السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

التجربة الروائية في الإمارات .. حداثة التكوين لعوالم موروثة

التجربة الروائية في الإمارات .. حداثة التكوين لعوالم موروثة
23 أغسطس 2007 06:03
الحديث عن تجربة الكتابة الروائية في الإمارات لا ينفصل عن الحديث عن واقع التجارب الأدبية الأخرى، أو بمعنى أكثر دقة عن الواقع الثقافي الراهن، نظرا لكون هذه التجربة تمثل جزءا من هذا المشهد وتعكس في صورة حراكها ما يعيشه الواقع الثقافي من حالات وإشكالات وظروف مختلفة ترسم مساراته وتحدد اتجاهاته المختلفة· وفي الوقت الذي تبذل فيه جهود واضحة وتظهر مبادرات عديدة لتفعيل الواقع الثقافي والارتقاء به من خلال تأمين الشروط المادية والمعنوية من قبل الجهات الرسمية، فإن النتاج الأدبي ممثلا بالقصة والشعر والرواية ما زال دون المأمول على الرغم من وجود تجارب استطاعت أن تحقق حضورها الإبداعي، وتكشف عن إمكانات ورؤية متقدمتين لكنها وقفت عند منجزها الأول أو الثاني دون أن تستكمل مسيرتها الإبداعية الواعدة· وإذا كانت هذه هي الصورة العامة للمشهد، فإن التأمل في تجربة الكتابة الروائية لا بد أن يلحظ أن تلك التجربة تتسم بمجموعة من السمات والخصائص النابعة من خصوصية التجربة ومحدداتها الذاتية والموضوعية· حداثة التجربة ومحدودية المنجز لعل الملاحظة الأولى التي يمكن الانطلاق منها تتمثل في حداثة التجربة الروائية على خلاف ما هو قائم بالنسبة للقصة والشعر، خاصة إذا ما عرفنا أن الرواية هي فن مديني بامتياز ترافق ظهوره مع ظهور المدينة الحديثة في الغرب· وقد ترتب على حداثة التجربة مجموعة من النتائج أولها محدودية التجارب الروائية التي ظهرت حتى الآن على خلاف ما نجده بالنسبة للقصة القصيرة التي حققت تقدما ملحوظا سواء من حيث عمر التجربة وعدد التجارب أو من حيث المستوى الفني والجمالي· وفي مثل هذا الواقع كان من الطبيعي أن تترافق محدودية التجارب مع غياب التنوع في أشكال السرد الروائي والرؤية السردية وشواغل النص الروائي ويمكن القول هنا إن أغلب التجارب التي ظهرت حتى الآن قدم أصحابها التجربة الأولى أو الثانية وهم ''محمد عبيد غباش و ثاني السويدي وميسون صقر القاسمي وأسماء الزرعوني'' ولم تخرج عن هذه القاعدة سوى تجربة الروائي علي أبو الريش الذي لم يسمح لمتطلبات العمل الصحفي أن تشغله عن متابعة تجربته وتعزيزها بما يحقق لها تمثل قضايا الواقع وتحولاته التي تفرض تبدلا في القيم والمفاهيم والعلاقات التي تحكم الواقع، ولذلك ظل الموضوع الأثير الذي يهيمن على عالمه السردي هو الصراع بين الحاضر والماضي··· بين عالم الصحراء وعالم المدينة الحديثة، وما تولد عن ذلك من حنين إلى عالم الماضي الذي يعبر عن الأصالة والقيم والعفوية مقابل ما يمثله الحاضر من تهجين وغربة ورطانة يصعب التكيف معها والشعور بالانسجام والتواصل بعد أن سيطرت العلاقات المادية وقيم الاستهلاك على الواقع، وغدت الحياة أكثر تعقيدا وقلقا· الواقع الجديد إن حداثة التجربة ومحدودية التجارب المقدمة قد أدت بصورة طبيعية إلى غياب التراكم الذي تحتاجه أي تجربة لكي تستطيع التطوير والتجديد في أشكال السرد الحكائي المنجز دون أن يعني ذلك غياب التأثير الذي يمكن أن تمارسه التجارب الروائية العربية على التجربة المحلية بحكم التفاعل والتواصل القائم بين التجربة المحلية والتجارب الروائية العربية· إن التراكم والتفاعل الحي يمكنهما أن يشكلا رافدين هامين تتغذى منهما التجارب الجديدة وتبني عليهما مشروعها الجديد الذي سيحتاج فيما يبدو إلى مرحلة زمنية يستطيع أصحاب التجارب الجديدة أن يتمثلوا طبيعة الحراك الاجتماعي والاقتصادي والثقافي المتسارع بوتيرة كبيرة، تجعل من غير الممكن استيعاب تلك التبدلات والتغيرات التي تفرضها تلك التحولات على بنية المجتمع وعلاقاته ومنظومة مفاهيمه وثقافته· ومما يزيد من إشكالية التواصل مع الواقع واستيعاب متغيراته وتمثل قضاياه وصورته هو الانفتاح الكبير على ثقافات كثيرة ومتعددة ومتداخلة من خلال وجود العمالة الذي يتجاوز عددها عدد السكان الحقيقيين للبلاد إذ يجعل هذا التنوع والاختلاف في الهويات الثقافية من الصعب استيعاب ما يحدث في الواقع والنفاذ إلى عمقه وتمثل أبعاد هذه التجربة بتعددها وغناها وتناقضاتها وهجانتها· ولا يتوقف الأمر عند هذه الحالة بل هي تترافق مع مسألة أخرى تتمثل في سرعة التحولات التي تجعل من الصعب التوقف مليا والتأمل في صورة المشهد المتحرك· وبقدر ما تشكل هذه الحالة واقعا متغايرا ومتجددا باستمرار، فإنها تمثل مصدر غنى وثراء لعالم مفتوح أو مثالا للمدينة العالمية بما تطرحه من قضايا وحالات وواقع تتداخل ثقافاته وهوياته الاجتماعية والإثنية، بحيث يقدم مادة سردية خصبة لعالم ما زالت صورته الجديدة تتشكل· ثمة ملاحظتان يمكن للمتابع للتجربة الروائية أن يتوقف عندهما أولهما محدودية الإسهامات الجديدة للجيل الجديد من الكاتبات والكتاب في مجال الرواية وربما كان من أسباب ذلك صعوبة الكتابة الروائية وما تحتاجه من وقت وجهد وقدرة على بناء عالم سردي حكائي متكامل الشروط الفنية والسردية والفكرية، إضافة إلى التحديات التي تطرحها هكذا محاولات على صعيد طرح القضايا الأكثر حضورا وأهمية لاسيما فيما يتعلق بقضايا الواقع الجديد وإفرازاته على مختلف المستويات· أما القضية الثانية فهي الابتعاد كما سبقت الإشارة إلى ذلك عن مقاربة قضايا الواقع الجديد على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وانعكاساتها على الناس وعلاقتهم وسلوكهم ورؤيتهم إلى الحياة ومحاولات التوفيق بين القيم الجديدة التي فرضها الواقع الجديد والقيم التي كانت سائدة في المجتمع· إن ما يمكن لمغامرة التجربة الروائية في الإمارات أن تقاربه وتحاول تمثله سرديا وحكائيا كثير وقد أفرز الواقع الجديد حالات وقضايا تشكل مادة خصبة لأي تجربة تمتلك أدواتها السردية والجمالية ورؤيتها القادرة على النفاذ إلى عمق الواقع واستجلاء جوانب كثيرة من صورة الحياة وسيرورتها التي يمكن أن نراها بوجوهها الكثيرة والمختلفة بوصفها دالة على غنى الحياة وتنوعها الكبير في واقع لا يتوقف عن الحركة والجريان وتشكيل صورته الجديدة على خارطة العالم المعاصر·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©