الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محاكمة "تايلور" ومحنة العدالة في جرائم سيراليون

محاكمة "تايلور" ومحنة العدالة في جرائم سيراليون
28 أغسطس 2007 05:09
عندما اعتُقل الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور قبل 17 شهراً بتهمة جرائم الحرب وأُمر بمحاكمته دولياً، شكل هذا الخبر منعطفاً مهماً في تاريخ العدالة بأفريقيا· وقد بدأت محاكمة تايلور، التي تعد أول محاكمة لرئيس أفريقي بتهمة جرائم حرب، في أبريل المنصرم؛ غير أنه ما إن بدأت المحكمة حتى فقدت قوتها وزخمها؛ إذ قُرر الاثنين الماضي إرجاء الجلسة للمرة الرابعة هذا العام، على أن تُعقد الجلسة المقبلة في يناير المقبل· وقد جاء هذا الاضطراب الأخير نتيجة لإقالة ''تايلور'' لمحاميه المعين من قبل المحكمة كريم خان· أما محاميه الجديد ''كورتيناي جريفيث، فقد أخبر المحكمة أن فريقه يحتاج إلى أربعة أشهر على الأقل لدراسة الـ40000 صفحة من الأدلة المعروضة على المحكمة، مضيفاً أن أرشيف ''تايلور'' الشخصي، الذي يضم نحو 50000 صفحة، قد طفا على السطح للتو وينبغي فحصه والاطلاع عليه أيضاً· تسببت عمليات الإرجاء المتكررة هذه في توجيه أصابع الاتهام إلى جهات مختلفة في المحكمة الخاصة لسيراليون المدعومة من قبل الأمم المتحدة؛ حيث تم تحميل المسؤولية للقضاة أحياناً لمحاولتهم برمجة هذه القضية المعقدة بسرعة مفرطة، وأحياناً لإدارة المحكمة لعدم أهليتها وقلة مواردها، وأحيانا أخرى لتايلور -الذي أنكر جميع الاتهامات المنسوبة إليه- لمماطلته وتلكئه· ومن بين المشاكل التي ابتليت بها هذه المحاكمة انتقالها من سيراليون الرخيصة نسبياً إلى مدينة لاهاي الهولندية الغالية والمكلفة· أما السبب، فهو خشية عدد من البلدان، ومنها الولايات المتحدة، التي انخرطت بقوة في إنشاء المحكمة أن تؤدي محاكمة سياسيٍ مؤثر من هذا الحجم في عاصمة سيراليون، فريتاون، إلى الاضطراب في منطقة غرب أفريقيا· غير أن مسؤولي المحكمة يقولون إن هذا الإجراء تسبب في مزيد من الديمقراطية، وارتفاع رواتب الموظفين وفواتير سفر شهود· وفي هذا الإطار، يقول ممثل الادعاء العام في المحكمة ''ستيفان راب'': ''لقد اضطرت المحكمة إلى إيجاد مكاتب جديدة ونقل الناس وتوظيف المزيد من الإداريين وإيجاد مقر آمن للشهود··· وكل ذلك بميزانية محدودة جداً''· ويُضاف إلى ذلك الحرب التي اندلعت مع الجهة المستضيفة: المحكمة الجنائية الدولية· وفي هذا السياق، يقول مسؤول في محكمة سيراليون طلب عدم ذكر اسمه لأنه يعمل مع المحكمتين إن المحكمة الدولية حاولت في البداية فرض ''مبلغ ضخم'' مقابل سماحها باستعمال واحدة من قاعاتها التي قلما تُشغل، كما أصرت على أن تؤجر طابقاً بأكمله من الزنازين بدلاً من زنزانتين فقط لتايلور، وذلك قبل أن تخفض الأسعار· غير أن الموقع الجديد وضع محكمة سيراليون تحت أضواء كاشفة قوية في مدينة تضم ثلاث محاكم دولية أخرى، وتعج بالمحامين والطلبة والمراقبين من مجال القانون الدولي الذي يعرف نمواً سريعاً· وبعضهم لم يخفِ انتقاداته؛ ذلك أنه كان من المفترض أن تستفيد محكمة سيراليون من دروس محكمتي جرائم الحرب في رواندا ويوغسلافيا السابقة، اللتين كان يعاب عليهما بطؤهما وارتفاع كلفتهما وبعدهما عن الضحايا· فعندما أنشئت محكمة سيراليون في ،2002 قدمها المسؤولون الأميركيون كمؤسسة جديدة وكنموذج أفضل وأرخص وأسرع؛ وتمثل الجديد الذي جاءت به في استعمال قضاة محليين ودوليين· ولكن عملياً، وجدت المحكمة صعوبة في تنفيذ ما أنشئت من أجله· فقد تسبب عمل المحكمة في قارتين -في أوروبا حيث يحتجز تايلور وأفريقيا بالنسبة لقضايا أخرى- في تعقيد مهمتها· وعلاوة على ذلك، يقول المنتقدون إن المحكمة كانت بطيئة وغير كفؤة منذ البداية؛ إذ يتوقع أن يصبح تفويضها الأولي (3 سنوات) ثماني سنوات· كما أن الكلفة، التي جرى تحديدها في 54 مليون دولار في البداية بناء على مساهمات طوعية، تضاعفت ثلاث مرات وما فتئت تزداد· وفي هذا الإطار، يقول ''أنتونيو كزاس''، وهو محام دولي أعد تقريراً حول الفاعلية كانت الأمم المتحدة قد أمرت به ونشر هذا العام: ''نظراً للعديد من الأخطاء، فقد أصبحت هذه المحكمة أكثر كلفة وبطئاً نسبياً من المحاكم الأخرى''· وخلال الجلسات الأخيرة، انتقد عدد من المحامين الذين تابعوا محاكمة تايلور من المقاعد المخصصة للجمهور أسلوب القاضية الرئيسية وتسرعها في فتح القضية هذا الصيف في وقت اتفق فيه الادعاء والدفاع على أن سبتمبر موعد مناسب وواقعي؛ وقالوا إنهم يعتقدون أن القضاة يخضعون لضغوط سياسية من أجل تحريك القضية بسرعة· وبالنظر إلى التمويل الطوعي غير الأكيد، اضطر مسؤولو المحكمة إلى تقسيم انتباههم وتخصيص بعض الوقت لجمع التبرعات· وفي هذا السياق، يقول ''فون هيبل''، مدير المحكمة الجديد الذي انطلق رفقة ممثل الادعاء العام ''راب''، بعد جلسة عقدت مؤخراً، في رحلة إلى عواصم العالم لجمع التبرعات: ''لدينا تمويل يكفينا حتى شهر أكتوبر''، مضيفاً أن الوعود الجديدة ''يمكن أن توصلنا إلى ·''2008 والواقع أن تايلور احتج على حالة الاضطراب وانعدام النظام، إلا أنه عمل على استغلالها أيضاً· فرغم أن الكثيرين يعتقدون أنه جمع ثروة طائلة، إلا أنه زعم أنه فقير ومعوز وطلب المساعدة القضائية؛ حيث طلب مراراً المزيد من الوقت والمال لتوظيف محامين إضافيين يريدهم أن يدافعوا عنه· ويواجه ''تايلور'' تهم جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، لتحريضه أو تغاضيه عن الكثير من الفظاعات التي ارتكبها المتمردون الذين كان يدعمهم خلال الحرب الأهلية في سيراليون في عقد التسعينات· ويقول محاميه السابق خان إن موكله يزداد غضباً لأن الوثائق التي أرسلتها المحكمة إلى الدفاع كانت ناقصة وأُرسلت في وقت متأخر، ولأن الملتمسات والطلبات التي أُرسلت إلى المحكمة تم تجاهلها· كما قال في حوار أجري معه مؤخراً: ''لقد أخبرني بأن الشيء الوحيد الذي سيحرج هذه المحكمة هو الاهتمام العالمي''· وضمن هذه الاستراتيجية -يضيف خان- قام ''تايلور'' بإقالته كمحام له، علماً منه بأن من شأن ذلك أن يؤخر ويعطل المحاكمة· ويقول ''خان''، الذي غادر المحكمة بعد الإعلان عن إقالته إنه يتأسف لأنه اضطر إلى ترك ''واحدة من أكبر القضايا في العالم''· مراسلة "نيويورك تايمز" في باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©