الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الميثاق الضائع

الميثاق الضائع
26 أغسطس 2007 01:46
كانت المفاجأة كبيرة وغير متوقعة، شعرت بأن قلبي قد سقط من بين أضلعي· لم أصدق· ابن عمي يصرح برغبته بالارتباط بي؟ انتابني شعور غريب· سعادة··· فرح··· خوف، لا أدري بالضبط ماذا حل بي؟· بقيت أياماً مذهولة، فلم اتوقع أن تتحرك الأمور بهذه السرعة وأنا لازلت طالبة في بداية المرحلة الجامعية· كانت حياتي السابقة رتيبة، خالية من التجارب· لا أنكر أن الأحلام كانت تغزو عقلي بين الحين والآخر عن المستقبل وعن شريك الحياة، إلا أنني كنت قد وكلت أمري إلى الله، ولم استعجل حدوث أي شيء في الحب والزواج، على الرغم من أنني كنت أرى زميلات الدراسة يعشن قصصاً مختلفة وتجارب متعددة، فأجدهن ينتقلن من حال إلى حال بسرعة البرق· حزن شديد، فرح طاغٍ، يأس، احباط، مشاعر مخيفة كانت تفزعني، وكنت أتعجب واستغرب كيف تستطيع الواحدة أن تتحمل كل هذا السيل المدمر من المشاعر، ولماذا ترمي الواحدة منهن نفسها وسط هذا السيل الجارف، دون أن تكون قادرة على مواجهته؟ البعض منهن تتراجع عند نقطة الخطر، والبعض منهن تستمر في السير والانجراف الصعب وتترك نفسها للأقدار لتلقي بها هنا أوهناك· لست جريئة حتى أفعل ما يفعلن، كما أنني أفضل دائماً طريق السلامة والحذر، فهل تركتني الحياة بلا تجارب مؤلمة؟ كلا أبداً، فعلى الرغم مني وجدت نفسي وسط التيار يتقاذفني ويتلاعب بمشاعري وأنا تائهة وحائرة لا أدري ماذا أفعل؟· لم أكن أتوقع أن ابن عمي يرغب بالارتباط بي وليس هذا فقط وإنما عرفت بأنه يُكنُّ لي شعوراً قديماً بالحب، فأسعدني ذلك كثيراً ورحبت بكل تلك المشاعر الجميلة، وتركت أحلامي تنسج خيوطها الذهبية حوله· تجاهلت نداء العقل، فهو أصغر سناً مني··· هذا غير مهم·· ما الضرر أن أكبره بسنة أوسنتين؟ المهم هو الحب، والرغبة الصادقة أن نعيش العمر سوياً· تحدثنا عن المستقبل، تواعدنا على التمسك بهذا الحب البريء حتى نتخرج من الجامعة· كل شيء كان في النور، أمام الأهل· الكل بارك هذا الارتباط الشفهي، فما الضرر في أن يطلب ابن العم حجز ابنة عمه لحين انتهاء فترة الدراسة حتى يكون قادراً على الارتباط؟ أعطيته ميثاقي، وسلمته قلبي الطري· سلمته مشاعري، فاستولى على مساحة تفكيري كلها· قررت أن أعيش لحظات الحب وجماله بحذر شديد، وقد اتفقنا على مراعاة الظروف الاجتماعية والسمعة وكل الأمور التي قد تسبب المشاكل· مفاجأة جديدة لم يمر على هذه القضية سوى شهر واحد حتى فوجئت بحدث جديد، مفاجأة أخرى غير متوقعة يا إلهي! هل يعقل هذا؟ كل هذه المفاجآت تحدث مرة واحدة! ابن خالي أيضاً يفكر بي! ما هذه المصادفة؟ عجباً! هل هذا أمر طبيعي أم هي خطة محكمة خططها لي القدر؟ لازلت أذكر ذلك اليوم· زارنا ابن خالي في منزلنا، بعد أن كانت والدته قد فاتحت أمي برغبة ولدها بالارتباط بي· وبالطبع فإن والدتي بقيت حائرة لا تدري بم ترد عليها، فخطبة ابن عمي لي ليست أكثر من مجرد كلام، والأمر كله بيدي أنا، حيث يمكنني اختيار احدهما ليكون شريكاً لحياتي· عندما زارنا ابن خالي··· وعندما سنحت لي الفرصة المناسبة للتحدث معه، سألته مستغربة: منذ متى وأنت تفكر بالارتباط بي؟ فأجابني: منذ زمن بعيد··· ولم يكن سهلاً أن أخبرك بشيء لأن الوقت لم يكن مناسباً، ولم أجد الفرصة المناسبة لإعلان رغبتي· نظرت اليه باستغراب شديد· ولكن لمَ الآن؟ هذا الوقت بالذات··· إنه أمر في غاية الاحراج، فأنا في حالة قلق بسبب الدراسة· قال لي: أنا أعلم أنك مشغولة بالمذاكرة، وأن أمامك سنوات طويلة حتى تنتهي دراستك الجامعية ولكني خشيت أن ترتبطي بغيري··· ماذا أفعل عندها؟ سأعض أصابع الندم على تفريطي بك ولن أسامح نفسي لأنني ترددت طويلاً قبل أن أعلن عن هذه الرغبة· ظل صدى كلماته يرن في رأسي، وبدأت رحلة الحيرة في الاختيار· فهذا ابن خالي وهو شاب رائع تحلم كل فتاة بالارتباط به، وذاك ابن عمي وهو لا يقل عنه في شيء أبداً··· وأنا··· هل أملك شعوراً محدداً نحو أحدهما؟ الغريب هو اني أميل لابن عمي أكثر، على الرغم من كونه لازال في سن مبكرة على تحمل المسؤولية· لم أكن أخطط من قبل لمثل هذا الاختيار، ولو كنت استمعت لعقلي جيداً لوجدت أنه يميل لابن خالي أكثر، أما القلب فقد حدد اختياره وفرض ذلك الاختيار عليّ وجعلني أعيش في حالة قلق وتفكير· حسمت أمري أخيراً واستجبت لرغبة القلب وقررت الارتباط بابن عمي· قررت أن ابقى على عهدي له، أن أكون له وحده مهما كانت الظروف· وبالطبع فإن الآخر قد احس بطعنة الهزيمة وقسوة الرفض، مما جعله يتألم بشدة وقد أخذ مني موقفاً صارماً ثم انسحب بمنتهى الرجولة· حدث غير متوقع توالت الأيام والأشهر وأنا محافظة على عهدي لابن العم بانتظار أن ننهي الدراسة ونتزوج كما جرى الاتفاق· وقد تعزز الأمر أيضاً بأن تزوج أخي من شقيقة خطيبي، وقد اسعدني هذا الارتباط الذي اعتقدت بأنه سيعزز من علاقة اسرتينا تمهيداً لزواجي، ولكن الأمور حدثت عكس ما توقعت تماماً· للأسف فإن أخي وزوجته لم يتفقا وبأسرع من البرق تم الطلاق بينهما· الكل في صدمة وذهول، كيف جرى الطلاق بهذه السرعة؟ لماذا لم يعطيا لنفسيهما الفرصة الكافية للتفاهم؟ في الحقيقة لا أحد يدري ماذا حدث بينهما، انها أسرار وأشياء لا يعلمها إلا الله، ولكنهما يقولان: إن التفاهم لم يحدث بينهما، ولا أدري لماذا لم يحدث التفاهم لأنهما ليسا غريبين وإنما أولاد عم وكل منهما يعرف الآخر جيداً· كنت اعتقد أن ما وقع بين أخي وزوجته خاص بهما وحدهما ولن ينعكس بأي حال من الأحوال عليّ، ولكن ما استغربت له هو موقف ابن عمي الغريب· فقد قرر أن ينتقم من أخي عن طريقي، قرر أن يجعلني أنا من يدفع الثمن··· أن أكون كبش الفداء في هذا الطلاق· ضرب بعهدنا عرض الحائط، وتخلى عن كل ما كان بيننا من مشاعر وخطط جميلة للمستقبل· تخلى عن الارتباط بي، ليعاقبنا··· ليعاقب أخي··· ليعاقبني أنا بلا ذنب ارتكبته، ثم قرر أن يتزوج من غيري· ألقى بسنوات الانتظار الطويلة وراء ظهره، نسي أنني فضلته على ابن خالي وأنني ابقيت عليه وانتظرته حتى يكمل دراسته، نسي كل ذلك وتزوج من إحدى قريباته· حافة الانهيار وجدت نفسي بعد هذا القرار الظالم وأنا إنسانة محطمة، مطعونة ممزقة إلى أشلاء، يا لها من صدمة أكبر من قدرتي على التحمل· يا له من موقف صعب لم اتخيل وقوعه· لا أدري لمَ فعل ذلك معي؟ ما ذنبي أنا؟ كيف هنت عليه بهذا الشكل؟ يا له من إنسان ظالم، جاحد، قاسي القلب· بكيت كثيراً، وبقيت مدة طويلة أسيرة للمرضين الجسدي والنفسي· بقيت تحت العلاج من الانهيار العصبي الذي أطاح بكرامتي وكبريائي وفضحني أمام الناس· كم كنت اتمنى لو كنت أملك القوة الكافية لاتظاهر بأنه لا يعني لي شيئاً، وانني استطيع نسيانه بسهولة، وانه هو الخاسر لأنه تخلى عني· كم كنت اتمنى لو أنني لم اتأثر وأن استطيع التمسك بقلبي ومشاعري وابعدهما عن الانهيار، كم تمنيت وتمنيت ولكن ما حدث كان أكبر من جميع قدراتي وطاقاتي كلها· مرت سنتان على تلك الواقعة المؤلمة، وقد تزوج ابن خالي أيضاً، ولم اصدم، فمن حقه طبعاً ألا يعود للتفكير بي بعد أن رفضته وفضلت عليه ابن عمي· لقد فكر بكرامته وأبت نفسه التذلل لمن رفضته واختارت غيره· لم احقد عليه ولم ألمه، فهو على حق وأنا على باطل لأنني رفضته بلا سبب وتمسكت بذلك الإنسان غير الناضج الذي لا يعرف كيف يتخذ قراراته ولا كيف يتصرف· حضرت حفلة عرسه· لم أكن قد شاهدته بعد تلك الأحداث· كنت أعتقد أنه قد شطبني من أعماقه· ولكن نظراته لي يوم عرسه لم ترحمني· كانت كوقع السيف على قلبي· تقطعه بلا رحمة مما زاد حزني وألمي وندمي· شعرت بطعم المرارة في حلقي، ولم استطع التنفس بسهولة وأنا أجده يجلس إلى جانب عروسه وهي سعيدة فرحة، ثم يأخذ بيدها وينطلقان إلى حياة زوجية جميلة مع رجل يعرف ويقدر تلك الحياة· أيقنت أنني كنت غبية، اضعته من يدي بلا سبب معقول، كيف لم أفهم الأمور بهذا الوضوح؟ كيف فضلت ابن عمي عليه؟ الفرق واضح بين الاثنين· ذاك طفل نزق لا يعرف ما يفعل، وهذا رجل عاقل فاهم، على الرغم من أنه ليس كبيراً في العمر··· وإنما هو النضج العقلي وقوة الشخصية التي تميزه· لقد اضعته من يدي ولا فائدة من التأسف والحسرة· جو المعاناة هكذا كانت حكايتي المؤلمة· الندم والحسرة وكلام الناس الذي لم يرحمني· نظرات الشماتة تصليني تماماً وتحولني إلى حطام· تمنيت أن يتوقف العالم··· ألا تستمر الأرض في الدوران، فلا يأتي يوم جديد ولا عذاب جديد· أريد نسيان كل شيء، أريد أن أعيش حياتي بلا تفكير متعب، بلا معاناة، هكذا··· بلا شيء، كما يعيش معظم الناس، هل هذا صعب؟ بصعوبة مرت الأيام والشهور وبدأت اتعافى ولله الحمد، وقفت على قدمي من جديد، انهيت دراستي الجامعية وحصلت على وظيفة ممتازة· أخيراً وجدت هدفاً لحياتي، عالماً جديداً أغرق نفسي فيه فلا اتذكر الماضي وآلامه· ولكن على الرغم من كل المشاغل وعلى الرغم من كل الارتباطات، تمر عليّ لحظات أشعر بغصة مؤلمة في أعماقي، فأجد دموعي تنساب بحرقة على خدي الذي طالما استقبلها مراراً وتكراراً بلا سبب معقول سوى أن خاطراً من الماضي أوكلمة أوحكاية أواسماً مشابهاً لتلك الأسماء قد مرت بلا قصد أمامي· هكذا صارت حياتي··· جزء مني يعيش الحاضر ويغرق فيه متناسياً كل المعاناة التي عشتها، متناسياً وجه الحبيب الغادر لأنه لا يستحق مجرد التفكير، وجزء آخر لا ينساه لحظة واحدة ويبحث عن سبب ولو تافه ليتذكره ويبكيه بحرقة وألم· كانت تتوارد إلى سمعي حكايته مع زوجته وبأنه ليس على وفاق معها، مشاكل كثيرة تحدث بينهما، شكوى منه وشكوى منها، والوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم حتى تم الطلاق بينهما بعد ثلاث سنوات من زواج فاشل لا انسجام فيه· هذا ما سمعته عن ذلك الحبيب الغادر، ولم أكن أدري هل أنا سعيدة بتلك النهاية أم لا؟ هل افرح متشمتة به أم لا؟ مشيئة القدر شاءت الأقدار أن يجتمع شمل أخي بزوجته من جديد، يا للعجب، كيف تجري الأمور بهذا الشكل الغريب؟ الأحداث تترتب بشكل جديد لتعود المياه إلى مجاريها، ليتحقق حلمي القديم ويعود لي حبيب القلب مرة أخرى اليس هذا هو ما انتظرته؟ أليس هذا هو كل ما أفكر فيه؟ الأحداث تؤكد أنه سيعود نادماً ليعتذر وليعيد كل شيء إلى وضعه الطبيعي وكأن شيئاً لم يكن، وكأنه لم يحدث أي شيء اطلاقاً، وكأنني لم اتعذب ولم أبك، ولم تتمزق مشاعري، ولم اطعن، هل هذا يعقل؟ شقيقته تتودد إليّ··· تسأل عن أحوالي وأخباري، كيف كنت وأين أصبحت، تلمح لي بأن أخاها يود العودة إليّ وأنه لازال يكن لي نفس المشاعر الماضية· فكرت وفكرت، هل اتقبل مثل هذه اللعبة من جديد؟ عقلي يقول لي: تجاهلي نداء العاطفة والمشاعر، فهي ليست أساساً قوياً لبناء مستقبل قوي ثابت··· لا تجعليه يسخر منك من جديد، من باعك مرة يبعك ألف مرة· أما قلبي فهو كالمريض يعوي ويصرخ، أريده، هذا هو الوحيد الذي أريده، سأموت إن رفضته سأتحجر، سأتمزق من جديد ألف مرة إن كنت السبب في الفراق· حسمت أمري واستجبت لنداء العقل وتركت نداء القلب المجروح وراء ظهري إلى الأبد· وافقت على أول خاطب دق بابي وقررت أن اسيّر هذا القلب الضعيف وأقويه بحب زوجي فهو الوحيد الذي يستحق كل المشاعر التي بداخلي· ولم اخطئ··· أبداً لم اخطئ· فقد عوضني زوجي عن كل سنوات العذاب والألم· الآن أشعر بأن كرامتي قد انتصرت، وأنني عدت إنسانة كاملة متكاملة تعرف كيف تسعد بما منحها الله من النعم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©