الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

غياب معايير جودة التعليم.. وتلاشي رقابة "التربية"

غياب معايير جودة التعليم.. وتلاشي رقابة "التربية"
4 سبتمبر 2007 02:58
على طريقة دوري كرة القدم للدرجة الثانية والذي تتنافس فيه فرق كثيرة على الخروج من القاع طوال عام كروي كامل ثم ما تلبث أن تسقط مرة ثانية في القاع تبدو صورة المدارس الخاصة متشابهة تماماً مع دوري ''المظاليم''، فلا أحد يتابع الأداء الرياضي لهذه الفرق ولا ميزانيات مرصودة لها، ولا اكتشاف للمواهب التي قد تظهر خلال المنافسات، ولا جمهور يتدفق على المدرجات، ولا تقييم للسلبيات أو الإيجابيات، باختصار شديد الصورة تبدو متقاربة إذ يطلق كثير من التربويين على قطاع التعليم الخاص ''القطاع المنسي'' فلا أحد يهتم بما يدور في المدارس الخاصة سوى طرفين الأول: وهو المالك أو المستثمر الذي يدير المدرسة والذي يضع عينه على الربح، والربح فقط، أما الطرف الثاني فهو ولي الأمر وهؤلاء ينقسمون إلى فريقين: الفريق الأول وهو الذي يبحث عن مدارس ''الشمال'' التي تعلم الطلاب ركوب الخيل والسباحة والمبارزة، وهذه رسومها الدراسية بلغت حداً عندما نفكر فيه يرتفع معدل ضغط الدم الذي نعاني منه منذ سنوات إذ أن قيمة الرسوم للطالب في هذه المدارس قطعت خط الـ 60 ألف درهم للطالب الواحد في السنة ''ولا تعليق''· أما الفريق الثاني من أولياء الأمور فهؤلاء الذين يحملون قائمة المدارس الخاصة ويبحثون بين جنباتها عن الأرخص سعراً والأقل تكلفة ويطمعون في أن يحصدوا تعليماً جيداً لا يتحقق أبداً· الاعتبارات الاجتماعية سنوات طويلة مرت على قطاع التعليم الخاص الذي انطلق لاعتبارات اجتماعية قبل أن تكون تربوية، فقد كان ابتعاث الطالب إلى مدرسة خاصة يمثل نوعاً من الوجاهة الاجتماعية و''البريستيج'' الذي يرسمه البعض حول نفسه، كذلك هناك أسباب أخرى دفعت لهذه الحالة منها تدني مستوى المدارس النظامية وشيوع البيروقراطية فيها، وأيضاً زيادة الكثافة الطلابية وغيرها من الأمور التي دفعت بالكثير من أولياء الأمور إلى الالتحاق بتلك المدارس· منذ عشر سنوات تقريباً طرحت وزارة التربية والتعليم شعار ''التعليم الخاص شريك أساسي في التعليم''، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم لم ير التعليم الخاص من الوزارة شيئاً، ولم يسمع منها سوى الوعود التي تتبخر قبل أن يجف حبرها الذي خطت به القرارات الصادرة عن الوزارة، ولسوء حظ التعليم الخاص فإن وزارة التربية والتعليم عهدت مسؤولية الإشراف عليه إلى عدد من الموظفين غير المتخصصين الذين لم يفكروا يوماً في كيفية النهوض بهذا القطاع والخروج به من دوري ''المظاليم'' إلى دوري الدرجة الأولى، وذلك على الرغم من وجود مدارس خاصة أرقى مئات المرات من المدارس الحكومية من حيث جودة المباني الدراسية وكفاءة أعضاء هيئات التدريس وأيضاً التجهيزات التعليمية والمختبرية والمناهج الدراسية المطبقة ونظم وأساليب التدريس وغيرها من العملية التعليمية التي تجعل من هذه المدارس مراكز حقيقية للإبداع التعليمي· الاسطوانة المشروخة طوال هذه الفترة والمدارس الخاصة تستمع إلى الاسطوانة ''المشروخة'' التي تُعزف دائماً مع أول يوم في العام الدراسي الجديد، وتسمع هذه المدارس من طاحونة التربية ''صخباً'' ولكنها لا ترى طحناً في النهاية، وينتهي العام الدراسي كالذي سبقه وتظل المدارس الخاصة في عالمها الذي تديره، والذي لا يربطها فيه بالتربية سوى تلك الأوراق التي ترسلها المدرسة طلباً لاعتماد المعلمين ثم يوقع عليها ''عبدالعزيز كوتي'' ويكتب موافق، وتأشيرة أخرى لا مانع، ثم يضع الأوراق جانباً حتى يحملها مندوب المدرسة وتنتهي العلاقة بين الطرفين· ماذا تعطينا ''التربية'' حتى السيد ''عبدالعزيز كوتي'' قد ''طفر'' مع بداية العام الدراسي الحالي ولم يجد مفراً من وضع الملفات على الطاولة لأيام حتى أكلها التُراب كما أكل أصحابها القلق انتظاراً لتأشيرة سعادته التي لم تأت بعد، و''كوتي'' لمن لا يعرفه هو موظف آسيوي مجتهد يقوم بدور ''أصحاب السعادة'' في إحدى المناطق التعليمية والذين لم يعد يروقهم العمل وصارت شكواهم علانية ''ماذا تعطينا التربية''· وتتلخص معاناة ''بعض'' المدارس الخاصة في الآتي: عدم وجود استراتيجية واضحة تحدد الغاية من الاستثمار في التعليم الخاص، وهل الهدف هو الربح أم أداء رسالة تربوية، وحسب فهمنا لما يدور لهذا القطاع فإن معظم آلية العمل فيه تتم باعتباره ''الدجاجة التي تبيض ذهباً''، إذ لم نلمس في يوم من الأيام أن مدرسة خاصة فتحت أبوابها ورفعت شعار ''في سبيل العلم نمضي''، أما المعاناة الأخرى فهي ترتبط بعدم وجود خطط مستقبلية تعزز من هذا الاستثمار على مستوى المدارس، إذ أن مدرسة من مدارس الفلل في منطقة تعليمية ما تربح سنوياً مبلغاً يتراوح ما بين 3 إلى 4 ملايين درهم سنوياً، ومنذ 5 سنوات لم تضف جهاز كمبيوتر جديداً في أروقتها بل إن راتب المعلم ''المسكين'' فيها ينحصر ما بين 1500 درهم إلى 2000 درهم شهرياً، وتعمد هذه المدرسة وغيرها من بعض المدارس الخاصة على عدم صرف شهور الصيف لمعلميها أي أن آخر راتب يحصل عليه المعلم هو راتب شهر مايو، وفي رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية راتب شهر أبريل· رسوم الكتب الدراسية كذلك هناك تحديات كثيرة تواجه المدارس الخاصة ''المحترمة'' فيما يتعلق بارتفاع أسعار الكتب الدراسية التي يتم استيرادها من الخارج وعلى الرغم من ذلك فإن هذه المدارس تبالغ مبالغة شديدة في بيع الكتب للطالب لدرجة أن مدرسة منها رفعت سعر الكتاب إلى رقم قياسي تجاوز 435 درهماً، وهذا الكتاب قد يدرس فيه الطالب 40 صفحة طوال السنة ثم يلقي به إلى غياهب النسيان، مدارس أخرى تستورد الكتب من دول آسيوية بأسعار زهيدة ورغم ذلك يتم بيعها للطالب بأضعاف المضاعفة، ولا توجد من جانب الوزارة آلية فعلية تستطيع من خلالها ''لجم'' جماح هذه المدارس· وعلى الرغم من وجود قانون للتعليم الخاص ولائحة تنفيذية ولوائح فرعية وقطاع في الوزارة وإدارات في المناطق التعليمية وجيش من الموظفين غير المتخصصين إلاّ أن الرقابة على المدارس الخاصة لا تزال بعيدة عن مفهوم هذه الكلمة ودلالاتها اللغوية، وعلى سبيل المثال فإن بعض المدارس الخاصة تلجأ إلى استئجار باصات مدرسية للطلاب من خلال شركات تنقل عمال المقاولات وتأتي هذه الباصات في رحلتين إلى المدرسة، ويبلغ سعر نقل الشخص في هاتين الرحلتين إلى 150 درهماً شهرياً في حين تحصل المدرسة من الطالب على مبلغ 3 آلاف درهم سنوياً نظير هذه الخدمة مع الأخذ في الاعتبار انتهاء العام الدراسي في شهر يونيو، وهنا بند آخر من بنود الربح يضاف إلى بند الكتب المدرسية، والزي المدرسي، وتدني رواتب المعلمين، وغيرها من الرسوم التي تحصل عليها المدارس الخاصة مثل رسوم التسجيل والأنشطة والرحلات وغيرها من الأبواب التي تنفتح من خلالها ''نيران'' جهنم في وجوه أولياء الأمور· المدارس الملتزمة بعض المدارس الخاصة ''الملتزمة'' تمنح مرتبات مجزية لمعلميها وكذلك تخصص لهم سكناً مناسباً وهذه المدارس تعاني ''الأمرين'' فيما يتعلق بمواجهة الغلاء ولا تجد سبيلاً إلى تلك المواجهة سوى ''قصم'' ظهور أولياء الأمور وإلهابها بسياط الرسوم الدراسية التي ارتفعت من 8 إلى 10 إلى 14 إلى 18 إلى 25 ألف درهم في المدارس التي تنتمي إلى بداية الدرجة الثالثة ونهاية الدرجة الثانية، في حين ارتفعت الرسوم في مدارس الدرجة الثانية إلى 25 و35 و40 و45 ألف درهم في سنوات قليلة، أما مدارس الدرجة الأولى فإن ارتفاع الرسوم فيها ''يثلج'' صدور بعض أولياء الأمور الذين يتفاخرون في المجالس بأنهم يدفعون 80 ألف درهم رسوماً دراسية للطالب في الصف الثامن· بقي في هذه الشريحة من المدارس تلك التي تبحر في القاع، ويبحر معها أولياء الأمور في معاناة ''الغم والنكد''، فلا هي مدارس مجهزة، من حيث المباني، ولا المعلمين الذين يعملون بها لهم علاقة بالتدريس من قريب أو بعيد، وكان الله في عون هؤلاء المساكين الذين ذهبوا إليها ''مستجيرين من الرمضاء بالنار''· إن مسؤولية النهوض بالتعليم الخاص باتت في أشد الحاجة إلى تدخل مدروس من جانب وزارة التربية والتعليم ومجالس التعليم وبدون هذا التدخل سيظل هذا القطاع ينمو في القاع، لا يشعر به أحد ولا يلتزم بجودة طالما ''بُحَتْ'' الأصوات في الترويج لها، والله من وراء القصد·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©