الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دواء هندي للسرطان سعره 200 دولار والأوروبي 2600 دولار

دواء هندي للسرطان سعره 200 دولار والأوروبي 2600 دولار
31 أغسطس 2007 23:39
براءات اختراع الأدوية أم صحتنا؟·· على حلبة الصراع العالمي، وأمام ملايين المتفرّجين من مختلف الأطياف والجنسيّات الذين ينتظرون بلهفة معرفة نتيجة المباراة، يتنافس حالياً خصمان لدودان يرتدي الأول منهما بزّة ذهبية حرّة ويدعى بـ ''براءات اختراع الأدوية''، أما الثاني فلا يزال هزيلاً يرتدي بزّته السوداء المرقّعة ويدعى ''المرضى الفقراء''· العراك محتدم والتصفيق يعلو بحرارة·· والجميع بانتظار أن يقرع الجرس النهائي ليعلن الفائز·· ولكن النهاية لا تلوح في الأفق، فوراء كل متنافس فريق كبير يشجّعه على الفوز ويمنعه من الاستسلام· بكلام آخر، فإن براءات اختراع الأدوية باهظة الثمن جداً بحيث لا تستطيع الدول الفقيرة والنامية تحمّل كلفتها ما يشكّل عائقاً أمام وصول الدواء إلى المرضى الفــــقراء ومحدودي الدخول ويهدّد بالتالي حياتهم ووجودهم· منذ بداية التسعينات، أبدت بعض المنظمات الإنسانية اهتمامها بما تفرضه قوانين الملكية الفكرية من احتكار للأدوية وارتفاع في أسعارها بشكل لا يراعي قدرة الدول الفقيرة على الحصول عليها وتوفيرها لمواطنيها من المرضى، خاصة المصابين منهم بأمراض خطيرة كالسرطان والايدز، ونتيجة جهود كثيفة وطويلة تمكنت حكومات الدول النامية من الضغط على منظمة التجارة العالمية فتم إصدار بيان الدوحة عام 1990 والذي يشمل اتفاقية العوامل التجارية لحقوق الملكية الفكرية والصحة العامة أو ما عُرف بـ (TRIPS)· وتشدّد هذه الاتفاقية على ضرورة عدم وضع العوائق أمام حماية الصحة العامة من خلال قوانين ملكية الاختراع وتأكيد خفض أسعارها لتسهيل وصول الأدوية إلى جميع الشرائح أو الدول كافة، لاسيما الدول النامية والفقيرة· إلا أن هذه الخطوة الإيجابية لم تستمر طويلاً، إذ سرعان ما تغاضت الدول الغنية والمالكة لبراءات الاختراع عن هذه الاتفاقية واعتبرتها منتهية الصلاحيّة، وقامت الولايات المتحدة بعد فترة قصيرة بعقد اتفاقية أخرى تدعى (TRIPS - PLUS) مناقضة تماماً للأولى، اعتمدتها دول الاتحاد الأوروبي لما تدرّه عليها من مكاسب مادية· بناءً على هذه الخطوة الجائرة بحق مرضى الدول النامية، وسّعت بعض شركات الأدوية مجالات احتكارها للأدوية ولبراءات الاختراع بحيث إنها منعت بعض الدول الفقيرة من إنتاج نسخ عن الأدوية المسجلة لديها وإن كانت كلفة إنتاج الدواء محلياً تبلغ 1/10 من كلفة المصنّع الأصلي· وهذا ما يجري حالياً في الفيليبين والهند وبعض الدول الافريقية، ففي الفيليبين تحتكر شركة ''فايزر'' للأدوية دواءً لمعالجة ضغط الدم المرتفع يدعى ''نورفاسك'' وتمنع الحكومة الفيليبية من إنتاجه محلياً أو تأمينه لمواطنيها بأسعار مخفّضة، وكذلك تفعل شركة ''نوفارتيس'' للأدوية في الهند فهي تمنع الحكومة الهندية من تأمين دواء للسرطان يدعى ''جليفيك'' للمرضى الذين يحتاجون إليه· وقد تقدمت ''نوفارتيس'' بدعوى قضائية ضد الحكومة الهندية لأنها لم تسمح لها بإصدار براءة اختراع باسمها لاحتكار ملكية الدواء، وهي تزعم أن الحكومة الهندية قد تخطت ما ورد في اتفاقية "TRIPS - PLUS"· من جهتها، تبرّر الهند خطوتها بالقول إن هذا الدواء اكتشف عام 1992 وبالتالي فهو لا يخضع للاتفاقية الجديدة التي لم توقّع عليها الهند، وتشدد على أن براءات الاختراع يجب أن تخضع للقوانين الهندية المحلية وليس للقوانين العالمية· وتجدر الإشارة إلى أن كلفة ''جليفيك'' تصل إلى الـ 2600 دولار شهرياً في حين أن النسخة الهندية الشبيهة له تماماً المصنّعـة محلياً لا تتجاوز الـ 200 دولار شهرياً· وهناك الملايين من الأشخاص في الكثير من الدول الفقيرة الذين يعتمدون على النسخة الهندية للعلاج· الأبحاث والتجارب توصل فريق طبي كندي من جامعة ألبريتا أخيراً إلى تطوير دواء قديم يدعى (DCA) بعد أن أضافوا إليه مميزات جديدة بحيث بات يُستعمل لمعالجة داء السرطان، خصوصاً أنه فعّال جداً وكلفته متدنية ما يساعد على إنقاذ حياة الملايين من المصابين بالسرطان وإن كانوا من الفقراء· إلا أن العقدة الأساسية في هذا الموضوع تكمن في أن الدواء المذكور لا يُعتبر جديداً إذ إنه مطوّر عن نموذج سابق وبالتالي لا يمكن لشركات الأدوية إصدار براءة اختراع جديدة له ولا الاستفادة منها بتحقيق الملايين، من هنا تغاضت الشركات عن تمويل إنتاج الدواء غير آبهة بالنتائج الصحية التي يمكن أن يحققها في حال إنتاجه وتوزيعه، إذ جل ما تفكر به تلك الشركات هو الربح، مع الأخذ في الاعتبار أن الأبحاث والتجارب لإنتاج مثيل لهذا الدواء ستحتاج إلى بذل الكثير من الأموال في سبيل نجاحها· من هنا لم تتبنّ أي شركة هذا الدواء المتطوّر الذي لا يزال مصيره مجهولاً· وليست هذه المشكلة بالجديدة، فقد تم في أوقات سابقة ابتكار أدوية عدّة لداء السل الذي كان مستشرياً في الدول النامية بشكل مخيف، ولكن شركات الأدوية فضلت أن تتركه على رفوف المختبرات فلم توزعه على المرضى بعد كلفته المتدنية، الأمر الذي يبرز مشكلة جديدة تحتاج إلى خوض معركة أخرى· تجارب أفريقية بدأت جنوب افريقيا أخيراً، بإجراء أولى التجارب الموسّعة على لقاح خاص لمرضى الايــــدز· ولهذه الغايــة، تقوم الحكومــــة المحليــــة بتكثيف جهود التعــــاون مع ''شبكة التجــارب العالميـــة على لقاحات الايـــــدز'' أو الـ "HVIN" لاجراء دراسة موسّعة على مدى أربع سنوات، تشمل 3 آلاف امرأة ورجل لا يحملون فيروس نقص المناعة أو الـ "HIV" وتتراوح أعمارهم بين الـ 18 عاماً والـ 35 عاماً· وسيتمّ تلقيح أفراد هذه العينة المدروســــة لمعرفة كيفيـــة تجاوب أجسادهم معه ولاســــيما أن اللقاح الجديد يحتوي على ثلاثة جينات غير مؤذية للـ "HIV"، الهدف منها إثارة جهاز المناعة للتفاعل مع هذه الجينات على اعتبار انها فيروسات، وبالتالي معرفة الخلايا التي تحتوي على فيروس الـ "HIV"، لأنها ستظهر فوراً، ليتم تدميرها بعد ذلك· عريضة المرضى وقد وقّع ملايين المرضى والمعترضين بياناً يطالبون شركة ''نوفارتيس'' للأدوية بإسقاط دعاواها ضد الهند لإفساح المجال لمساعدة الفقراء في العالم على تأمين الأدوية والعلاجات الضرورية· ويعتبر الكثيرون أن فوز شركة الأدوية بالدعوى سيؤدي إلى عواقب ضارّة لأنه سيوسّع عمليات احتكار الأدوية وسيؤدي بالتالي إلى وفيات كثيرة ومتسارعة لعدم قدرة الكثير من المرضى على شراء الأدوية، مشيرين إلى أن الأمر لا يقتصر على دواء السرطان ''جليفيك''، إذ أن الهند قد تمكنت أيضاً من إنتاج نسخ عن أدوية للايدز وخفضت كلفة العلاج من 10 آلاف دولار سنوياً إلى 130 دولاراً فقط مما أنقذ حياة عدد كبير من المرضى وأعطاهم أملاً جديداً في حياة أفضل· ومن جانب آخر، فقد تقدمت ''نوفارتيس'' بدعوى أخرى ضد حكومة جنوب افريقيا لمنعها من تصدير أدوية رخيصة للايدز غير آبهة للحملات الكبرى التي تشنّ ضدّها· وفي مؤتمر صحفي، أعلنت ''نوفارتيس'' أنها تتقدم بهذه الدعاوى لحماية براءة الاختراع وبالتالي لتحفيز مبتكري هذه الأدوية على تطويرها وابتكار أدوية لأمراض أخرى· ويبدو أن هذا التبرير لم يلق تجاوباً ولم يوقف تحرّكات المنظمات الأهلية في العالم ضد هذه الشركة وسواها بغرض مساعدة المرضى الفقراء في الحصول على الأدوية الضرورية، لاسيما وأن القضية الكبرى والأهم لا تكمن هنا، فهناك مشكلة أخرى أخطر بكثير ومفادها أن بعض الفرق الطبية تقوم بتطوير بعض الأدوية القديمة بشكل ناجح ما قد يُساهم في علاج بعض الأمراض الخطيرة والمستعصية، ولكن شركات الأدوية لا تهتم بإنتاجها وبجعلها في متناول المرضى لأنها لن تحقق من جرائها أرباحاً طائلة· وربما نشهد قريباً وللمرة الأولى منذ سنوات، هزيمة إحدى المؤسسات الاحتكارية العملاقة أمام عزيمة جيوش المرضى في الدول النامية· ويبقى أن ننتظر نهاية المعركة وصافرة الحكم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©