الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

بومرداس.. مدينة جزائرية تستهوي أفئدة الناس

بومرداس.. مدينة جزائرية تستهوي أفئدة الناس
24 أغسطس 2007 03:08
هي مدينة ساحلية جميلة، تقع على بعد 50 كيلومتراً شرق الجزائر العاصمة،لم تكن هذه المدينة شيئاً مذكوراً قبل عام 1984؛ إذ كانت مجرد بلدة صغيرة تابعة لولاية الجزائر، وكانت تسمى''الصخرة السوداء'' نسبة إلى فندق شهير شهدَ أول اجتماع لقادة الثورة الجزائرية بعد الانتصار على الاستعمار الفرنسي واستعادة سيادة واستقلال الجزائر في 5 يوليو ·1962 كانت مدينة صغيرة لا تثير سوى اهتمام الطلبة الحاصلين على البكالوريا بسبب توافرها على بعض المعاهد العالية المعنية بتخريج المهندسين بمختلف تخصصاتهم،كما كانت منطقة زراعية ذات أراضٍ خصبة غنّاء· في سنة 1984 ارتقت ''الصخرة السوداء'' إلى مصاف ولاية، وأصبحت تحمل تسمية جديدة هي ''بومرداس'' نسبة إلى وليِّها الصالح ''سيد علي بن أحمد البومرداسي''، فشهدت تحولاً جديداً جسّدته انطلاقة عمرانية جديدة وبداية تمركز سكاني بها حيث أصبح الكثير ممن لا يجد سكناً في الجزائر العاصمة، التي يتمركز بها نحو 5 ملايين نسمة حالياً، يلجأ إلى بومرداس لتعزيز فرصه في إيجاد سكن، ومع ذلك فإن عدد سكان المدينة الآن لا يزيد عن 50 ألف خلافاً لمعظم الولايات التي تستقطب مئات الآلاف وأحياناً ملايين السكان لتتشابه بذلك مع مدينة ''تيبازا'' التي لا يقطنها سوى 42 ألف ساكن· كنوزٌ مدفونة لكن بومرداس لا تشبه تيبازا في الاهتمام بآثارها، إذ أن جلَّ آثارها لا يزال مطموراً تحت الأرض ولم تكن هناك عملياتُ تنقيبٍ عنها سواء في العهد الفرنسي(5 يوليو 1830- 5 يوليو 1962) أو بعد استقلال الجزائر،بينما حظيت تيبازا بعمليات تنقيب أسفرت عن كشف 30 بالمئة من آثارها· ويبدي المسؤولون بمديرية حفظ التراث ببومرداس حسرة كبيرة لبقاء كنوز المدينة مدفونة تحت الأرض مع أن الأبحاث الأثرية القليلة التي أُجريت بها ابتداءً من ،2003 أفضت إلى اكتشاف قطع أثرية نادرة منها عملات نقدية وتوابيت جنائزية، وتحف مختلفة تمثّل مختلف العصور التاريخية بداية بأدوات تعود إلى اثنين ونصف مليون سنة؛ أي إلى عصور ما قبل التاريخ إلى غاية الفترة العثمانية الاستعمارية الفرنسية بالجزائر، ويتم اليوم حفظ هذه القطع مؤقتاً بدار الثقافة للولاية في انتظار بناء متحف خاص بها· تؤكَّد الكتب التاريخية أن المدينة تزخر بآثار كبيرة خلّفها الذين أقاموا بها طويلاً، سواء بغرض التجارة كالفينيقيين، أو عبر الاحتلال المباشر كما حدث مع الرومان والوندال والبيزنطيين، وقد ترك الفينيقيون موانئ تجارية مهمة بينما بنى الرومان مدينة كبيرة على النمط المعماري الروماني المعروف والموحَّد الذي صبغوا به مختلف المدن الجزائرية التي احتلوها لمدة 5 قرون كاملة· إلا أن كل تلك الآثار طمرها التراب بفعل السنين والعوامل الطبيعية، فأصبحت بحاجة إلى أعمال تنقيبية كبيرة، وميزانية خاصة لإزاحة التراب عنها، وإخراجها إلى السطح· لا تقتصر آثارُ بومراس على العهود الفينيقية والرومانية، إنما هناك آثار مُهمَّة تمثل الفترة الإسلامية التي تبدأ في سنة 707 ميلادية، حيث تمكَّن الفاتحون المسلمون بقيادة ''موسى بن نصير'' من فتحها، وطرد البيزنطيين منها· وقد تمَّ اكتشاف آثارٍ إسلامية تتمثل في مخازن حبوب على بعد 9 كيلو متر من المدينة، كما اكتشفت قطعٌ نقدية تعود إلى سنة 1150م؛ أي إلى فترة حكم ''الموحِّدين''· وفي العهد العثماني ارتأى بعض البايات الذين كانوا يحكمون الجزائر بناء قصورٍ بها للاستجمام والراحة بين الفينة والأخرى رغم أن قصورهم الأساسية كانت موجودة في ''قصبة الجزائر''·كما دُفن بعض البايات بها ومنهم الباي محمد بن علي الملقب بـ ''الذبَّاح'' الذي هدم زلزالُ 2003 ضريحَه تماماً· في عهد الاستعمار الفرنسي، خاض الأميرُ ''عبد القادر الجزائري'' معركة ''يسَّر الويدان'' قرب بومرداس ضد الجيش الفرنسي سنة 1846 فكسبها، واستقر الأمير ببومرداس ثمانية أيام بعد المعركة، ثمَّ عاد إلى عاصمته بالغرب الجزائري آنذاك، إلا أن فشل ثورته سنة 1847 أدى إلى بسط النفوذ الفرنسي على بومرداس ومناطق أخرى فاستولى المعمرون الفرنسيون والأوروبيون على أراضيها الخصبة وطردوا السكان الأصليين منها إلى غاية استقلال الجزائر· محنة الزلزال بعد سنوات من العزِّ والتوسُّع العمراني، تعرَّضت بومرداس لمحنة قاسية، حيث ضربها زلزالٌ مدمّر في 21 مايو 2003 على الساعة 7·48 دقيقة مساءً، وكنتُ أحد الذين عايشوا تلك اللحظات العصيبة لتواجدي بمدينة لا تبعد عنها سوى 20 كيلومتراً، وبلغت قوة الزلزال 6,8 درجة، فانهارت الكثير من العمارات والمباني بسرعة، وبلغت القلوبُ الحناجر، وأسفر الزلزال عن مقتل نحو 2600 جزائري معظمهم من بومرداس والبلديات القريبة منها، بينما جُرح وصُدم عشراتُ الآلاف· اليوم تمر أربعُ سنوات على تلك الكارثة الطبيعية، وقد استطاعت بومرداس خلالها تجاوز محنتها، واستعادت وجهها المشرق وحركتها الطبيعية، أعمال ترميم البيوت المتضرِّرة انتهت، ومشاريع البناءات الجديدة جارية على قدم وساق قصد إسكان كل العائلات التي رُحِّلت إلى ''الشاليهات'' بعد الزلزال· الحركةُ في المدينة الآن عادية، الشوارع واسعة ونظيفة، حتى أنك لا تعثر على شارع أو حيٍّ سكنيٍّ لا تزيِّنه أشجار مصطفة على نحو متناسق جميل أو مساحات خضراء واسعة مما يعطيك الشعور بالراحة، خاصة إذا كنت قادماً إليها من الجزائر العاصمة حيث ضيق الشوارع والازدحام الشديد في حركة المرور وحركة الناس أيضاً، العمارات أنيقة ومتباعدة عن بعضها البعض وذات طوابق محدودة· في هذه المدينة، تشعر أنك بتَّ أقرب إلى الهواء النقي في جوٍّ عامر بالهدوء، أما إذا أردت الانتعاش، فيمكنك الشعورُ به على أحد شواطئها الجذابة؛ حيث يبدأ موسم الاصطياف مبكراً في شهر يونيو من كل عام، وهي تجذب أيضاً بعض العاصميين الذين يضيقون ذرعاً بشواطئ الجزائر المزدحمة، بل وبدأت تستقطب أيضاً المستثمرين الخليجيين الذين ينتظر أن يقيموا مشاريع سياحية رائدة بها· ويفتخر سكانُ بومرداس بمفاتنها التي تجذب الناس إليها عبر العصور؛ فقد أقام بها زمناً الشاعرُ البوصيري صاحبُ بردة مدح الرسول محمَّد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، كما زارها ابن خلدون، والرحَّالة البكري في القرن العاشر الميلادي، والرحالة الإدريسي بعد قرنين، وما زالت حتى اليوم مهوى الزائرين من كل حدب وصوب·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©