الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلسفة البيئة.. الكوجيتو مضاداً!

1 سبتمبر 2007 02:43
أسَّس اتساع مجال ''الدراسات الثقافية'' منعرجاً ترتبت عليه شروخ وقطائع معرفية ومنهجية واسعة ليس في مجال العلوم الإنسانية والنظرية الأدبية فحسب، بل في مجال الفلسفة أيضاً· فبعد أن أصبح النقاد الأدبيون، كما يستشهد د· عبد الله الغذامي بنباهة، ينصرفون عن دراسة ميلتون إلى دراسة مادونا، وعن دراسة شكسبير إلى دراسة الدراما التلفزيونية، والبروفيسور الفرنسي يكتب عن السجائر، وزميله الأميركي يكتب عن السمنة·· الخ''، هجرَ الآن أيضاً المشتغلون بالدرس الفلسفي مبحث القيم، والدراسات الأنطلوجية، وإشكاليات الفكر النظري المجرد بمختلف أشكالها، وأصبحوا ينظِّرون في مجال البيئة، ويُلقون ''المواعظ'' المجانية، على الطريقة ''المشائية'' المشهورة، حول الاحتباس الحراري والوعي الأخضر وإعادة ترتيب علاقة المِلكية بين الإنسان والطبيعة، وسوى ذلك مما لا يخطر على البال· العجيب أن موضوعة هذا الفرع الجديد من فروع الفلسفة المسمّى ''فلسفة البيئة''، تتعلَّق بواقع عياني، لا يدخل بأي شكل ضمن ما يمكن إدراجه تقليدياً ضمن ''الميتافيزيقا''، أو ''الفكر'' أو أية ''مهارة'' أخرى من مهارات التذهُّن والتفلسُف، بالمعنى المتعارف عليه لهذه المفاهيم، في الموسوعة المعرفية التقليدية· صحيح أن الفلسفة بدأت أصلاً من اللحظة التي عزل فيها الإنسان نفسه كـ''ذات''، عن الطبيعة المحيطة به وتعامل معها كـ''موضوع''· ومن قمقم جدل الذات والموضوع خرجت كل الفلسفات الكبرى منذ الأيونيين والأيليين، وحتى آخر الفلسفات الوجودية والظاهراتية وسواها· صحيح أيضاً أن لحظة العقلانية الغربية الحديثة -واستطراداً العقلانية الإنسانية الحديثة- بدأت تحديداً من عملية ''الكوجيتو'' الديكارتية الشهيرة: ''أنا أفكر··· إذن أنا موجود''· حين وضع صاحب ''المقال في المنهج'' يده على ''الذات'' كأول يقين توقَّف عنده مُنهياً تسكُّعه المرير في دروب الشك واللايقين· ومن ''الذات'' استدل على الموضوع، وبدأت كل شكوكه التي شارفت حدود اللاأدرية تتحول إلى مجموعة يقينات شارفت أيضاً، وشيئاً فشيئاً، على حدود الوثوق الأعمى والدوغمائية· ولكنَّ علاقة الإنسان بالطبيعة، أو لنقل البيئة، قبل أن تكون علاقة انتفاع أو امتلاك، أو استفادة أو إفساد، هي علاقة وعي، وهذا الوعي يتم بوسائل متعددة، تختلف باختلاف المناهج، والمقاربات، وزوايا النظر المختلفة· أم أن المسألة في النهاية، بعيداً عن جانبها القيمي الرِّسالي، هي مجرد عملية تفكيك منهجية لمركزية النص، أي نص، والثقافة العالِمة، أية ثقافة، وتحول بالفلسفة لتكون تعبيراً سوقياً، لنقل ''واقعياً''، عن همٍّ ثقافي ''أنثروبومورفي'' عام، قيميٍّ بالدرجة الأساس، فتتساءل عن دور الإنسان في العالم، ليس من منظور أنطولوجي وجودي، بل من منظور إيكولوجي؟ وتستدل في عملية ''كوجيتو'' مضادة، على ''الذات'' بـ''الموضوع''، وهو لسوء الحظ عالم خارجي، بيئي، في غاية التردي والاستنزاف؟ ould_mokhtar@yahoo.fr
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©