الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النبع الشعري الأول

النبع الشعري الأول
5 يناير 2012
يبدأ الأدب الإغريقي كما هو معروف لدينا أعظم إنجازاته: الإلياذة والأوديسة، أقدم الملاحم الغربية المعروفة حالياً. وتنقسم كل منهما إلى 24 جزءا، وذلك لتتلاءم مع الأحرف الإغريقية الأربعة والعشرين. وهاتان الملحمتان العظيمتان منسوبتان، مع أعمال أخرى، إلى الشاعر هوميروس. ويجمع جميع الكتّاب والنقّاد على أنه هو أعظم الشعراء في تاريخ أوروبا الغربية. وأما الكتّاب المتأخرون في الغرب فقد لقبوه بـ “أمير الشعراء”؛ ولم تكن نظرة الشعراء والنقّاد العرب بأقل من ذلك. أما فيما يختص بحياة هذا الشاعر، قد يكون عاش وكتب ما بين القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد. ويذكر المؤلف أحمد فقيه أن ما يؤكد هذا الكلام ما يقوله جميع مؤرخي الرومان الذين يذكرون أن هوميروس نبغ قبل بناء روما بقرن ونصف. وبناء روما، كما هو معروف، كان عام 753 ق.م وهذا يعني أنه كان نحو 903 ق.م. ويشير المؤلف إلى أن هناك اعتقاداً سائداً لدى معظم الناس شرقاً وغرباً أن هوميروس كان كفيفاً، مع العلم أنه لم يكن هناك ما يدعم هذا الاعتقاد، سوى أن مغنياً في الأوديسة صُوّر، وهو يلقي نشيداً حول طروادة، أنه أعمى. يقول المؤلف ألا أحد يعرف عن حياة هوميروس إلاّ القليل القليل، فإن ما تركه من أعمال قد عملت على تخليده على مرّ العصور. فالإلياذة والأوديسة كانتا على مدى العصور الماضية، ولا زالتا، تعملان كمنبع يستقي منه الشعراء المزيد، والمعيار الذي يقيسون به مواهبهم وقدراتهم الفنية، كما وأنهما الميزان الذي يمكن من خلاله إدراك الطبيعة البشرية من جميع جوانبها، والتعرّف على الذوق السليم. حرب طروادة الإلياذة والأوديسة كل منهما ينقسم إلى 24 فصلاً، وكل فصل يحمل عنواناً يدلّ على ما يدور فيه من أحداث. أما المحتوى فتتناول الإلياذة الأحداث خلال فترة وجيزة من السنة العاشرة من الحرب، وبالأخص تلك الفترة التي تمثل صراع أخيل وأجاممنون وما يترتب على ذلك، إلا أن هوميروس يشير من آن لآخر الى أحداث الحرب منذ نشأتها مع تعداد النوائب التي تحل بكلا الجيشين والتدابير التي يتخذها كل منهما. ومن هنا نعلم أن الأخيين بقيادة أجاممنون، أخي الملك مينيلاوس، يحاصرون طروادة منذ تسع سنوات في محاولة لإسترجاع هيلين، زوجة مينيلاوس، ولكن من دون فائدة. وهيلين هذه، التي تصبح شخصية أسطورية تُطلق عليها صفات مثل: هيلين طروادة أو المرأة ذات الوجه الذي سيّر ألف سفينة، كان قد اختطفها باريس أحد أبناء ملك طروادة. وبعد تسع سنوات من الحرب تبقى طروادة مصانة، وجيشها يبقى صامداً. ولكن الأمر يختلف بالنسبة للإغريق، إذ أن الجيش الإغريقي يواجه خطر الموت بسبب مرض خفي. ومآتم حرق الموتى تُجرى كل ليلة دون انقطاع. وأخيراً يدعو أخيل، أقوى المحاربين وأرفعهم مقاماً، إلى اجتماع لمعرفة سبب هذا المرض الخطير. ويكشف أحد العرافين النقاب، كما يذكر المؤلف، عن أن عجرفة أجاممنون وغطرسته هما سبب المرض وذلك لأنه رفض إعادة المرأة الأسيرة، كرايسييز التي قُدمت له هدية حرب. وهنا يقبل أجاممنون، على مضض، بإعادة المرأة، ولكن يشترط أن يُعطى بدلاً منها المرأة التي أُهديت لأخيل، أفضل محاربيه. يغضب أخيل غضباً شديداً، ويرفض أن يحارب إلى جانب الأخيين بعد الآن، وينسحب مع جنوده إلى الشاطئ بجانب سفنه، ولم يكتف أخيل بهذا بل إنه يسأل أمه الإلهة ثتيس أن تطلب من زيوس أن يساعد الطرواديين على هزيمة رفاقه الأخيين، وزيوس يستجيب لهذا الطلب. ويتقابل الجيشان، وينزل باريس المحارب الذي خطف هيلين إلى المعركة، ويتحدى الإغريق للمبارزة. فينزل اليه مينيلاوس ويتفوق عليه، ولكن قبل أن يجهز عليه، تسرع الإلهة أفرودايت، وتدفع به بعيداً في طروادة، ويعقب ذلك هدنة قصيرة، إلا أنها تنتهك عندما يقدم أحد الجنود المتهورين على جرح مينيلاوس خلال المعركة ويقتل عدداً لا يحصى من الطرواديين، ويجرح كذلك الإلهة أفرودايت. بعدها وبشراسة فظيعة، يقتل أخيل، هيكتور، أقوى محاربي الطرواديين وقائدهم، وتحرق الجثة، وتجرى لها المراسم الجنائزية الملائمة. ومع الحداد والبكاء المرير على المحارب النبيل، يضع الطرواديون رماد الجثة في تابوت من ذهب، ثم يدفنوه في إحدى المقابر وبهذا الدفن تنتهي إلياذة هوميروس. العودة إلى إيثاكا أما الأوديسة فتحكي قصة جانب آخر من العصر البطولي. وهي تشمل تجوالات عبر البحر، وأحداث تغلب عليها المغامرة والرومانسية، إلا أنها أقل دموية وحدة من الصراع حول طروادة، يعود الأخيون إلى موطنهم ما عدا أوديسيوس. ويمضي عقد آخر من الزمان على سقوط طروادة ولا أحد يعلم أي شيء عن أوديسيوس، حاكم إيثاكا الذي تنتظره زوجته بنلوب على أحرّ من الجمر. وفي هذه الأثناء، يستغل أشراف إيثاكا وقادتها غياب أوديسيوس ويأخذون بالتوافد على قصره طلباً ليد زوجته بنلوب. إلا أن الزوجة الوفية ترفض الزواج مرة أخرى، وتبقى على إخلاصها وعهدها لزوجها فيما يصر الخطاب على البقاء في القصر أملاً في تغيير رأيها، وأثناء ذلك يعملون على إتلاف ممتلكات أوديسيوس ويستخدمون بعضها لأغراضهم الخاصة. وبهذا يستنزفون كنوز المملكة ويفسدون الكثير من خدم القصر. وعندما يبلغ تليماخوس، ابن أوديسيوس، أشده، يخرج للبحث عن والده. فيبدأ بزيارة عدد من القادة الأخيين أملاً في أن يعلم منهم إن كان والده لا يزال حياً. ثم تعود بنا القصة إلى أوديسيوس نفسه وهو في غمرة رحلاته، فتصف لنا وهو على أرض فيشيا ما مرّ به من مخاطر منذ أن انتهت حرب طروادة: نجاته من أرض اللوتوس، والسايكلوبس، وعرائس البحر، الشيلا، الشاربديز، إيلوس، الجيوب الهوائية، زيارته لأرض الأموات ولقائه تيريزياس العرّاف، مكوثه كحبيب وسجين لدى الإلهة كاليبسو. وبمساعدة ملك فيشيا والإلهة أثينا، يعود أوديسيوس ويقابل ابنه تليماخوس، ومن ثم يقتل جميع الخطاب المتطفلين، ويعيد اتحاده مع بنلوب ويثبت نفسه كملك. وتعمل الآلهة على وضع حد للحرب الأهلية في إيثاكا. ويقول أيتش سي بولدري إن قصة أوديسيوس هذه هي: أول وأكثر القصص درامية لعودة رجل محارب متقاعد. حيرة الترجمة ذكر المؤلف كيف أن النقاد عبر العصور انبهروا بأعمال هوميروس ومنهم ماثيو أرنولد الذي يجد في هاتين الملحمتين المزايا الأربع الرئيسية بالنسبة لأي عمل فني، وهي: (السرعة، وضوح الفكرة، الوضوح في اللغة، وجمال الأسلوب). ولقد ذكر أيضاً (تي إي شو)، الملقب بلورانس العرب، فيقول وهو يحاول ترجمة الأوديسة إلى الإنجليزية: حاولت التصرف في ترجمة أعمال هوميروس ولكنني فشلت، إنه يفرض الاحترام، إني أعترف بأنه هزمني وجعلني اركع على ركبتي، ويقول أيضاً في إحدى رسائله إلى السير ماوديس بورا: هناك شيء ما بخصوص هذا العمل (يقصد الأوديسة)، يرعبني، هوميروس عظيم، عظيم جداً. ويبدو أنه من العبث أن أنحدر بكلامه إلى مستوى الكلام العادي الذي يخرج من فمي، ومع ذلك هذا هو ما تعنيه الترجمة بالضبط. وهذا بالطبع ما يجعل مترجمي الشعر حائرين: فإن هم ترجموا النصوص الشعرية بنصوص شعرية، وجدوا أنفسهم مضطرين لتغيير الكثير من العمل الأدبي، الأمر الذي يجعله في النهاية عملاً لا يمت للكاتب الأصلي بالفكرة. وإذا كانت الترجمة نثراً، شعر المترجم هنا بأنه أفقد العمل قيمته الفنية وانحدر بمستواه. وهذا جعل الكثيرين يسلكون طريقاً وسطاً ويستخدمون في ترجمتهم ما يسمى بالشعر المنثور، وهذا ما فعله شو نفسه، الذي استخدم أسلوباً خاصاً به. هنا نرى أيضاً كيف يبدأ هوميروس إلياذته بإزاحة الستار عن مشهد في مخيم الإغريق حيث يعطي الشاعر صورة مرعبة للقتلى والدمار الذي ينشأ بسبب غضب أخيل وخروجه من المعركة، مع صورة أخرى لوالد كرايسييز الأسيرة لدى الإغريق، وتوسلاته كأب يفقد ابنته في ظروف كهذه. وقد أورد المؤلف بعض الأبيات التي تكشف شخصية هيكتور كزوج وأب عطوف، فضلاً عن كونه بطلاً من الأبطال المعدودين. والأبيات تصفه وهو يغادر المعركة قاصداً زوجته وطفله. إنه يتنبأ بالموت لنفسه والعبودية لزوجته أندروماك من بعده. لقد ذكر المؤلف أيضاً كيف اكتملت معالم شخصية هذا البطل الفذ من خلال ما نسمعه من هيلين وهي تنتحب عليه قبل دفنه؛ وذلك المشهد الأخير من الإلياذة الذي يصوّر لنا أفراد العائلة وهم يرثون هيكتور مبتدئين بالزوجة ثم الأم، فهيلين، وأخيراً الوالد بريام الذي يأمر بإعداد مراسم الدفن وقطع الغابات لحرق الجثة. وهذا المشهد نعود فيه كذلك إلى الكسندر بوب الذي ترجم عن عمله الفذّ. واختتمت الإلياذة في صورة واضحة لعمل خالد. ولقد عرض المؤلف لنشأة وتطور الشعر الإغريقي الوجداني، وتحدث عن سابو أول من كتب شعر الحب في الغرب، وعن بندار ملك الشعر الإغريقي الغنائي، والطقوس الدينية، وعن تطور المسرح الإغريقي، وعن مفاهيم وأفكار جديدة تحدد مسارات عصر النهضة، ومواصفات إنسان عصر النهضة، وإيطاليا ... مهد النهضة الأوروبية، وعن الأدب والنهضة في فرنسا، وعن إسبانيا... تتبوأ مكان الصدارة. وفي الختام نرى أن هذا الكتاب قد استعرض جذور الآداب الغربية مع ما تخللها من تطورات عبر العصور ابتداء من هوميروس شاعر الإغريق الأول وحتى بدايات عصر النهضة الأوروبية. ويزدان العمل بباقة مترجمة لأهم الأعمال المختارة لعمالقة المدارس والمسارات المختلفة مع الحرص على روح النص الأدبي. يقول المؤلف: “إن كل شعب من الشعوب يتميّز بثقافة معينة اكتسبها بمرور الأجيال المتعاقبة من خلال ممارساته ونشاطاته المختلفة في الحياة ومن خلال تفاعله مع ما حوله من قوى ومؤثرات طبيعية وكونية. وهذه الثقافة، التي هي محصلة ما توصل إليه الشعب من عادات وتقاليد ومعتقدات، تمثّل الأساس الذي منه ينطلق المجتمع لبناء حضارته. وكلما كانت هذه الثقافة قوية حصينة، كلما كانت نهضة الشعب وثّابة شامخة”. والشعوب الغربية مرّت بتجارب عديدة، أدت بها في النهاية إلى ما هي عليه الآن، أطلعنا من خلالها المؤلف على مرتكزات أساسية لهذه الثقافة وما تولّد عنها من توجهات تمثّلت بصور متعددة من صنوف الفن والأدب. الكتاب: مسارات الأدب الغربي المؤلف: أحمد فقيه
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©