الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سعيد النعيمي.. علامة إنسانية مسجلة في جسد الدراما المحلية

سعيد النعيمي.. علامة إنسانية مسجلة في جسد الدراما المحلية
4 ابريل 2016 22:25
إبراهيم الملا (الشارقة) يختزل الفنان الراحل سعيد راشد النعيمي بحضوره وتأثيره وجاذبيته، التي اختبرها أصدقاؤه والمقربون منه، جوانب كثيرة منسية من إرهاصات الدراما الإماراتية في بعدها التعبيري الفطري التي تحولت مع السيرورة الزمنية والتطور الثقافي والاجتماعي، إلى حيّز تفاعلي على ضفة البدايات كذاكرة وإرث، وعلى ضفة النهايات كواقع صارخ نتلمس هيمنته السمعية البصرية اليوم. غاب سعيد النعيمي عن المشهد الفني مؤخراً بعد رحلة طويلة مع المرض، وهو غياب يشبه فقدان الطراوة الروحية المتشبثة بتفاصيل «السكيك» والبيوت الطينية والفرجان القديمة، عندما كانت فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، أقرب إلى فضاء من الرؤى الطاهرة والمنهمرة على ملامح الأهالي البسطاء، وهم يعيدون اكتشاف المحبة، ويوزعون التعب الأليف تحت ظلال الشعر والحكاية وجلسات السمر. خرج النعيمي من تلك الأحياء الشعبية الفائضة بانشغالات الطفرة، والبحث عن الرزق وضجيج سيارات البيدفورد أو «العريبي» كما تلفظ محلياً، والقادمة ببضائعها الشهية من «الباطنة» في سلطنة عُمان، ليصبح أحد المؤسسين الأوائل للدراما الإذاعية والتلفزيونية، انطلاقاً من العاصمة أبوظبي التي أصبحت منذ السبعينيات موئلاً لصنّاع الكوميديا والفكاهة الموجهة للمتسمرين حول هذا الجهاز السحري بلونيه المحايدين: الأبيض والأسود، وصولاً إلى الشاشة القزحية الملونة التي أضفت على المكان ثقافة فرجوية ماتعة ومتنوعة، أصبح التلفزيون معها في تلك البدايات المبكرة بمثابة صندوق صور، ومنبع خيالات افتراضية، ونافذة على العالم، والأهم من ذلك أن التلفزيون أسهم وقتها وبقوة في ظهور كتاب سيناريو ومخرجين وممثلين إماراتيين، دفعهم حماسهم المتدفق لتجسيد القصص والحكايات المحلية، وتحويلها إلى صور ناطقة ومتحركة في هذا الكادر البصري المفتوح على البحث والتجريب والإبداع، رغم الصعوبات والمحاولات القائمة على الارتجال والأداء العفوي. دور ريادي حول الدور الريادي للفنان الراحل في النهوض بالدراما المحلية وتطويرها، التقت «الاتحاد» مجموعة من الفنانين المعاصرين لتلك الفترة بشرارتها الزاهية وألقها الأصيل، حيث أشار الفنان سعيد سالم إلى أن خصوصية النعيمي وفرادته نبعتا من حسه الإنساني المرهف، ومن احتضانه المواهب التمثيلية الشابة في تلك البدايات المبكرة، وقال: «لا أنسى دور النعيمي في الأخذ بيدي لأكون عضواً فاعلاً لفريق الإنتاج بتلفزيون أبوظبي عام 1989، وبإشراف المخرج أحمد منقوش من خلال مسلسل «الدنيا سوالف» الذي ضمّ أغلب الوجوه الفنية المعروفة». ويضيف أنه تعلم من النعيمي كيفية تفريغ النص المكتوب للمسلسل، والعمل كمساعد مخرج أيضاً، ما أضاف له رصيداً معرفياً جديداً فيما يتعلق بكواليس الأعمال الدرامية، ومفاصلها الأساسية والتمهيدية قبل الشروع في التصوير. ويصف سالم الفنان الراحل سعيد النعيمي بأنه كان بمثابة الأب الحنون والأخ الأكبر والصديق الناصح لكل المحيطين به من الطاقم الفني والأدائي، سارداً عدداً من الأعمال والمسلسلات التي جمعته مع الراحل الكبير في فترة الثمانينيات مثل: «مجلس بو عسكور»، و«سباعية العائد»، و«مشكلتك لها حلّ»، و«مشاكل الفريج»، بمشاركة فنانين مازال حضورهم متوهجاً في ذاكرة الدراما المحلية أمثال: محمد الجناحي، وعايدة حمزة، ومحمد راشد الكراني، وعبدالله مفتاح، وسعيد بن عفصان، مع عدم إغفال البصمة الكوميدية والأدائية الفارقة التي طبعها الفنان الكبير الراحل سلطان الشاعر، ووسّع من خلالها مجال الحضور الفني الإماراتي في الدول الخليجية المجاورة، خصوصاً في المسلسل الذي شكل انعطافة ملهمة في مسيرة الدراما المحلية، وهو مسلسل «اشحفان» الذي قدم فيه النعيمي دور «القاضي». قامة فنية يؤكد الفنان الدكتور محمد يوسف أن الراحل يعد من القامات والرموز التلفزيونية التي لا يمكن إغفال دورها الكبير والمؤثر في صياغة الحالة الفنية والدرامية في السبعينيات وما بعدها، وبالتوازي مع الولادات الأولى لفن المسرح، وظهور الصحافة والإذاعة، واندماج كل تلك المنافذ التعبيرية، في ظواهر ثقافية مبهجة أنتجتها الروافد التعليمية والاقتصادية بعد قيام دولة الاتحاد، وبزوغ وعي معرفي منفتح على الآداب والفنون عززته البعثات الدراسية والتخصصات الأكاديمية الجديدة. ويذكر جانباً مهماً في شخصية النعيمي، وهو إشراكه للفنانين الفطريين من كبار السن في الأعمال الدرامية، وتدريبهم على الأداء التمثيلي ومواجهة الكاميرا، تكنيك الحركة ضمن الدور المرسوم لشخصياتهم في المسلسل. كان يملك خصالاً نادرة لامسها كل من تعامل معه، سواء في بيته الثاني بمبنى تلفزيون أبوظبي أو في الحياة العامة، حيث كان المرح هو لغته دائماً، وكان يملك مساحة كبيرة من الطيبة والصبر، خصوصاً عند تعامله مع الوجوه الجديدة الباحثة عن فرصة للظهور في المسلسلات الدرامية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©