السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإعلام.. سلاح صهيوني في الحرب على الفلسطينيين

الإعلام.. سلاح صهيوني في الحرب على الفلسطينيين
27 أغسطس 2007 04:22
منذ تأسيسها كانت إسرائيل ترى في الفلسطينيين مجموعة من البدو الرحل والمجموعات الصغيرة التي لا تبدع الحضارة، تعيش في (أرض إسرائيل) فيما كل يهودي له الحق الإلهي المطلق في هذه الأرض، وهي وطن الآباء والأجداد حسب تعبيرهم، لذا فإن أية محاولة لإعادة أي شبر منها يعتبر تنازلاً مؤلماً لأنه يتعلق بحق ممنوح من الرب لا يجوز التفريط فيه، أو المساومة عليه، إضافة إلى التبريرات العقائدية اللاهوتية هناك حجج سياسية ملخصها أن القدس وبقية الأراضي التي احتلت عام 1967 جزء من الجغرافيا الإسرائيلية، ومن خلال الاحتفاظ فيها، عبر تكثيف الاستيطان، وإقامة خطوط دفاعية استراتيجية يمكن الدفاع عن إسرائيل في وجه أي اعتداء في المستقبل· ولهذا، فإن إسرائيل أقامت السور العازل ودولة المستوطنات خارج الخط الأخضر، من أجل احتفاظها بالمستوطنات الكبرى في الأرض المحتلة ضمن إطار أي حل أو اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هذه المستوطنات التي تلعب أدواراً اقتصاديةً وأمنيةً وسياسيةً خطيرةً، تهدف في النهاية إلى قتل الطموح الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة، وتحويل سكان الأرض المحتلة إلى سجناء في وطنهم، إضافة إلى تأهيلها لاستيعاب مليون يهودي من المهاجرين الجدد· والمستوطنون، ومن خلفهم الحكومة الإسرائيلية، يريدون أن يأخذوا الجمل بما حمل، وفي إطار الانسحاب من غزة، فإن الحكومة الإسرائيلية تقاضت من حكومة الولايات المتحدة 2 مليار دولار ثمناً لهذا الانسحاب، إضافة إلى أن اليهود سرقوا 15 ألف طن من رمال غزة الناعمة قبل الانسحاب، التي يُقال إنها من أفضل الرمال في العالم، إضافة إلى وضع مخلفات نووية سامة في المستوطنات حتى لا يتمكن الفلسطينيون من الاستفادة منها في المستقبل· أما ''إفجيدور ليبرمان''، رئيس كتلة (إسرائيل بيتنا) اليمينية المتطرفة، فإنه طالب بطرد سكان ''أم الفحم'' وهم فلسطينيون إلى الضفة الغربية، ومبادلتهم بسكان المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة· لقد تعاملت إسرائيل بوحشية شديدة مع أبناء الأرض المحتلة، وكأن الإنسان العربي لا يفهم سوى القوة والاضطهاد لحسم الصراع معه، وأن العنف هو السبيل الوحيد لانتزاع الأرض من أصحابها الشرعيين الذين يرفضون بطبيعة الحال حياة القهر والإذلال، ومساومة العدو على حقوقهم الطبيعية المقدسة في الحرية والاستقلال، وفي إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس· وكم تسامى طفل الحجارة في ذوقه وأخلاقه وروحه الطاهرة عندما واجه الرصاص ببراءة الطفولة، وشجاعته النادرة، وكم غيرت هذه الصورة من رؤية الآخرين حيث ابتدأ الأطفال عصر التحرر من عبودية الإنسان للإنسان ولم تستطع كل لغات العالم أن تترجم كلمة (انتفاضة) بل نطقها الجميع بحروفها العربية الأصلية· لقد أثبتت الانتفاضة سواء الأولى أو الثانية، أو الانتفاضات والثورات التي مرت على امتداد التاريخ النضالي، والمأساة الفلسطينية، أن القضية الوطنية لن تموت، ونفت ما قاله ''سارتر'' من أن الواقع هو الانحدار والموت والشيخوخة، وأن الإنسان قطعة من الشوكولاتة محشوة بالأوهام، فأمام حيوية الشعب وإرادته العظيمة، فإن المستقبل يفتح ذراعيه وترتسم شمس الحرية ساطعة في الأفق· لكن العدو يتفنن هو الآخر في تحويل اللعبة لصالحه، فلقد اختيرت ذات مرة ملكة جمال إسرائيل من المهاجرين اليهود من روسيا، وفي ذلك مدلول سياسي واضح، وهو تسخير الجمال من أجل تحقيق أهداف سياسية، وجذب اليهود الروس، ويهود الاتحاد السوفييتي السابق إلى إسرائيل، والذين تجاوز القادمون منهم إلى إسرائيل المليون في بعض السنوات· والإعلام المتحيز لا يتعامل مع الأمور بموضوعية، بل يوجه الخبر والصورة لمصلحة إسرائيل كجزء من النظام الإمبريالي العالمي، ففي زمن الانتفاضة كانت وكالات الأنباء العالمية توزع النماذج التالية من الصور عن الشعب الفلسطيني· - شيخ في انتظار الموت فكيف يقاوم؟ - شيخ تبدو علامات البؤس والشقاء والحيرة على محياه· - امرأة أكل الدهر عليها وشرب وملأت التجاعيد وجهها· - شباب مقنعون بأقنعة الموت، يثيرون الرعب والخوف والاشمئزاز لدى الرأي العام العالمي· وعندما نشرت صورة الجنود الصهاينة وهم يدفنون شباناً فلسطينيين، ويحاولون كسر أيديهم بالحجارة، اهتزت المشاعر الإنسانية، وبرزت صورة الجندي الإسرائيلي السادية البشعة على حقيقتها، ومن أجل أن تمتص إسرائيل النقمة العالمية لجأت إلى محاكمة جنودها صورياً، بل إن الطفل الفلسطيني محمد الدرة الذي قتل في حضن أبيه ادعت إسرائيل أنه من أطفالها، وعممت هذه الفرية الكبيرة على وكالات الأنباء في العالم، وبعد ذلك قام الإعلام الصهيوني الموجه والمسيس بتصنيف الفلسطينيين إلى (معتدلين) و(إرهابيين)· ومن الإعلام الصهيوني الموجه نشر وكالات الأنباء صورة لحسناء يهودية تقرأ جريدة في مستوطنة قرب نابلس، حيث تبدو الفتاة في غاية الهناء والسعادة، بعد أن وصلت إلى إسرائيل قبل شهرين تنعم بطيب الإقامة وتمارس سلوكاً حضارياً يتصف بالأناقة· التهدئة بالنسبة للإسرائيليين ليست مؤشراً على الانفراج، ولكنهم يمارسون مع الفلسطينيين لعبة القط والفأر، من أجل تهويد القدس، واجتثاث الجذور والمعالم العربية منها نهائياً تحت سمع العالم وبصره، والفلسطينيون يفاوضونهم على الانسحاب من قلقيلية وطولكرم وغيرها من القرى والمدن، وهو انسحاب لا فائدة منه، لأن الجيش يحيط بالمدن والبلدات العربية من جميع الجهات، وهو قادر على اقتحامها في أي وقت يشاء، لذا تكون الصور الإعلامية نقيضاً لهذا الواقع، ويكون الهدف منها الترويج للدعاية الصهيونية في العديد من المجالات وتوظيف الإعلام في خدمة الأهداف الإسرائيلية· وفي الوقت الذي ما زال العالم منشغلاً في الصراع على السلطة بين الفلسطينيين، وسقوط غزة بيد ''حماس'' وما تبع ذلك، فإن حركة واسعة ومكثفة من المستوطنات اليهودية تزرع في الضفة، والقدس تسقط من دفتر العودة، ومن سجل التاريخ العربي، وإذا ما انفعل فلسطيني، وألقى حجراً أو قنبلة تُقام الدنيا ولا تقعد، وصورة الفتاة تعرض من أجل أن تقنع الغرب بصحة رؤيته القديمة من أن العربي يساوي الإرهابي، وأن اليهودي هو الذي عمر الأرض، وزرعها، وأنشأ دولة متقدمة في مختلف الميادين· هذا التقابل على مستوى العصور يندرج في إطار الحرب الإعلامية التي تستغل الإمكانات السمعية والبصرية، من تلفزيون، وصحافة، وسينما، وإنترنت، وما إلى ذلك، حيث نرى الإنسان الفلسطيني في صورة البطل السلبي الذي يرتدي الكوفية ويدخل محلات السوبرماركت ليمارس فعل السرقة والقتل، وكسر القوانين والاعتداء على الناس، فيما نرى الإسرائيلي نموذجاً راقياً للإنسان المتحضر العصري· وهذه الصور التي تراكمت عند الغرب من خلال وسائل الإعلام، واللوحات والقراءات الإبداعية، تكاد تنسيه صورة اليهودي المرابي الذي تحدث عنه شكسبير في مسرحية (تاجر البندقية) عندما تمسك بأن يأخذ رطلاً من اللحم البشري دون زيادة أو نقصان، مقابل دينه، وتدفع الغرب أيضاً للتعاطف مع اليهود والشعور بالأسى والندم على ما حل بهم على يد النازي في الحرب العالمية الثانية· صورة اليهودية الجميلة لا تمثل الحقيقة ولا ترمز إلى الحب والفضيلة والأخلاق، لأن الهجرة المعاكسة من إسرائيل أكبر دليل على أن المستوطنين في الضفة الغربية يعيشون حالات الخوف الدائم من تصاعد الانتفاضة، كما أنها لا تمثل العدالة لأنها تسرق الأرض من أصحابها الشرعيين، وشيئاً فشيئاً يقتنع الرأي العام العالمي أن هذا النموذج الإنساني يستحق البقاء في الأرض، أما النموذج الآخر وهو الإنسان (الشهواني المتخلف المنقرض الضعيف) كما تصوره الدعاية فإنه يستحق القمع والتشريد ومن الأفضل ألا يبقى في الأرض، وينبغي ترحيله إلى البلاد العربية المجاورة· صورة الفتاة اليهودية أفضل وسيلة لجمع المال من قبل يهود العالم المتعاطفين مع إسرائيل لتوطين هؤلاء المهاجرين، والاعتراف بشرعية هجرتهم· بقي أن نسأل: أي صورة ينبغي أن نظهر بها أمام العالم؟! صورة طفل الانتفاضة هي أنصع الصور الفلسطينية وأجملها، وهذه الصورة مصدر فخر واعتزاز لكل إنسان عربي، ولقد آن الأوان لنضيف صوراً أخرى جميلة وجذابة ومشرقة لحاضرنا وحياتنا، كي نخرج من دائرة الاتهام، ونكون في مستوى الأمم الرائعة· لكن هذه الصورة يتم اختطافها وتشويهها بأيدي القبائل المتصارعة على السلطة، وإقصاء بعضها بعضاً، حيث تجد إسرائيل الطريق ممهدة أمامها لاختطاف القضية الفلسطينية برمتها، وإقصاء الجميع في نهاية المطاف، ذلك أن المرحلة الحالية- كما يبدو- ليست مرحلة الديمقراطية الفلسطينية، ولكنها مرحلة تصفية هذه القضية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©