الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التفويض الدولي... معضلة القوات الأميركية في بلاد الرافدين

التفويض الدولي... معضلة القوات الأميركية في بلاد الرافدين
3 سبتمبر 2007 23:50
هل يتسم الوجود الأميركي في العراق بالشرعية؟ الملاحظ أنه قلما أثير هذا السؤال في معرض الجدل الدائر بين ''الجمهوريين'' و''الديمقراطيين'' حول الاعتبارات العملية والأخلاقية للانسحاب الأميركي المحتمل من العراق· غير أنه ليس مستبعداً أن يقفز هذا السؤال فجأة خلال الأشهر القليلة المقبلة، وأن تكون له تأثيرات حاسمة على الحوار الأميركي العام الدائر بشأن الغزو الحالي· يذكر أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 الصادر في مايو من عام ،2003 أي بعد بضعة أسابيع فحسب من اكتمال الغزو الأميركي للعراق، كان قد اعترف بـ''سلطة التحالف الدولي، أي تلك السلطة الممثلة للقوى المحتلة الموحدة للعراق، باعتبارها حكومة قانونية نافذة في العراق''· وفي أكتوبر من العام نفسه، خطا مجلس الأمن خطوة أبعد من تلك باتخاذه قراراً آخر قضى بتفويض القوات المتعددة الجنسيات التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، ببسط الأمن والاستقرار في العراق· وعلى رغم ملاحظة مجلس الأمن لانتهاء سريان ذلك التفويض خلال مدة عام من تاريخ صدوره، فإنه عبّر في ذات الوقت عن ''استعداده للنظر في حال نشوء أية حاجة مستقبلية في استمرار التفويض الممنوح للقوات المتعددة الجنسيات، آخذاً في الاعتبار وجهات نظر حكومة تعددية تمثيلية عراقية معترف بها دولياً''· وفي يونيو من عام ،2004 نص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1546 على الآتي: ''بحلول 30 يونيو من عام ،2004 سوف ينتهي الاحتلال وكذلك ينتهي معه وجود سلطة التحالف الدولي المؤقتة، كي يستعيد العراق سيادته الوطنية كاملة''· لكن ومع تدرج العراق نحو استعادة سيادته عبر عدة مراحل انتخابية ومداولات عسيرة معقدة حول تشكيل حكومته الحالية، فقد عمدت الأمم المتحدة إلى تجديد تفويضها الممنوح للقوة المتعددة الجنسيات، استجابة منها لطلبات رئيسي الوزراء العراقيين المتعاقبين: إبراهيم الجعفري في عام ،2005 وحالياً نوري المالكي الذي تولى مهامه في العام الماضي· بقي أن نقول إن التفويض الحالي سوف ينتهي بنهاية شهر ديسمبر المقبل· والسؤال هو: هل يتم تجديده مرة أخرى؟ وهنا لابد من التنبه إلى أن البرلمان العراقي كان قد أجاز قانوناً في شهر يونيو الماضي، نص على عدم تجديد التفويض المذكور دون استشارته وموافقته· ولما لم يكن نوري المالكي قد وقّع على نص القانون، فإن ذلك يعني إمكانية نقضه له في نهاية الأمر· لكن وبالنظر إلى تردي علاقته مع واشنطن مؤخراً، فإن من المرجح أن يوقع عليه هو أيضاً ليسري القانون كما هو بحلول نهاية ديسمبر المقبل· وفي الوقت نفسه أجاز البرلمان العراقي قراراً غير ملزم بتحديد جدول زمني لبدء الانسحاب العسكري الأجنبي من البلاد· وفيما لو صوّت البرلمان في شهر ديسمبر المقبل على عدم السعي لتجديد التفويض الحالي الممنوح لهذه القوات الأجنبية، فإن ذلك يعني انتفاء صفة القانونية عن القوات الأميركية المرابطة حالياً· السؤال الذي لابد من إثارته لحظتها: هل يؤدي هذا الاختلاف القانوني إلى أي اختلاف مادي على الأرض؟ على أرجح الظن ألا تعير إدارة بوش أي اهتمام يذكر لأي من قرارات مجلس الأمن الدولي المذكورة آنفاً بشأن العراق· بيد أن انتهاء التفويض الممنوح للقوات الأميركية هذه، ربما يحدث فارقاً كبيراً بالنسبة للعراقيين أنفسهم، بما في ذلك احتمال اندلاع انتفاضة شيعية واسعة النطاق ضد الاحتلال الأجنبي· وفيما نذكر فقد كان حصار القوات الأميركية لمدينة النجف في عام ،2004 في محاولة منها للسيطرة على الانتفاضة الشيعية الوحيدة التي شهدتها سنوات الغزو كلها منذ صيف عام ،2003 كان قد استنزف تلك القوات وأنهكها لأبعد حد يمكن تصوره· وبما أن هذه المدينة قد ضاعفت قدراتها العسكرية أضعاف المرات، فإن ذلك يفاقم كثيراً من مخاطر المواجهة المسلحة معها، بما يفوق تصورات أي من القادة والجنرالات العسكريين الأميركيين الآن· والأكثر من ذلك أن مقتدى الصدر الذي قاد انتفاضة النجف المذكورة، ربما أصبح أقوى قائد اليوم في العراق· أما الاختلاف المادي الثاني الذي يمكن أن يحدثه انتهاء التفويض الممنوح للقوات الأميركية، فيتلخص فيما إذا مضى المالكي أو خلفه، خطوة عملية في تنفيذ تهديداته بأن في مقدور بلاده أن تجد لها أصدقاء آخرين غير الولايات المتحدة الأميركية· يجدر بالذكر أن المالكي كان قد أطلق تلك التهديدات أثناء مؤتمر صحفي له، عقده في العاصمة السورية دمشق· وليس مستبعداً أن يكون هذا الصديق البديل المحتمل، روسيا العدو اللدود لواشنطن· وبالطبع فإن موسكو لن تذرف دمعة واحدة، فيما لو تقلَّصت الولايات المتحدة الأميركية من وضعيتها الحالية باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم، إلى قوة كبيرة فحسب بين قواه المتعددة، بسبب التداعيات السلبية الكارثية الناجمة عن حرب العراق· غير أن كل المؤشرات ترجح أن تكون إيران الشيعية، هي الشريك والحليف الأقوى المحتمل لحكومة نوري المالكي· وفيما لو سارت الأمور في هذا الاتجاه، فهل يتعين على الولايات المتحدة الأميركية توجيه ضربة استباقية لطهران، خاصة في ظل الوجود الحالي لقواتنا على الأرض؟ هناك من يفضل هذا الخيار، من كبار مسؤولي الإدارة· غير أن توجيه ضربة استباقية كهذه لطهران، سوف تعقبها ردة فعل إيرانية، تفضي إلى إغلاق مضيق هرمز· وعندها تكون القوات الأميركية قد أوقعت نفسها في فخ عظيم نصبته لنفسها، سواء تعلق الأمر بقطع خطوط إمداداتها الرئيسية، أم بقطع الطريق الذي ينبغي عليها أن تسلكه في حال انسحابها من العراق· ولكل هذا صلة مباشرة بالطبع بقانونية أو عدم قانونية احتلالها الحالي لبلاد الرافدين· لكن وقبل أن تمرغ سمعة جيش الدولة العظمى الوحيدة في عالم اليوم، في وحل الإهانة العراقية المحتملة، فإن على مجلس الشيوخ الأميركي أن ينضم إلى صف البرلمان العراقي، ويصدر قراراً ببدء الانسحاب التدريجي غير المتعجل من العراق، ولكن شريطة استمراره واكتماله بالسرعة اللازمة· أستاذ اللغة الإنجليزية ودراسات الأديان بجامعة كاليفورنيا وزميل أول للشؤون الدينية بالمجلس الباسيفيكي للسياسات الدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©