر إندكشن»، و«ميوزيشانز فور هارموني»، وفرقة «سياتل تشامبر بلايرز»، وجوقة «كانتوري نيويورك»، وكورال «باك باي»، وغيرها الكثير. كما صدحت موسيقا فيروز في أهم مسارح الولايات المتحدة بما فيها قاعة «كارنيجي هول»، و»مركز لينكولن»، و»بوسطن سيمفوني هول»، و«مركز كينيدي الثقافي»، إضافة إلى تأديتها في جميع أنحاء الولايات المتحدة والشرق الأوسط وأوروبا وأستراليا. كتاب الموسيقا الموسيقا في نظر الكندي «معرفة لابد اكتسابها بالدرس والتحصيل، وكما يتحتم على الطبيب أن يأخذ بعين الاعتبار أموراً كثيرة قبل أن يهيئ العلاج، كذلك يتحتم على الموسيقار أن يفعل قبل أن يصنع الألحان». يعتقد أن الكندي ولد حوالي العام 801 للميلاد، ألف أكثر من 238 رسالة في الفلسفة والمنطق والحساب والموسيقا، وجاء في رسالته عن الموسيقا «الموسيقار الباهر الفيلسوف يعرف ما يشاكل كل من يلتمس إطرابه من صنوف الإيقاع والنغم والشعر، مثل حاجة الطبيب الفيلسوف إلى أن يعرف أحوال من يلتمس علاجه أو حفظ صحته».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©