الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الهمّ التلفزيوني

7 فبراير 2011 23:58
التلفزيون، هذا الاختراع العجيب الذي يثير استغرابي كل مرة يحصل حدث جلل في العالم، كيف ينقل لنا الحدث في أي مكان ونجد أنفسنا مندمجين في الأحداث وتصير شغلنا الشاغل، غارقين في أدق التفاصيل بين محللين ومفسرين ومراقبين مترقبين أو فقط محدقين في الشاشة على مدار الحدث. ولدت جدتي في بدايات القرن العشرين. وعندما سألتها عن الحرب العالمية الأولى والثانية، لم تعرف عم أتحدث، ليس بسبب كبر السن وضعف الذاكرة لأنها تتذكر بالتفاصيل الدقيقة النزاع الذي نشب بين أصحاب المزارع في قريتها حول توزيع مياه الفلج، ولكن فقط لأنها لم تعرف بذلك، فلم يكن في بيتها تلفزيون. كان عالمها يتكون مما يحصل أمامها فقط وما هي معنية به على وجه الخصوص. أفكر، هل سرق التلفزيون منا حياتنا الخاصة؟ هل صرنا نعيش في همّ الآخر حتى لم يبق متسع لهمّنا الشخصي؟ ثم أعود وأفكر ولكن أليس هذا شيئاً جيدا؟ أن لا تكون مشغولا فقط بهمّك، فتشغلك هموم العالم وتصغر في عينك همومك؟ هل ما نشاهده في التلفزيون هو ما يحدد صيغة حياتنا؟ اهتماماتنا وحجم همومنا؟ هل لو توقفنا عن متابعة الأخبار لخفت اهتماماتنا بما يحصل “للآخر”؟، وهل لو حصل ذلك لكنّا بشراً أقل “إنسانية” لأننا صرنا أقل “علماً” بما يحصل لأخينا الإنسان ؟ زوجة أخي لا تفتح التلفزيون، بالتالي هي تستيقظ كل يوم وفي رأسها موال خاص حول زوجها، والأولاد، والمدرسة، وتغذية الأطفال، وأساليب التربية، وثياب العيد، والعطر الجديد، وكل تلك الأحذية. لكن لا شيء في دماغها حول “الشعب” الذي “يريد” إسقاط “نظام”. أفكر، ماذا لو أغلقته أنا أيضا، هل سيخفت هدير الأصوات في رأسي وتغيب مشاهد الجماهير الغفيرة المتراصة بإصرار في العراء حتى تحقق ما تريد؟ ماذا عما أريده أنا؟ أٌقرر أن أفكر أكثر بما أريده أنا، فلو كل فرد فكر بما يريده لحياته لربما استقام شأن الجميع، ثم أعود إلى هناك وأتساءل كيف اتحدت إرادة كل تلك الجموع حول هدف واحد! ، كيف يدفع تفكير المرء لما يريده هو ليهتدي لما يريده جاره وابن عمه وابن البقال فيجتمعون جميعا تحت سقف السماء مرددين ذات النداء! وأنا أستعد للنوم في فراشي الوثير الليلة سأقرر أني لن أفتح التلفزيون غداً، وسأتذكر ألا أقرأ الجرائد أيضا، ولن ألقي نظرة على الفيسبوك، وربما أتوقف عن استخدام البلاكبيري كإجراء احترازي ضد الفضول، وبعد يوم، أو اثنين، وربما ثلاثة، أو أكثر، سأستيقظ وفي رأسي أغان حول جمال الحياة وشروق الشمس، وستغيب أصوات ذلك الشعب ومعنى أن يريد. Mariam_alsaedi@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©