موعد نضوج العنب.. مقياس جديد للتغير المناخي

بعد أن كان الخوف من تداعيات التغير المناخي السريع الذي تشهده الأرض مقصوراً على فئة العلماء والدارسين المتخصصين، أصبح الآن كابوساً مؤرقاً للغالبية العظمى من الشرائح الاجتماعية· وكان من الطبيعي أن تحظى المتابعات المتعلقة بهذا الموضوع الحساس باهتمام الصحافة العالمية· ومن بين التغطيات الصحفية الميدانية المتميزة لهذا الموضوع، تلك التي أنجزتها موللي مور المتخصصة في التحقيقات في صحيفة (واشنطن بوست) التي اهتدت إلى فكرة بسيطة تهدف إلى استقاء بعض المعلومات الميدانية حول التداعيات الحقيقية للظاهرة من خلال القيام بجولات في حقول العنب الفرنسية الشهيرة والوقوف على مدى تأثير ارتفاع معدل حرارة الأرض على موعد القطاف السنوي· وتمكنت من جمع معلومات مهمة في هذا الصدد كانت كافية لاعتبار التراجع الزمني المتواصل في موعد القطاف مؤشراً واضحاً لسرعة التغير المناخي الذي تشهده الأرض· ومن المعلوم أن العنب الفرنسي يتم قطفه من المزارع دفعة واحدة عند نضوجه، واتضح من مراجعة مواعيد القطاف خلال العقود الثلاثة الماضية أن العنب كان في عام 1978 يقطف في 16 أكتوبر من كل عام، إلا أن موعد القطاف تقدم حتى أصبح يقطف في عام 1998 في 14 سبتمبر، ثم تقدم الموعد هذا العام إلى يوم 24 أغسطس، وهو أبكر موعد للقطاف في تاريخ زراعة العنب والكروم في فرنسا· وهذا يعني أن موعد القطاف تقدم أقل من شهرين خلال ثلاثة عقود· وكان هذا التقدم نتيجة ارتفاع درجة حرارة الجو والتغير المناخي عاماً بحيث شمل كافة حقول العنب في النصف الجنوبي من فرنسا· وتنقل مور عن المزارع رينه ميوريه الذي بلغ عامه التاسع والخمسين وينتمي إلى الجيل الحادي عشر لأسرة اشتهرت بزراعة العنب في الحقول الواسعة المجاورة للحدود الألمانية، قوله: (إننا نشهد هذا التراجع المتواصل في موعد القطاف حتى قبل أن نسمع أحداً وهو يتحدث عن أسبابه· وعندما كنت صغيراً، كنا نقطف العنب في شهر أكتوبر في وقت كانت فيه الثلوج تغطي قمم الجبال، وأصبحنا الآن نقطفه في أغسطس)· وعبر كل البلدان التي تشتهر بزراعة العنب والتي تمتد من فرنسا إلى جنوب أفريقيا وحتى كاليفورنيا، تترك الظاهرة أثرها البالغ على نوعية المحصول· وأصبح المزارعون يشتكون من التغير المتواصل في مذاقه، وعبروا عن خشيتهم من فقدانه التام لخصائصه التركيبية العضوية التي يتميز بها عن غيره من المحاصيل المزروعة· ودفع الارتفاع التدريجي في حرارة فصل الصيف في فرنسا مزارعي العنب وبقية أنواع الفواكه التي تشترك معه في مواسم القطاف، للبحث عن أراض زراعية تقع في المناطق الشمالية من البلاد أو حتى في المناطق الجنوبية من بريطانيا لزراعتها بهذا المحصول لأنها تتميز بمناخ أكثر برودة يشبه ذلك الذي كان يسود المناطق الجنوبية قبل ارتفاع درجة حرارة جو الأرض· وأصبح العلماء والمزارعون على حد سواء يعتبرون موسم قطاف العنب المقياس المفضل للتغير المناخي الذي تعاني منه الأرض إلا أنه بالتأكيد ليس المؤشر الوحيد· ولا شك أن مزارعي المحاصيل الموسمية بمختلف أنواعها قد لاحظوا ظاهرة النضوج المبكر لمحاصيلهم؛ وهي من المؤشرات التي لا تدعو إلى التفاؤل بل تشير إلى أن الدنيا ليست بخير·