الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الديمقراطية الأميركية في نظر شعوب العالم

الديمقراطية الأميركية في نظر شعوب العالم
4 سبتمبر 2007 22:37
إن فقدان المصداقية السياسية الذي نتج عن السقوط السريع لسيناتور ولاية ''إيداهو'' يعد في نظر الجمهور الأميركي مشابهاً لفقدان المصداقية الناتج عن تقلص دور الولايات المتحدة كزعيمة للعالم في الوقت الراهن· للوهلة الأولى قد لا يبدو أن هناك الكثير مما يربط بين فضيحة الشذوذ الجنسي التي تورط فيها السيناتور الجمهوري ''لاري كريج'' وبين تقلص المصداقية الأميركية في العالم، ولكن يجب علينا أن نتذكر أن الدروس الصعبة غالباً مَّا تأتي من أكثر الأماكن غرابة· فالفضائح السياسية في الولايات المتحدة يتم تعريفها عادة من خلال عنصرين جوهريين، الأول: ''الفعل''، وذلك عندما يقدُم أحد الساسة على ارتكاب فعل ينتهك فيه أخلاقياً وقانونياً ومعنوـياً التقاليد الثقافية للبـــلاد، ويخرق قوانينها أو يتعدى على خط أحمر من خطوط السلوك المقبول· وهذا ''الفعل'' الشائن يزداد جسامة عندما يحاول الشخص المتهم إنكار ما قام به، وتعمد التعتيم على الجمهور، هذا التعتيم هو العنصر الثاني من عناصر تعريف الفضيحة السياسية -والذي يعد بمثابة الضربة القاضية على مصداقية مرتكبه- ويطلق عليه ''التغطية على الفعل''· هناك العديد من الأمثلة على ذلك في التاريخ· فالرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، سقط من سدة أعلى منصب في البلاد لإصداره الأوامر باقتحام مقر الحزب الديمقراطي في ''ووتر جيت''، ولإرساله قواتٍ أميركيةً بشكل غير قانوني إلى كمبوديا، ولكن ما أساء إلى شخصيته أكثر من ذلك بما لا يقاس هو محاولته التغطية على ما ارتكبه من جرم· كذلك ما قام به الرئيس السابق ''بيل كلينتون'' بممارسة فعل جنسي مع متدربة شابة في القاعة البيضاوية في البيت الأبيض، غير أن تهمة الكذب تحت القسم في القضية التي رفعتها ضده ''باولا جونز'' هي التي أدت إلى إدانته بتهمة الحنث باليمين، وإلحاق ضرر بليغ بفترة رئاسته على الرغم مما حققه خلالها· نفس الشيء ينطبق على السيناتور لاري كريج· فمحاولة استدراج رجل آخر لممارسة الشذوذ الجنسي في حمام مطار، سلوك لا يمكن حتى لخيال أكثر الناشطين اليساريين الديمقراطيين تشككاً في أخلاق الجمهوريين أن يذهب إليه، غير أن محاولة ''كريج'' إنكار فعلته، واختلاق أعذار عرجاء لشرح ما حدث، وإلقاء اللوم على الصحافة، فإنه بدا وكأن يحاول أن يطلق الرصاصة الأخيرة على ما تبقى لديه من مصداقية سياسية خصوصاً أن القصة بأكملها وببساطة شديدة ليست قابلة للتصديق، وهو ما يعرفه الأميركيون جميعاً· ولكن الشيء الذي لا يبدو أن معظم الأميركيين يعرفونه في معظم الأحيان، هو أن فجوة المصداقية كالتي نشأت عن سلوك السيناتور ''كريج'' مماثلة لفجوة المصداقية التي تعاني منها الولايات المتحدة وخصوصاً فيما يتعلق بالطريقة التي يتم النظر بها إليها من قبل معظم شعوب العالم الخارجي· يمكننا القول -دون أن نكون مبالغين في ذلك- إن'' أفعال الخير'' العديدة التي تقوم بها الولايات المتحدة، يتم إدراكها بواسطة العديد من المسلمين على أنها أعمال تساهم في دعم العديد من المظالم الفادحة في الشرق الأوسط· وعلى الرغم من اختلاف هذا الرأي بين المسلمين أنفسهم، إلا أنه يمكن القول إنهم بشكل عام يتفقون على أن الفلسطينيين يتعرضون للحيف والظلم البين على أيدي الإسرائيليين، وعلى أن خطاب حكومة الولايات المتحدة لا يعكس أفعالها الحقيقية، وخصوصاً عندما تدعي أنها تتعامل مع دول المنطقة على قدم المساواة· إن الولايات المتحدة- على سبيل المثال- تعمل على الترويج للديمقراطية في الشرق الأوسط، بل قامت بغزو العراق وأفغانستان كي تمنحهما بركة الديمقراطية ومع ذلك -وهو ما يعد في نظر تلك الشعوب ازدواجية- فإنها لا تتردد في رفض ناتج العملية الديمقراطية كما حدث عقب فوز حماس بالانتخابات الفلسطينية التي جرت عام ،2006 وتتجاهل أن حزب الله هو جزء منتخب من الحكومة اللبنانية، وأن إيران دولة ديمقراطية (حتى لو كانت من نوع ثيوقراطي متشدد) جاء رئيسها وحكومتها إلى الحكم من خلال انتخابات شهدت تنافساً حامياً· وحتى في الديمقراطيتين اللتين أقامتهما في العراق وأفغانستان، فإن هاتين الديمقراطيتين تسهمان -كما هو ظاهر للعيان- في خلق الأسباب التي تؤدي إلى استمرار الفوضى التي تهدد بالانتشار في العالم الإسلامي· فالولايات المتحدة تبشر بالديمقراطية وتعتبرها نوعاً من التفويض السياسي الواسع، ولكنها لا تتردد في رفضها عندما تؤدي إلى نتائج لا تحبها· إن الشيء الذي يؤدي إلى توسيع فجوة المصداقية، هو الدعم القوي الذي تقدمه الولايات المتحدة للأنظمة السلطوية في بعض بلدان الشرق الأوسط، والذي يجعل العديد من المسلمين في مختلف أنحاء العالم يشكون في نوايا أميركا عندما تحثهم على أن يكونوا أكثر ديمقراطية، ويرون في الوقت نفسه أنها تمنح دعمها لأنظمتهم السلطوية التي تمارس القمع ضد الأصوات المخالفة· وحتى يأتي الوقت الذي يقوم فيه رؤساء الولايات المتحدة ورجال الكونجرس بالتعاون سوياً من أجل تقليص المسافة بين الخطاب السياسي وبين الأفعال الحقيقية على الأرض، فإن العديد من المواطنين في مختلف بقاع العالم سوف ينظرون إلى الولايات المتحدة بنفس الطريقة التي ينظر بها معظم الأميركيين حالياً إلى السيناتور لاري كريج· إن قادة أميركا العظام من الحزبين كانوا يهتدون دائماً بالمبدأ القائل: قل ما تقصده··· وافعل ما تقوله''، وما أراه هو أن الوقت قد حان كي يفعلوا ذلك مجدداً· أستاذ مساعد في كلية الدراسات العليا البحرية في مونتيري- كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©