الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جول.. منصب الرئاسة وتحديات العسكر

جول.. منصب الرئاسة وتحديات العسكر
1 سبتمبر 2007 02:52
ليس هناك مكان للمصادفات، فالمطر الذي سقط على اسطنبول ومعظم الأقاليم بعد غياب، وانهمر في أنقرة التي تعيش أزمة مياه حقيقية، ما هو إلا مباركة من السماء لانتخاب عبدالله جول رئيساً للجمهورية التركية، هكذا قال البسطاء في عموم الأناضول الذي يعيش جفافاً لم يشهده منذ خمس وسبعين سنة· وعكس شوارع العاصمة التي خلت تقريباً من المارة، خرج الآلاف في ''قيصري'' مسقط رأس الرئيس الحادي عشر للجمهورية الكمالية، وقد ابتهجوا بالنصر المبين الذي حققه ابن المدينة البار الذي شاء ربه أن يأتي تنصيبه والبلاد تعيش فرحة قنديل (نصف) شعبان المبارك، لكن ''جول'' (الوردة باللغة التركية) في خطاب التنصيب بالبرلمان ابتعد عن عواطف بعض أبناء الوطن، متجنباً الإشارة إلى ما قد يُساء فهمه، ولأنه محنك لم يفعل مثلما فعل أستاذه نجم الدين أربكان الذي استهل بيانه الأول كرئيس للحكومة (يوليو 1996) بعبارة البسملة، بل ذهب مباشرة إلى التأكيد على إيمانه المطلق بكل مبادئ انقلاب (ثورة) أتاتورك (مبادئ الجمهورية)، وعند العلمانية زاد وفاض فليس في جعبته شيء عكس تلك العلمانية (المقدسة)· ولم ينس الرئيس الجديد أيضاً هؤلاء الذين قاطعوا تنصيبه، وعلى رأسهم بطبيعة الحال رموز المؤسسة العسكرية (حامي حمى العلمانية)- الذين يشاركون بروتوكولياً في مثل تلك المناسبات، لكن أماكنهم بالشرفات العلوية خلت تماماً منهم- قائلاً إن تركيا القوية الكبيرة لم تكن لتصبح على ما هي عليه إلا بفضل جيشها العظيم، ولذلك ستظل تركيا تراباً واحداً، ووطناً لا يتجزأ، وهذا عهد قطعه على نفسه· ويبقى السؤال الكامن وراء الاحتفال الذي جرى يوم الثامن والعشرين، والذي وصف بـ(المبارك) على حسب توصيف قناة تليفزيوينية خاصة- لم تصنف في يوم من الأيام علي أنها دينية- هل يبدد هذا المشهد الظنون والشكوك؟ إن مجيء ''جول'' (مواليد 1950)، الذي يعتبر أصغر رئيس مقارنة بالرؤساء العشرة السابقين، إلى سدة الرئاسة لم يكن مفاجئاً، كما أن الاعتراضات التي قيلت قبل عملية الانتخاب، مازالت قائمة، وبنفس شدتها، فالعبرة بالأفعال وليست بالأقوال، ومن ثم فالأمر ليس سهلاً أو هيناً على الجميع، فالمناوئون سينتظرون أول هفوة من الساكن الجديد في ''شنكاياي كشك'' (القصر الجمهوري) بعدها سينقضون، وقد تسلحوا بوثائق دامغة تتضمن عبارات سبق أن أدلى بها جول، وشرائط تليفزيوينة توضح كم كان ساخطاً على مبادئ الدولة، في المقابل على عبدالله جول أن يقدم المزيد من الخطوات المهمة والجادة في آن، كي يبدد ماحدث في مسيرته، وهو ما يعني أن ثمة محطات صنعها ''جول'' بنفسه، فيها دشن خطاباً اعتبر على الصعيد السياسي جدٌ خطيرٌ··· فما هو مضمون ذلك الخطاب؟ قبل سنوات، بدا المكان البديل الذي اختاره المتمردون -قبل أن يصبحوا منشقين- على حزب ''الفضيلة'' وكأنه مستعمرة معزولة، فملامحه عكست عوالم بعيدة كل البعد عن واقع -نخبوي على الأقل- لم يتراجع قيد أنملة عن مبادئ صارمة لدولة فتية، المكان أيضاً كان هو الآخر، وعلى الصعيد الجغرافي بعيداً نسبياً عن قلب العاصمة المتفرنج· في يوم ما من شهر ديسمبر عام ،1999 ولفترة قصيرة من الزمن تصدرت النساء- وجميعهن محجبات- العمل، والإجابة على أسئلة الزائرين، فالرجال في الجامع القريب يؤدون صلاة الجمعة التي ما إن انتهت إلا واصطفت السيارات الألمانية الفاخرة واجهة المبنى المنشأ حديثاً والذي كان نجمه آنذاك ''عبدالله جول''· ''جول''، في ذلك الحين بدا منهكاً بعد مارثون انتخابي كاد أن ينتهي لصالحه، لولا الجهود الجبارة التي بذلها من وراء الستار ''نجم الدين أربكان''- الممنوع آنذاك من العمل السياسي- وهي جهود حالت في نهاية الأمر دون صعوده لسدة رئاسة حزب ''الفضيلة'' لتظل في يد المخلص ''رجائي كوكتان'' الأقرب إلى قلب الشيخ العجوز· عداء ''أربكان'' لم يأت من فراغ، فرغم خبرته الكبيرة، فإنه اكتشف وكأنه مثل ''الملك لير''، بيد أنه عاش ليشهد بنفسه نكران وجحود من كان يعتبرهم أبناءه، فالتلميذ الذي أعطاه حقيبة وزارية (الشؤون الخارجية) في حكومته الائتلافية الأولى والأخيرة، تمرد عليه ولم يسمع كلامه ودخل سباق التنافس على زعامة حزب ''الفضيلة'' امتداد ''الرفاه'' الذي أغلق بقرار من المحكمة الدستورية، وليت الأمر اقتصر على ذلك فحسب، بل تحالف مع ''طيب رجب أردوغان'' الذي لم يكن ليجلس على ولاية اسطنبول إلا بفضله ليصنعا كياناً حزبياً مناوئاً· لكن هذا الملمح التمردي عكس على نحو جلي برجماتية ''جول'' وصديقه معاً وتلوينهما وفق متقضيات الواقع، والدليل أنهما لم يعودا يخفيان انتصارهما المدوي على الحرس القديم وأفكارهم المتخلفة وإن ظلا لا يبرحان معضلتين: الأولى هي أن العلمانية لا يجب أن تكون ديناً لا يجوز الاقتراب منه، أما الثانية فتتلخص في الحجاب الذي يبدو- قبل أن يصبح ''جول'' رئيساً- أنه لا فكاك منه· والآن ''جول'' بات في القصر الرئاسي فماذا سيفعل؟ لعله يتذكر أنه قبل سنوات ذهب هو والسيدة حرمه إلى كلية الآداب بإحدى جامعات اسطنبول ليلعنا رفضهما لسياسة منع الحجاب في مشهد تليفزيوني كان الهدف منه إحراج تركيا· والحق أن الجالس الجديد في كرسي الرئاسة، والذي دشنه مصطفى كمال آتاتورك، ولمحو مشهد كلية الآداب من الذاكرة، تمنى في داخله لو سمعت زوجته السيدة ''خير النساء'' كلام حماتها السيدة ''عدوية هانم'' والتي تساءلت ''من قيصري'' لِمَ تقوم خير النساء بخلع الحجاب؟ لكن القضية هل يجرؤ ''جول'' على الإعلان صراحة عن رفضه للحجاب في الأماكن الرسمية؟ هذا هو الإشكال! ويا له من مأزق، فالرئيس وبحكم موقعه، سيكون مطالباً بعد شهور بالتصديق على قرارات مجلس الشورى العسكري، والتي تتضمن عادة تسريح عدد من ضباط وجنود الجيش لأسباب منها قيام زوجاتهم بارتداء الحجاب، في حين أن السيدة الأولى بالقصر الجمهوري (وهي هنا خير النساء) تلبس الحجاب حتى لو اقتصر فقط على غطاء للرأس! تلك هي البداية، فماذا عساه أن يفعل؟ وحتى لو تبرأ من الماضي إلا أن الأخير سيظل ماثلاً بفضل الميديا التي لا تتوقف عن النبش في أوراق السنوات الماضية·
المصدر: أنقرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©