صحراء في قوارير

من رمال الصحراء الذهبية، اختار حسام خالد العبد أن يبدع لوحاته عن الصحراء والبيئة ومشاهد الحياة المختلفة في الإمارات· وأن يصنع من زجاجة فارغة لوحة فنية تنطق بالمعاني والرموز والدلالات، وتروي تفاصيل الحياة البسيطة التي عاشها أجدادنا· لم يكن العبد قد بلغ الرابعة عشرة من عمره، عندما بدأ يتعرف إلى عوالم هذا الفن الذي أصبح حرفته في ما بعد، حيث عمل مساعداً عند أحد الحرفيين الذين يتقنون هذه الصنعة يساعده في تجهيز كل ما يلزمه، ووجد في نفسه هوى للعبث بالرمال الحريرية الزاهية ورغبة في تعلم هذا الفن، فلقيت رغبته التشجيع من صاحب العمل وبدأ في تلقينه أسسه وأسراره، وكان أول درس تعلمه ''أن العمل يقوم على الاستعداد النفسي وعدم التهاون أو التقهقر عند أي عقبة يمكن أن تواجهني''· ''كانت فرحتي عظيمة عند اكتمال أول تجربة فنية لي''، يتحدث العبد بحرارة وهو يتذكر أول تجربة نجح فيها، ليضيف: ''الموهبة والهواية تلعبان دوراً إيجابياً في حياة الإنسان فمن خلالهما يمكن أن يحقق ذاته، ويتباين ظهور الموهبة وفقاً لنوعها فبعض المواهب تظهر مبكراً مثل الرسم وبعضها يتأخر· وكل إنسان يحمل في باطنه بذور موهبة ما سرعان ما تظهر إلى النور عندما تكون الظروف مواتية· وهذا ما وجدته في هذه الحرفة التي تعلمت منها معنى الصبر والتأني الذي قادني في نهاية الأمر إلى الخلاص من ضغوطات الحياة''· عن مراحل العمل وأدواته يقول العبد: ''تتوفر المادة الخام أي الرمال ملونة جاهزة في بعض المتاجر، لكن هذا لا يمنع من أن يقوم الحرفي بتلوين الرمال بنفسه، لأن الأمر لا يتطلب مجهوداً كبيراً· ويفضل دائما استخدام رمل البحر الذي يغلب عليه اللون الفاتح، ثم نقوم بتنظيفه بواسطة منخل خاص حتى نحصل على كمية من الرمال خالية تماما من الشوائب، بعدها نبدأ بعملية نقع الرمل في الماء، بوضعه في وعاء ذي قاع عميق ويتم تحريكه فيه إلى أن ينظف، ثم يترك الرمل تحت أشعة الشمس حتى يجف تماما· وهنا تبدأ الخطوة الثانية وهي مرحلة التلوين بإضافة بودرة ملونة خاصة للرمال، وتلون كل كمية بلون حتى نحصل على الألوان المطلوبة للعمل· المرحلة الثالثة هي رص الرمل في القوارير باستخدام أقماع ذوات فوهات صغيرة تتيح لنا أن نتحكم في كمية الرمل الذي ندخله في القارورة الزجاجية، وبعد الانتهاء من اللوحة الرملية نغلق الآنية الزجاجية بواسطة مادة لاصقة أو غراء لمنع تسرب الرمل إلى الخارج، ولكي تبقى مدة طويلة محفوظة بشكل جيد· رغم ما تبدو عليه من سهولة يؤكد العبد أن رسم اللوحة الرملية ليس هيناً كما يتخيل البعض، لأن الرسم يتم عادة بطريقة رأسية، من الأسفل إلى الأعلى، مما يتطلب خبرة ومهارة وممارسة فعلية والكثير من الدقة والصبر والتوازن بين الصورة المرسومة في الذهن ومهارة حركة اليد أثناء عملية سكب الرمال إلى الفوهة الزجاجية· هكذا، تتشكل بين يدي العبد لوحة فنية تجسد جمال الصحراء، ويعشق السياح خاصة الأجانب أن يقتنوها كتذكار يعودون به من الإمارات إلى بلادهم·