الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المزارعون الأفغان: لا بديل عن الخشخاش!

المزارعون الأفغان: لا بديل عن الخشخاش!
3 سبتمبر 2007 01:19
عند الوقوف على شرفة منزل الحاكم في أوروزغان في جنوب أفغانستان، سرعان ما يدرك المرء حجم مشكلة المخدرات التي ابتلي بها هذا البلد· فمن جدران المنزل وعلى مد البصر تنتشر مئات الفدانات من حقول زهرة الخشخاش الجاهزة للقطاف لاستخلاص الأفيون، والتي تعد الوسيلة الوحيدة تقريباً لكسب قوت العيش في إقليم أوروزغان الفقير· في أواخر أبريل الماضي وفي ذروة موسم حصاد الخشخاش، وصل إلى أوروزغان فريقٌ يضم 200 شرطي من كابول، يتزعمهم متعاقدون يعملون مع شركة ''داينكورب'' الأميركية، وذلك بغية بدء أول جهود القضاء على زراعة هذه النبتة في الإقليم· وبعد مفاوضات عسيرة مع المسؤولين المحليين، شرع الفريق في تدمير حقول الخشخاش· لم يحدث شيء خلال اليومين الأولين، باستثناء نزاع صغير بخصوص تحديد الحقول التي سيتم تدميرها· لكن في اليوم الثالث، وعندما بدأ العمل على قدم وساق، ظهرت فجأة مجموعة من مقاتلي ''طالبان'' مدججة بالأسلحة الخفيفة والقنابل وقذائف المورتر، فهاجمت الفريق القادم من كابول بينما كان منهمكاً في تدمير المحصول، وهو ما أسفر عن إصابة أربعة رجال شرطة أفغان بجروح خطيرة· ويعد هجوم أوروزغان دليلاً، لمن مازال في حاجة إلى دليل، على سعي ''طالبان'' إلى استغلال الاستياء الشعبي من الجهود الرامية إلى القضاء على زراعة الخشخاش· إذ يعرف تأييد الأفغان لزراعة الخشخاش ارتفاعاً ملحوظاً عبر كل أرجاء البلاد؛ حيث يرى 40% من الأفغان اليوم أنها أمر مقبول في حال لم تكن ثمة طريقة أخرى لكسب قوت العيش· وفي الجنوب الغربي، حيث تتركز معظم زراعة الخشخاش في أفغانستان، يرى كل شخصين من أصل ثلاثة أشخاص أنها أمر مقبول· وفي إقليم هلمند المجاور لأوروزغان، والذي يوفر نحو نصف أفيون العالم، فإن معدلات التأييد لـ''طالبان'' تصل 27% (مقارنة مع 10% في مجمل أفغانستان)· وبدلاً من الاستفادة من هذه الحقائق والعمل وفقها، وضعت سياسة إدارة بوش القضاءَ على زراعة الخشخاش خلال السنوات الثلاث الماضية في صلب اهتماماتها، وذلك على الرغم أنها وُوجهت بارتيابٍ أفغاني متزايد، وبعنف في بعض الحالات، وتزامنت مع تراجع عام في تأييد الجمهور لمهمة الولايات المتحدة و''الناتو'' في أفغانستان· لكن لماذا لا تحظى هذه السياسة بالشعبية في أوساط الأفغان؟ علينا أن نلاحظ هنا أن مزارعي أفغانستان سينتجون ما يقدر بـ9000 طن من الأفيون هذا العام، وذلك حسب تقرير للأمم المتحدة صدر الأسبوع الماضي، وأن القيمة الزراعية الإجمالية للمحصول ستعادل نحو مليار دولار· والواقع أن معظم المزارعين لا توجد أمامهم خيارات أخرى كثيرة لكسب الرزق في هذا الجزء من العالم· وعليه فلا يمكن للمرء أن يزيل جزءاً أساسياً وهاماً من طريقة عيش نحو 3 ملايين أفغاني ممن يزرعون زهرة الخشخاش، ولا يتوقع رد فعل من قبلهم· علاوة على ذلك، فإن سياستنا ليست فعالة؛ فرغم أن الولايات المتحدة تنفق على أنشطة محاربة المخدرات في أفغانستان سنوياً المبلغ نفسه تقريباً الذي يربحه جميع مزارعي زهرة الخشخاش الأفغان مجتمعين في السنة، فإن سياساتنا في هذا المجال لم تمنع ظهور محاصيل قياسية من الخشخاش كل عام، مثلما لم تحل دون تحول أفغانستان إلى ما يشبه دولة مخدرات ينخرها الفساد· وفي هذا الإطار، يفيد تقرير الأمم المتحدة الصادر الأسبوع الماضي بأن أفغانستان مازالت مركز تجارة الهيروين في العالم، حيث تشكل 93% من إنتاج الأفيون العالمي· كما يشير إلى ارتفاع بنسبة 17% في زراعة الخشخاش العام الماضي، بعد ارتفاع قياسي بنسبة 59% خلال العام الذي قبله· باختصار، فإن الحكومة الأميركية تتبنى في مجال محاربة المخدرات سياسةً غير ناجحة تساعد أعداءها· فـ''طالبان'' لا تحصل على مزايا مالية هامة من تجارة الأفيون فحسب، وإنما تكسب أيضاً مزايا وفوائد سياسية بفضل موقفها المؤيد لزراعة الخشخاش، مستغلة بذلك أوضاع المزارعين الفقراء· إلى ذلك، أصبحت جهود القضاء على زراعة الخشخاش إسفيناً في العلاقة الهشة بين بلدان ''الناتو'' التي تشارك في التحالف الدولي في أفغانستان· إذ تعارض بلدان أوروبية كثيرة، ومنها هولندا التي لها قوات في أوروزغان، السياسة الأميركية للقضاء على زراعة الخشخاش· ولذلك فالتمسك بسياسة فاشلة بخصوص القضاء على هذه الزراعة يمثل تهديداً حقيقياً لهذه العلاقات· وعليه ينبغي أن تكون أولى أولويات واشنطن و''الناتو'' هي إحباط تمرد ''طالبان''، مع العمل في الوقت نفسه على تحسين ظروف عيش الأفغان العاديين عبر جهود إعادة التعمير بغية الفوز بالعقول والقلوب· ومن شأن عدم القيام بشيء على جبهة الخشخاش أن يساهم كثيراً في تحقيق هذا الهدف، مقارنة مع جهود القضاء على زراعته التي تتبعها الولايات المتحدة حالياً وتأتي بعكس ما هو متوخى منها· وعليه يتعين على الولايات المتحدة أن تتبنى سياسة ''لا أذى'' التي تعلق مؤقتاً القضاء على زراعة الخشخاش، وذلك بالتوازي مع حزمة من المبادرات الجديدة التي توفر بدائل للمزارعين· وعلى الولايات المتحدة أن تكف عن استهداف المزارعين الفقراء وتركز على تجار المخدرات الذين يجنون الجزء الأكبر من الأرباح من الهيروين· كما ينبغي على موظفي وكالة محاربة المخدرات الأميركية الموجودين في الميدان أن يضاعفوا الجهود لتفكيك شبكات غسل الأموال ومنع المختبرات والشحنات· ويتعين على الوكالة الأميركية أيضاً أن تغتنم ثقافة الشرف والعار السائدة في أفغانستان عبر نشر قائمة بأسماء الأفغان المشتبه في قيامهم بتجارة المخدرات، بمن فيهم المسؤولون الحكوميون، وذلك على غرار ما قامت به في عقد التسعينات عندما نشرت قائمة بأسماء تجار المخدرات في كولومبيا· ومن شأن مقاربة من قبيل ''لا أذى'' أن تضمن عدم تقويض محاربة المخدرات، ومحاربة الإرهابيين في آن واحد· كاتب أميركي وزميل مؤسسة نيو أميركا فاونديشن محلل سياسي بمؤسسة نيو أميركا فاونديشن ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©