الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدرسة الحياة

26 أغسطس 2007 03:39
عندما يأتي والداي العزيزان لمفاجأتنا وإخبارنا بالاستعداد لحزم أمتعتنا للسفر والقيام برحلة في فصل الصيف، فإننا نرقص فرحاً لهذا الخبر الجميل، ففيها الاستمتاع والأوقات الجميلة التي نقضيها وتجمعنا مع بعضنا البعض أكثر من أي وقت مضى، اللعب والضحك وقصص أبي القديمة التي يقصها علينا والتي لا تخلو من المتعة والإثارة والتشويق، وهدفها الأساسي تعليمنا الدروس والعبر، ولكن ما إن يبدأ هذا الشعور الغريب بالرجوع يبدأ الشعور بالخوف، أهو الإحساس بالغربة؟·· نعم إنه الاحساس بالغربة، وما إن يتسلل هذا الإحساس إلى نفسك حتى تبدأ الأسئلة والشعور بالذنب والتقصير تنهمر عليك، كأنها سيف قاطع لتأخذ نفسا عميقا بعدها لاستيعاب ما يجري، هذا الشعور الذي ينتابك شعور غريب ومؤلم، قد يعاني البعض مرارته سنين والبعض الآخر عدة أشهر وآخرون أياما معدودة فقط· أول الأسباب في اعتقادي وتقديري هو أنك في وطن ليس وطنك·· ليس المكان الذي اعتدت عليه·· لا ''الفريج'' ولا الأهل ولا الجيران ولا الأصحاب ولا الأصدقاء الذين يطرقون باب بيتك، في تلك اللحظة تشعر بأن السنين الطوال التي عشتها ما هي إلا أيام معدودة وساعات قليلة، وهنا وفي هذه اللحظة بالذات ينتابك هذا الشعور، شعور بالتقصير في دينك في صلاتك وقراءة القرآن والاشتغال بعبادة الله والتقرب منه، والأذكار الصباحية والمسائية، شعورك بالتقصير مع والديك وطاعتهما وأنك لم تقدرهما حق قدرهما·· تعبهما وسهرهما يفكران فيك طيلة الوقت، مع أنك إنسان قادر على تحمل المسؤولية·· تلهو وتلهو وتلهو، لا تدري أكانا مريضين أو في ظروف صعبة ويحتاجان منك العون والمساعدة لتحمل عبئا ولو قليلا عن كاهليهما اللذين أصبحا أقل قوة عن ذي قبل، تجلس في ''الحجرة'' لا تدري عنهما شيئاً تضع المسجل على أذنيك أو تقابل الكمبيوتر لا تخرج إلا في أوقات الطعام ثم ترجع مسرعا لا تدري أكانت أمك في احتياج إلى مساعدة منك أم لا، متعبة أو تريد حتى كوب ماء، شعورك بالتقصير في حقها·· لم تكرمها كما كانت تستحق، شعورك بالتقصير والاهمال في دراستك وعملك بعدم العطاء الكافي، إنسان لا تكون ولن تكون شيئاً إذا لم تسجل لك اسمك في التاريخ، وشعورك بأن لا أحد حولك يعرفك او يعرف من تكون، لا سند ولا أخ ولا صديق، ولا تعني شيئاً إلا باحترامك وأسلوبك المهذب وشجاعتك ومروءتك وشهامتك· مثل هذه المشاعر في حياتك قد تحدث تغيرات في شخصيتك، أولها شعورك بأنك انسان ولدت هذه اللحظة، بيدك كل الأمور، إما أن تترك أمورك التي أهملتها طويلاً ولم تذكرها إلا بسبب هذا السفر، وإما أن تبدأ نقاط الإصلاح في حياتك لكي ترقى بنفسك إلى أعلى المستويات· عزيزي القارئ·· مثل هذا الشعور الذي ينتابنا علينا عدم الاستهانة به ونسيانه بمجرد الرجوع إلى الوطن، لأنه تذكير من الخالق بأن الحياة قصيرة مهما طالت السنون التي عشناها، وإن كنت انسانا تسعى إلى الرقي بنفسك وطرق أبواب الطموح والصعاب وحب التغلب عليها، يجب عليك التنبه إلى كل الأوقات والظروف التي تمر بها والاستفادة منها قدر المستطاع لتخرّج نفسك من مدرسة تفخر بأن تكون أنت صاحبها· مريم المنصوري
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©