السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مالك بن نبيّ.. مجددا

مالك بن نبيّ.. مجددا
9 فبراير 2012
يكشف المفكر الجزائري مالك بن نبي مشكلات التخلف الحضاري، ويدعو في كتابه “شروط النهضة” الذي أعيدت طباعته مجددا، إلى البحث عن طرق تكفل تحويل ما يسميه العجز والعزيمة المستلبة إلى حالة من اليقظة والفعالية الإيجابية التي تشكل البناء وتصحيح المسار عبر الذات وليس عبر المستعمر آنذاك، ويسمي كل هذا بمشروع النهضة الذي جايله فيه وقتذاك مجموعة من المفكرين المتصلين بالمشروع نفسه ولو باختلاف أفكارهم وأزمنتهم عن بعض مثل رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده والكواكبي وجمال الدين الأفغاني، وشغلهم هاجس ما يسمى بالنهضة ومحاولة تصحيح بعض المفاهيم في الانسان العربي المنهزم والمحبط والمنكسر. وكان بن نبي قد عقد العزم أيضا للسفر إلى الحجاز وهو من يقول إنه تأثر بفكر محمد بن عبدالوهاب لولا ظروفه التي منعته من السفر، صحيح أنه بعد ذلك ظهر الفكر العربي المعاصر بديلا عن النهضة الفكرية، واتخذ أطروحات جديدة لها علاقة بدراسة التراث والعقل العربي ووجهوا نقدا كبيرا إلى مشروع النهضة، لكن أهمية إعادة مثل هذا الكتاب الآن لأنه يمثل أيضا قيمة فكرية تجاوزت زمنها ويمكن قراءتها الآن بشكل آخر يتقارب مع زمننا في أوجه عديدة، ولنر مسوغات مالك بن نبي وقتها وكيف أنها لامست الكثير من الهموم ومن شواغل الشارع العربي والاسلامي، إذ كانا يعانيان لفترة طويلة مما يصفه بن نبي بالمرض حد فقدان الشعور بالألم، ولذا كان لزاما من الصحوة التي تدرس تلك الفترة في كل معطياتها الفكرية والثقافية المختلفة بما في ذلك ما يتصل بالمجتمعي والاقتصادي. يرى بن نبي أن المفكرين والمصلحين الذين سبقوه لم يكونوا يعالجون المرض الذي استشرى وتمدد واستطال، بل كانوا فيما يشبه توصيفه وتحديده وتشخيصه ووضع دائرة حمراء عليه، فمحمد عبده الذي رأى الجانب الوعظي والتذكيري، والأفغاني الذي كان يذهب إلى الحل سياسيا، كانا على سبيل المثال بعيدين عن فكرة انتزاع المرض من جذوره، ذلك المريض كان يبحث عن الشفاء التام من الاستعمار ومن هيمنة الأفكار على تراثه وأفكاره وقيمته كانسان ومن الأمية التي عانى منها وصولا إلى الفقر والجهل والظلم والاستعباد والقهر. وأولى تلك المشكلات التي ينبغي معرفتها حتى ينتشل المرض كما يقول بن نبي: “إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته”، ويغوص في مفهوم تلك الحضارة وكيف استلبت مدة من الزمن وعبر الاستعمار في الجزائر مثلا وكيف كان النضال بأنواعه كافة يقاوم لكن سرعان ما يوضع في طريقه العقبات والانحراف به عن مساراته ورؤيته المستقبلية، يقول في الكتاب: “فعندما برق في أفقنا فرس الأمير عبد القادر في وثبته الرائعة كان الليل قد انتصف منذ وقت طويل ثم اختفى سريعاً شبح البطل الأسطوري كأنه حلم طواه النوم”، وحلل بن نبي مشكلة النهضة إلى ثلاث مشكلات رئيسية تكمن في الانسان والتراب والوقت، كل ذلك مرتبط بمؤثر الدين كما يقول: “إذا تحرك الإنسان تحرك المجتمع والتاريخ، وإذا سكن سكن المجتمع والتاريخ. ذلك ما تشير إليه النظرة في تاريخ الإنسانية منذ أن بدأ التاريخ. فنرى المجتمع حيناً يزخر بوجود النشاط وتزدهر فيه الحضارة وأحياناً نراه ساكناً لا يتحرك يسوده الكساد وتغمره الظلمات.. على أنني حينما أرى في حركة التاريخ حركة الإنسان وفي ركوده فإن ذلك يضعني أمام مشكلة تتصنف تحت عنوان الفعالية. فعالية الإنسان في التاريخ”، فالانسان الذي تبدأ به ومعه عملية التطور والبناء وهذا يتم بمعرفته لنفسه أولا من وجوده إلى واقعه وقدراته ثم عليه أن يعّرف الآخرين بنفسه بعد فترة الاستعمار المؤثرة والمشوهة له، ثم لابد أيضا أن يعرف هو الآخرين، كل هذا لأن الانسان هو الغاية والهدف، فمعرفة الانسان أهم بكثير من أولويات مزروعة في داخله فهو قبل الصناعات وقبل التفكير بالتطور فهو من سيقود التنموي والنهضوي عبر وجوده، ومن سيقود الثورة على تلك العصور، وهو من ينجو بالأفكار من قيود الاضطهاد والخمول وحالة الانكسار، الأفكار جنبا إلى جنب مع الأشخاص والأشياء، حيث تشكل مع بعضها توازنا تلك الأفكار التي صارت تشكل قيمة دولية وقومية وهذا مالم تشعر به البلدان المتخلفة التي ترى أن مقاييس القوة والنهضة هي الأشياء وليس الأفكار، ولذا يرى ذلك الانسان أن تخلفه هو بسبب عدم وجود تلك المخترعات الحديثة ضمن إطار وجوده، لذا تتفاقم مشكلاته أكثر وتعلو لديه عقدة النقص بل قد تختفي بشكل سلبي.. لكن هل يكفي حسب بن نبي أن ننتج أفكارا؟ لا بل يجب أن توجه تلك الأفكار كل حسب مهمتها ويهيأ لها المناخ الصحي والملائم والخبرات للعمل بما يحققها، وكيف يخلص الانسان من الاستعمار الثقافي فهو من يشعر على مدار ازمنة بالدونية وعقدة النقص من الآخر وهذا ما بذل ذلك الآخر جهدا كبيرا في تمريره لعقول وأذهان الناس حتى أصاب شريحة من المثقفين، كيف يكون ذلك سوى بوجود مناخ متحرر من هذه العقد تربويا وثقافيا وببناء شخصيته في جو من التعمق في وجوده ومعطياته وإرثه الفكري، وهذا يبدأ من أصغر منظومة في المجتمع إلى آخر مدى يمكن أن يصل له فالأسرة والمدرسة والاجتماعي والثقافي لايمكن أن تكون بعيدة عن هذا الإصلاح، مرتبطة بنهضة علمية ورؤيا جديدة وبالتناغم بين الأشياء والأفكار والأشخاص بعد ان كان المستعمر حسب بن نبي يحاول التفقير والتجهيل والانحراف حتى بمشاريع الإصلاح الكبرى وبوسائله المختلفة، أما المشكلة الثانية: التراب والتي هي أحد العناصر الثلاثة التي تكون الحضارة، التراب القيمة الاجتماعية، المستمدة من قيمة أصحابه والذي يكون غاليا وبقيمة عاليه من قيمه أهله ومالكيه والعكس صحيح، وكيف يمكن أن يكون التراب هو كل شيء من ناحية فكرية أو فنية وحتى ولو بالاساليب البدائية، ثم العنصر الثالث وهو الوقت فالزمن كما يقول بن نبي نهر قديم يعبر العالم منذ الأزل، يقول بن نبي “فالحياة والتاريخ الخاضعان للتوقيت كان ولا يزال يفوتنا قطارهما فنحن في حاجة على توقيت دقيق وخطوات واسعة لكي نعوض تأخرنا”. الكتاب أعيدت طباعته من جديد وهو من ترجمة عمر كامل مسقاوي وعبد الصبور شاهين وقدمه رضوان السيد وقد أعيدت طباعته ضمن سلسلة كتاب مجلة الدوحة، وبن نبي بقي في ذاكرة الأجيال بهذا الكتاب وغيره كمفكر وفيلسوف حضاري كما أنه عالم اجتماع وتربوي مرموق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©