الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عندما كنت مليونيراً!

عندما كنت مليونيراً!
23 مارس 2008 02:00
كنت أحلم بزيارة جزر المالديف كلما قرأت عن ذلك الفردوس الساحر في قلب المحيط الهندي، فإذا بالحظ الذي لم يكف يوما عن التكشير في وجهي بوقاحة، يبتسم على غير العادة ابتسامة عريضة كعرض ''النوط بُو ألف درهم''، فقد فتحت بريدي الالكتروني ذات صباح لأفاجأ بتلقي دعوة مدفوعة التكاليف ''فُلْ بُورْد'' لزيارة جزر المالديف، ولكن أياً منها؟ يا إلهي، جزيرة المليونيرات!!· انتظرت موعد السفر أعد الأيام والليالي ولهفة التوقع تغمرني، حتى حانت الساعة الموعودة وصعدت الطائرة محلقا في الغيم، وعندما اقتربت الطائرة من الجزر ونظرت من النافذة رأيت الفردوس بأم عيني، فقلت في نفسي ''إجازة فل إن شاء الله''· هبطت في مطار ''ماليه'' لتقلني طائرة بحرية صغيرة يسمونها التاكسي الجوي، طارت الطائرة وطار قلبي من مكانه لمدة ساعة حافلة بالبهجة والترقب، ثم عاد واستقر حين حطت على الأرض لأجد نفسي في الجزيرة الحلم، وتبدأ رحلة السحر والرفاهية تتفتح على مهل· أنا في منتجع من أهم المنتجعات السياحية في المالديف، في مكان شيد على جزيرة خاصة فاخرة جدا لمليونيرات العالم، وفي أجمل وجهات أثرياء أميركا وروسيا وانجلترا واليابان والشرق الأوسط، يعني باختصار أنا في عالم المليونيرات، لم أفرك عيوني لأتأكد من أنني في حلم، بل استسلمت لشعور غامر بالبهجة، ثم قلت في نفسي: ولم لا؟ هاأنذا أخيراً في عالم الثراء الفاحش، أنا العبد الفقير لله الذي لا يحتكم على بيت صغير ويسكن بسبب لعنة الإيجار في زمن الغلاء على صفيح ساخن، انضممت بقدرة قادر لقائمة الأثرياء الذين زاروا الجزيرة التي لا يتاح حجزها إلا لعدد محدود لا يزيد عن 15 شخصاً، من الراغبين في قضاء إجازة عمر لا تنسى في قلب المحيط الهندي وروعة الطقس الاستوائي الماطر على مدار العام· طبعاً، لم تفلح كل مظاهر الثراء والغنى في أن تنسيني فضولي الإنساني فما بالك بالفضول الصحفي؟! استفسرت عن الأجرة، فقيل لي أن أجرة الإقامة في الليلة الواحدة 13 ألف دولار عداً ونقداً، كاش لا تقبل التقسيط، مع 500 دولار إضافي لكل مرافق، أي مرافق؟ وهل أنا مجنون لكي أدعو أحداً ليرافقني إلى هنا؟ ولما رآني أحدهم أفغر فمي دهشة قال لي: ليس مبلغاً كبيراً لجزيرة فاتنة كلف تجديدها وفق المقاييس العالمية أكثر من عشرين مليون دولار، ثم هناك جزر أخرى توفر خيارات إقامة تبدأ من ثمانين دولارا فما فوق''، كله موجود ''مستر''! قلت: ''فعلا ليس مبلغاً كبيراً، لكنني ومنذ سماعي تلك المعلومة لم أنم، وهل أنا غبي لأبدد هذه اللحظات النادرة في ممارسة فعل رخيص كالنوم الذي أمارسه دائما في سكني؟!!· في المنتجع الذي ضم شاليهات فاخرة مزودة بجميع ملحقات الرفاهية والراحة العصرية، وتحت شعار ''أنت في بيتك'' وجدت نفسي أتمتع بخدمات لم تراودني في أكثر أحلامي خيالية، فهناك طاقم متكامل من الموظفين الجاهزين لخدمتي على مدار الساعة من بينهم طاهيان خاصان يوفران لي أي وصفة تخطر على بالي، وخبيرتان بالعناية الصحية ومدرب غطس وثلاثة مضيفين خاصين يمكنني طلبهم وقتما أشاء لتلبية رغباتي وتوجيهاتي السامية عبر رقم هاتف داخلي خاص· أما رحلات صيد الأسماك واليخت الفاخر فلم أر له مثيلا حتى في أحلامي· ولكن كانت هناك مشكلة صغيرة، أقصد مشكلة عويصة، فبصراحة لم أعرف كيف أتصرف كمليونير؟!! (ما مشت السالفة معاي أبدا، خاصة مع وجود تناقض دراماتيكي، لم يكن يدركه بشكل أوتوماتيكي أحد سواي في ذلك المشهد الفانتازي، وهو أنني كنت مفلسا، ولو نفضوا جيوبي لما سقط منها غبار دولار)!، ولهذا كنت أود سحب المضيفين البسطاء من ياقاتهم كي يجلسوا معي لتناول الطعام عوضاً عن وقوفهم أمامي في انتظار أية إشارة مني وتلبية أي طلب قد يعن لي، وكان الحل الأمثل لكي أهرب من كل ذلك البذخ (اللي ما طاح عليّ) هو أن أتسلل حافيا لمقابلة صديق قديم يدعى البحر، لأناجيه وحيدا والمطر البارد ينهمر فوق رأسي· كان الشاطئ المحيطي وحدائقه العامرة بعطر الورد وحفيف الأشجار هي جنتي الحقيقية، والإحساس بها بقلب شاعر أفقره الحب والشوق للحبيبة المستحيلة، هو ثروتي الجميلة التي لا يمكن أن يمتلكها أي أحد سواي، (أو هكذا عزيت نفسي عندما لم أفلح في مسح سحنة الغلابة الظاهرة على وجهي كختم الفيزا)، وصدق من قال: ''الفقير مقرود مقرود، حتى لو ألبسوه السندس والديباج والدمقس والحرير المعقود''· ألغاز طبية قبل أن ألتحق بكلية الطب كان هناك لغز يؤرقني في الأفلام العربية التي أراها: فما أن تشعر المرأة بآلام الولادة حتى تقول إحدى السيدات العجائز لصاحبتها أو يقول الطبيب: ـ''قومي بتسخين الماء''· فتهرع المرأة إلى المطبخ لتغلي إناء كبيراً تحمله في حذر إلى غرفة الولادة، وهنا يغلق الباب في وجهنا فلا نعرف ما يحدث بعد ذلك· كان عندي من الشجاعة الأدبية ما سمح لي بأن أسأل أمي عن استخدام الماء الساخن في الولادة، فقالت في غموض: ـ''هذه أمور نسائية لا تسأل عنها!''· ثم كبرت نوعاً فوجدت كتاباً يبسط العلوم الطبية للقارئ، واسمه ''حتى يحضر الطبيب'' كتبه طبيب أميركي، يقول المؤلف في باب الولادة: ''لا يوجد داع لعادة تسخين الماء لأن هذا قد يسبب حروقاً خطيرة لك أو الأم أو الجنين''· هذا ما قاله ولم يشرح استخدام هذا الماء، أقصد الاستخدام الخطأ الذي ينبغي أن نتوقف عنه· إذن الأميركان يسخنون الماء أيضاً ولسبب مجهول· دخلت كلية الطب إذن، وانتظرت في صبر حتى درسنا الولادة· كل شيء عن الولادة والأغشية التي تنفجر ودوران الرأس و··· و··· كل شيء، وقد قمت بتوليد نساء كثيرات في بداية حياتي قبل أن أتخصص في الأمراض الباطنة، لم يحدث قط أن احتجت للماء الساخن، ولم أر أي شخص يحتاج للماء الساخن أمامي· لكنني فطنت بعد أن ابتعدت عن صرخات غرفة التوليد بعشر سنوات أنني لم أتلق الإجابة قط، لم أعرف ما يفعلونه بالماء الساخن في الأفلام· هكذا انتحيت بأحد كبار أطباء التوليد جانباً وسألته عن سر الماء الساخن، فاتسعت عيناه في ذهول وظل ينظر إليَّ عاجزاً عن الكلام بضع ثوان ثم قال: ـ''حقاً لا تعرف؟، إنسان مثقف مثلك، أو هذا ما كنت أحسبه، أنت تمزح طبعاً، لا يوجد تفسير عندي سوى أنك تمزح''· هنا انفجرت ضاحكاً وقلت له إنني كنت أمزح فعلا، عليه ألا يكون ساذجا لهذا الحد، هناك مشكلة مزمنة عندي هي أنني لا أبدو كمن يمزح عندما أمزح، قال لي بلهجة جدية: ـ''أنصحك ألا تسأل أسئلة بلهاء كهذه وإلا ظنوا بعقلك الظنون!''· هكذا قضي الأمر وصار علي أن أبقى جاهلا للأبد ما دمت لا أملك شجاعة أن أبدو جاهلا لنصف دقيقة، وعلى كل حال قد كونت نظريتي الخاصة عن الموضوع، غالباً يستعمل الماء الساخن لقتل الوليد إذا كان قبيحاً، أو هم يحرقون الأم به كي لا تشعر بألم الولادة، وربما هم يفعلون هذا لاستفزازي فقط، أي أنهم يسخنون الماء في كل الولادات كي أجن أنا· مشكلة أخرى حيرتني في كلية الطب هي (برد المعدة)، هناك ذلك الرجل الذي يشعر بتوعك وغثيان فيقول له الطبيب إنه مصاب ببرد في المعدة، درست الجهاز الهضمي والحميات فلم أقرأ قط تعبير (برد في المعدة) هذا، ولماذا يفضل البرد المعدة على أعضاء أخرى؟ هذه ألغاز كونية لا إجابة عنها وبالطبع كان رد أي طبيب سألته هو: ـ ''هأ، هأ، أنت تمزح طبعا''· هكذا خرست تماما، وهأنذا أقترب من نهاية حياتي دون أن أعرف معنى برد في المعدة هذا، من الواضح أنني فشلت، أقولها حزيناً كاسف البال· كل هذا محتمل، لكن ما معنى (كسل في الكبد) ؟ هناك تليف كبد، فشل كبدي حاد ومزمن، التهاب كبدي، دهون كبدية، الخ··· لكن ما معنى (كبد كسول) ؟ هل تتحسن حالته ببعض التدليك أو التدفئة؟ هل يفيده شرب المنبهات كالشاي والقهوة؟ بالطبع لا أعرف، دكتوراة في أمراض الكبد ولم أعرف بعد، والأدهى أن كل الناس يعرفون ما عداي· ماذا؟ هذه زوجتي تطلب مني أن آتي معها فوراً لأن أختها قد داهمتها آلام المخاض، نهرع إلى بيت أختها لندرك أن الوقت لن يتسع لنقلها إلى المستشفى، يبدو أنها ستضع وليدها على الفراش، هنا أشمر ذراعي وأقول لزوجتي في حزم: ـ ''قومي بتسخين بعض الماء!''· تنظر لي في حيرة ثم تقول: ـ''والسبب؟''· فأضرب كفاً بكف وأقول في عصبية: ـ ''لا تسألي حتى لا يظن أحدهم بعقلك الظنون، امرأة في هذه السن ولا تعرف أهمية الماء الساخن في الولادة ؟ هيا، لا تنظري لي بهذه الطريقة كأنك مصابة بكسل في الكبد وبرد في المعدة، قومي بتسخين الماء ولربما أشرح لك ما استغلق عليك من أسرار فيما بعد· كلُّهُ بثواب المرحوم أدهشني ما رأيت وسمعت عن بعض ما يجري في مجالس العزاء، أطال الله في أعماركم وأعمار ''غاليكم''، ووجدت فيها العجب العجاب، فلا تدري أتضحك أم تبكي أو تأسف على ما آلت إليه الأوضاع في تلك المجالس؟!· فما يقام ويحدث من طقوس ومعتقدات و''فناتك'' قد تغضب كل ''مراحيم'' الأرض من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ناهيك عن ''الخبز والعجن'' في سيرة المرحوم وغير المرحوم، فأسياخ الشاورما كثيراً ما تلف وتدور في أفواه المعزين وما أن ينفض مجلس العزاء حتى يكون السيخ قد نفد وأصبح ''زقنبوت'' في بطونهم!، هذا غير الهمز واللمز على فلان وعلان، والضحك والتصنيف على ''الرايح والجاي'' ومن هذا ومن ذاك؟!· والله، لو أن المفقود الذي يقام له مجلس العزاء ''صاحي'' لتبرأ من كل ما يجري في ''صوانه'' جملة وتفصيلاً!، أو فز من تربته، وألقى بجموع المعزين ''المنافقين'' خارج الباب!، لأن أغلبهم ما كان ليتجرأ ويصل عتبة بيته في حياته، ولكن سخرية القدر قد تفعل فعلها المشين أحياناً دون استئذان منا!، فـ ''يتزامط'' البعض بعرض بعض أفكاره على أهل الفقيد لإراحة روحه في مثواها الأخير، ولثباته عند السؤال، ولتبرئة ذمته في تلبية كل ما يمكن أن يكون في خاطره بعد التكهن به طبعاً!، سواء برغبة قديمة لم يسعف القدر المحتوم المرحوم في تنفيذها، أو استعصت عليه لظروف معاكسة، حينها ''لازم وإن كان ولابد'' من الشروع في تحقيقها حتى لا ''يشره'' على أحد وتبقى حسرة تغلي في أحشائه وهو نائم!، وتجنباً لتهاتف منامات ''زرقة'' قد تقض مضجع ذويه!، وقبل أن تثبت الرؤيا بـ ''شوفة المرحوم وهو يضحك ومستانس''، لن يهدأ بال أي منتفع، متفذلك أو متحذلق في طرح أي فكرة جهنمية لضمان راحته· أعجب ما في الموضوع أن يأتي من يفرض عليك فروضاً وأوامر لا قدرة لك عليها، فهي أقرب ما تكون إلى الخيال الإبداعي، أو الفنتازيا، فلا المرحوم قد وصى بذلك ولا ذلك الشخص تطوع وأبدع وتبرع ودفع من جيبه!، ليتصرف من رأسه، فيصول ويجول بمعزل عن إرادة ذوي الفقيد، ويأمر وينهي ويشيل ويحط وكأن البيت بيت ''اللي خلفوه''!· الأعجب مما سبق أن أغلب الوجوه غريبة ''ما يدري'' عنها المرحوم ولا يعرفها لا من بعيد ولا من قريب· وأكثر ما يثير حنقك هو أن تجد أحدهم يتقمص الدور و''هات يا بكى وصياح وعياط ونحيب وشهيق وزفير ونفير'' وهو لا يعرف حتى اسم المتوفى ومن يكون!· وعندما يسأله الحضور: من يكون الأخ ما عرفناه، غريبا أو قريبا؟!· يجيب: لا والله كنت ''مارا من صوب بيتكم قلت أسوي الواجب وبالمرة أتعشى وأقرأ له الفاتحة وكله ترى بثواب المرحوم''!!!، وقد لا تضمن ردة فعله فيما لو خرج خالي الوفاض بلا ''غداء أو عشاء والجلسة ناشفة بدون لا مالح ولا حلوط''، أو لا يتوفر غير الشاي أو القهوة السادة، فالمسكين قطّع نفسه من النواح والصياح ويطلع من ''العزا بلا عشا''؟!·· ما يصير!، لكن الأمرّ والأدهى من كل هذا أن يأتيك أحدهم ويشترط عليك تقديم أكلة معينة، مدعياً بأن المرحوم قد زاره في المنام ويشتهيها بإلحاح! لأنها من أكلات الفقيد المفضلة، ولابد من تجهيزها وبكمية تفكي ثلاثين شخصا وأكثر، هذا غير ''الدليفري''!، يعني مثلاً واحد مرحوم مشتهي ''كوارع وممبار'' أو ''منظار'' كما تسميها والدتي!، طيلة أيام العزاء فماذا يمكن أن يفعل ذووه؟!، فكما هو معروف هذه الأكلة شرسة جداً، ومتعبة جداً جداً وتتطلب خدمة وجهدا، فلو كان المرحوم ''عايش'' لما أمر بطبخها البتة، أو حتى مجرد التفكير أو الشروع في التفكير بها، وإن كانت له وحده، ويحلف بألا يزور أحد لا في منام أو في صحو، أو حتى أن تفرق ثواباً على روحه!· نظرة تأمل!·· ''فلاش باك'': لآ لآ لآ·· يا إلهي كم هي ثقيلة وخصوصاً في فصل الصيف!، فالمصيبة ستصبح مصيبتين، مصيبة فراق المرحوم ومصيبة توفير وتجهيز وتقديم ''ممبار وكوارع'' لجموع المعزين، الذين يجهل المرحوم وأهله في الأصل غالبيتهم!، فهناك من لا يفوت أي وجبة في أي عزاء، ويأتي في الوقت المناسب على ''الريحة'' ''كأنه جرينتش''، ''الغدا غدا''، و''العشا عشا''، أما أيام الإجازات فهو أذكى وأنصح من أن يفرط في وجبة ''الريوق'' أي الإفطار، خصوصاً عندما يتناهى إلى مسامعه بأن المرحوم يعز ''الشطير المفلتت''!، قصدي الفطير المشلتت بالعسل والقشطة، لتجده من أول الفجر واقفا عند الباب، وكله تراه·· بثواب المرحوم!!!· ؟ همسة: يا زمان العجايب وشْبَقي ما ظهر·· كل ما قلت هانت جدِّ علمٍ جديد! الأمير خالد الفيصل
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©