الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سافر إلى بيروت لتعلُّم العربية وعاد بكتاب عن حرب 2006

سافر إلى بيروت لتعلُّم العربية وعاد بكتاب عن حرب 2006
31 أغسطس 2007 00:47
قبل أربعة أسابيع من اندلاع الحرب في لبنان عام ،2006 جاء الكاتب الهولندي ذو الأصل المغربي الأمازيغي عبد القادر بن علي إلى بيروت من أجل مهمة محدَّدة وهي تعلُّم اللغة العربية، وكتابة رواية جديدة هناك· اختار بيروت مكاناً لأكثر من سبب، الأول لأنها مدينة حرة ومفتوحة، ويمكنك أن تتحدَّث مع الجميع دون حرج أو إزعاج عن كل شيء بدءا بالسياسة وانتهاء بالنساء· وهذا بحد ذاته كاف لتكون بيروت المكان المطلوب لإنجاز هذه المهمة الشيقة على العكس من أغلب المدن العربية اليوم· غير أن الحرب التي اندلعت فجأة نسفت مهمته من جذورها، وانقلب مشروعه الثقافي في الكتابة وتعلُّم اللغة العربية، إلى مهمَّة الخروج من هذا المأزق الذي لم يكن في الحسبان· وبرغم ذلك فقد بقي بن علي في بيروت حتى انتهاء الحرب التي تقاسم أيامها السوداء مع بعض المثقَّفين اللبنانيين الذين رفضوا مغادرة بيروت حتى النهاية· المدينة المحاصرة يبدأ كتاب عبد القادر بن علي ''رسائل من المدينة المحاصرة'' من لحظة انفلات الحرب في الثالث عشر من شهر تموز/ يوليو 2006 وبعنوان مؤثر هو ''التفكير يتوقف هذه الليلة''، إذ تصله رسالة ''أس أم أس'' من أخته في هولندا، تقول فيها: إن والده يطلب منه العودة إلى أمستردام بسرعة بسبب الحرب المجنونة· غير أنه يقابل هذه الرسالة بسخرية ستتحوَّل في نهاية الليل إلى كابوس عندما تخبرهُ أخته في بداية اليوم الثاني للحرب من خلال اتصال هاتفي عبر الهاتف النقّال أيضاً أن مخاوف أبيه قد تحققت؛ فقدت قصفت إسرائيل في الفجر وقبل ساعات قليلة مطار بيروت!!! لم يكن ليصدق أن إسرائيل ستقوم بتدمير المطار، فيهرع إلى التلفزيون ليرى المشهد المروِّع، ويتأكد من صدق رسالة أخته التي أصبحت ترتعب من مصير أخيها· شاهد أيضا كيف دمَّرت إسرائيل القسم الأكبر من ''الضاحية الجنوبية'' التي تتمركز فيها قوات ''حزب الله'' و''قناة المنار'' التي لم تنج من القصف وأسقطت ضحيتين، جاء في النص: (أردتُ أن استحم، ولكن لم يعد هنالك ماء، كنتُ بحاجة شديدة إلى حمام حار من أجل التخلُّص من هذا الإحساس المهلك في كونكَ تقطنُ في مكان يطرِّزه الرصاص، غياب البهجة والماء الحار جعلني أفقد أعصابي)· ثم يتحدث الكاتب عن المدينة التي كانت ضاجَّة بالحركة والحياة، وكيف أصبحت تفقد روحها بسرعة حينما أغلقت المحال التجارية والمطاعم وبدأ الناس يغادرونها إلى أماكن أخرى آمنة· يسأل صديقته الفلسطينية: ماذا نفعل ألآن؟ ولأنها لا تريد أن تترك أمها وحيدة، يقرر البطل الذهاب وحيداً إلى ''مقهى براغ'' المحببة له وسط بيروت لكي يواصل الكتابة عن هذه الحرب العبثية التي خرَّبت كل شيء دفعة واحدة، فلم تعد هناك دروس اللغة العربية، ولا أدنى رغبة بمواصلة كتابة الرواية الجديدة، خصوصاً وأن غرفته بلا ماء ولا كهرباء أيضاً· قنبلة ثقيلة جداً إسرائيل تهاجم لبنان من الأرض والسماء، ومن الماء أيضا، بارجة إسرائيلية تقصف بيروت بكثافة وقوة لتغرق بيروت في ظلام تام بحيث يضطر الكاتب عبد القادر بن علي إلى استعارة جهاز كومبيوتر ''لاب توب'' لتدوين يوميات تلك الحرب التي لم يكن يفكِّر فيها مطلقاً· الناس يشترون الطعام بكثافة، ويغادرون صعوداً إلى الجبال· (استيقظتُ هذا الصباح على صوت القصف الإسرائيلي، صوت قرأت عنه أيام الحرب الأهلية اللبنانية وحرب كوسوفو، ولكنني اسمعه لأول مرة، كمَّن يحرِّك سكيناً هائلة بقوة في الهواء)· (في هذا اليوم ارتعبت أكثر من مرَّة، البارحة كانت هناك المنارة واليوم لم تعد موجودة، في هذا النهار ارتعبت كثيراً·· قنابل·· قنابل·· قنابل وأطفال قتلى وجرحى·· هؤلاء الناس أقوياء حقاً)· الاثنين 14 آب 2006 ينهي الكاتب عبد القادر بن علي يومياته في هذا اليوم الذي توقَّفت فيه الحرب بعدد غير محدد من الأسئلة الشائكة··، فيقول: (إنه يوم الاثنين مثله مثل باقي الأيام، أصحاب المحلات يبدأون بفتح أبواب دكاكينهم، سائقو التاكسي مازالوا يشعرون بالنعاس·· زحفتُ خارج سريري ونظرتُ إلى ساعتي، لقد تجاوز الوقت الثامنة وكل شيء من حولي صامت، هل يعني ذلك أن قصتي التي بدأتها قبل شهر قاربت على الانتهاء؟ هل سيعود اللاجئون إلى منازلهم؟ هل ستبنى الطرقات بسرعة؟ هل سيفتح المطار بسرعة من جديد؟ هل سيعود الأطفال إلى مدارسهم بلا رعب في هذا الصيف الحارق؟ هل سيتخلى ''حزب الله'' عن سلاحه؟ هل سينهي العالَم آلام لبنان)؟ لا يخفي الكاتب دهشته من حياة الشعب اللبناني في الصفحات الأخيرة من كتابه؛ فقد بدأ الناس مباشرة بمزاولة حياتهم من جديد، اخذوا ينظِّفون الشوارع والبيوت والمحلات المحترقة جراء القنابل دون أن ينسوا تصوير المأساة بكاميراتهم وهواتفهم النقالة وكأنهم يريدون أن يؤبدوا هذا المشهد الذي تكرَّر إلى حد اللعنة ولم يستطع أن يقتل الحياة في هذا المكان القلق· (في إيقاع سريع بدأت المدينة بالنمو من جديد من طرفيها، ربما تكون هذه هي الطريقة الوحيدة لنسيان الخراب)· بطاقة ولد الروائي الهولندي عبد القادر بن علي في المغرب عام ،1975 وهاجر برفقة أبويه إلى هولندا في العام ،1979 حيث استقروا في مدينة روتردام وعمل أبوه قصاباً· كتب أولى رواياته (عرس على الشاطئ) عام ،1996 وبعد سنة على صدورها رشحت، هذه الرواية، لـ ''جائزة ''ليبرس الأدبية''· في السنة ذاتها فاز بن علي بـ ''جائزة خيرتين ليبورهاوزن'' عن الإصدار الأول، وحصل على منحة دراسية من ''جامعة لايدن'' حيث بزغ نجمه ككاتب أجنبي شاب وطلبته الصحافة الهولندية ليكتب فيها عموداً أسبوعيا· ثم اتجه إلى المسرح وكتب مسرحية (التعيس) التي حالفها النجاح وصدرت في كتاب بعد فترة قصيرة · في العام 2001 صدرت مجموعته القصصية (رسائل من أحشاء المدينة)، وعرضت له مسرحية (ياسر) التي هي مونولوج عن حياة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات· وفي سنة 2002 صدرت روايته الثانية (الترقب الطويل) ليفوز بـ ''جائزة ليبرس'' التي تعد من أهم الجوائز الأدبية في هولندا· (ليكن الغد مشرقاً) روايته ما قبل الأخيرة صدرت منتصف عام ·2005 وبعد أشهر من ذلك صدرت له رواية جديدة هي (من يستطيع طلاء الجنة؟)· ترجمت رواياته إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية واليونانية والدنمركية· يجيد عدداً من اللغات كالهولندية والفرنسية والإنجليزية والأسبانية·
المصدر: أمستردام
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©