السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحضاري محكياً بلغة العطر

الحضاري محكياً بلغة العطر
12 فبراير 2014 22:32
في مسارات روحية وحضارية وتاريخية متشعبة تأخذك الحكايات. كأنك في الأسطورة تنتقل من مغارة إلى مغارة، من كهف إلى كهف، ومع كل نقلة قدم ثمة نقلة على أرض عتيقة، باطنها زاخر بالمعارف. ثمة معرفة تنتظرك على بعد جملة، أو سطر أو صفحة. منحوتات وزخارف تنطق بلسان عربي مبين، فخاريات جاءت للتو من التاريخ لتقول لك بكل فصاحة صانعيها ومهارتهم كيف نمت على طرفي البحر علاقة الإمارات بالهند. سبائك وأوانٍ وبهارات تكاد تشم رائحتها عبر الورق، تطير بك في عصور قديمة، حين كانت سفن البحارة تذهب باتجاه الهند أو تأتي باتجاه الإمارات، حاملة مع البضائع أحلاماً وآمالاً تسكن الرؤوس. هنا، التاريخ تسردُهُ أمشاط الشعر التي مرّت عليها آلاف السنوات، ودخلت في التحقيب التاريخي، فصارت شاهداً ودلالة. هنا، الحضاري محكياً بلغة العطر المنبعثة من قوارير الزمان، ربما يرويها حرير هرب فجأة من باب الدر الإماراتي الذي ذكره بيريبلاس إريثرائي في القرن الأول الميلادي في «دليل البحر الإغريقي القديم» ليحط الرحال في القرن الواحد والعشرين. هنا، تقول الكلمات الكثير وتقول الصور أكثر، وفي المسرب الذي بينهما تنمو مشاعر ودّ عميق، ووشائج وعرى وثيقة، عبرت عنها شهادات الذين تحدثوا في الكتاب. ولا غرابة في الأمر، فحين تفتح سيرة الهند نتذكر عمل البيروني عنها الذي لا يوجد له مثيل حتى في أي لغة هندية وهو أول من ترجم بعض أبيات «باغواد غيتا» إلى العربية. أما عن تجليات العلاقة وامتداداتها الفكرية والفلسفية والعقدية وتمظهراتها الثقافة والفنية خاصة في العمارة فحدث ولا حرج، وأما عن الاقتصاد فبحر وسيع جرت فيه سفن وأحداث ومياه كثيرة روت جذور الحكاية التي قرر المؤلف «فينو راجاموني» الدبلوماسي الخبير في العلاقات الدولية، أن يحتفي بها في كتاب «الهند والإمارات العربية المتحدة.. احتفاء بصداقة أسطورية» الصادر عن المركز الوطني للوثائق والبحوث في أبوظبي ليجيء اسماً على مسمى، فهو بالفعل احتفاء بهذه العلاقة. كل شيء فيه يأخذك الى الحفاوة؛ الغلاف، الطباعة الأنيقة الفخمة، الصور المفتوحة التي تشكل نصاً بصرياً موازياً للنص المكتوب وتفصح عن كلام مختبئ، يمكنك استشفافه بجرّة عين. ثمة معلومات تنهض من التاريخ، مغسولة، منداة، مشبعة بروائح السفر الذي حمل بحارة الإمارات إلى الهند وأحضر تجار الهند إلى الإمارات.. بين سفر وسفر تدفقت الأحلام في الرؤوس المهاجرة، وربما تطايرت ذات عاصفة على الأشرعة البيضاء لتنقل رسائل الشوق إلى الغائبين المتوطنين في الروح. رسالة ملكية جاء افتتاح الكتاب بـ «رسالة ملكية» لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي. جاء فيها: «إنّ قيادة الإمارات العربية المتحدة وحكومتها وشعبها، تحرص على الإبقاء على قنوات الاتصال والتعاون كلها بين البلدين والشعبين مفتوحة، خاصة في المجالات الثقافية والخيرية والاقتصادية. ومن خلال تلك المجالات يمكننا بناء علاقات سياسية طيبة مع كافة البلدان، على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل والتعاون البنّاء. ونود في هذا المجال أن نبرز العلاقات الخاصة التي تربط بين شعبي الهند والإمارات العربية المتحدة». وأتى «التقديم» بعد هذا لمعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وقت كتابته في عام 2010، حيث وصف «هذا الإصدار القيم» بأنه يرصد العلاقات المهمة بين الهند والإمارات و«مدى ما تكنّه كل منهما من احترام وتقدير للأخرى». وأضاف: «بالإنابة عن أصدقاء الهند والمعجبين بها في الإمارات العربية المتحدة أحيي تقدّم الهند الهائل في كافة المجالات، كما أشيد بأهميتها المتزايدة على المسرح العالمي». بعد الرسالة والتقديم أتى تمهيدٌ للمؤلف عبّر فيه عما تحمله بلاده وشخصه من مشاعر خاصة تجاه الإمارات العربية المتحدة ـ قيادة وحكومة وشعباً ـ مشيراً إلى أنّ مصنَّفه قد وضِعَ لكي «يوثق قروناً من الصداقة بين الشعبين الإماراتي والهندي، وهي صداقة لاتزال قائمة. والواقع أن قليلاً من دول العالم كان لها مثل تلك العلاقة الإيجابية متعدّدة الجوانب، والتي عادت بالنفع على طرفيها، فكان حقاً علينا أن نحتفي بهذا في هذا الكتاب الذي يتضمن معلومات ذات قيمة حول ماضي تلك العلاقة وحاضرها ومستقبلها، ويطرح صورة شاملة لكافة جوانبها». وقد خصّ فينو راجاموني بالشكر الفريقَ الذي شارك في «إنتاج النسخة العربية من هذا الكتاب» وما قدّمه المركز الوطني للوثائق والبحوث في وزارة شؤون الرئاسة، الذي قام بهذا المشروع، لافتاً إلى أنّ «إنجاز هذا الكتاب قد تمّ عام 2010 وإنّ كثيراً من الشخصيات التي ورد ذكرها في طياته قد أحرزوا مواقع متقدمة في المسؤولية، أو انتقلوا إلى مناصب أخرى فكلّها موضع تقديري واحترامي مع حفظ الألقاب من قبل ومن بعد». ولابدّ من إشارة أولى إلى أنّ موضوعات هذا الكتاب تشفّ بوضوح عن الحصيلة المعلوماتية الواسعة التي حشدها «راجاموني» بين دفّتي مصنّفه، نتيجة متابعة الشؤون الإماراتية المتعدّدة، ولاسيما في أثناء فترة عمله قنصلاً عاماً للهند في دبي، ونشاطه الاتصالي مع أبناء الدولة في المجالات كافة، حيث عمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وهو الذي ارتبط باسمه انطلاقُ النشرة الشهرية والبرنامج الإذاعي المسمّى «الهند تهتم»، اللذين رعتهما القنصلية الهندية. من باب التاريخ من باب التاريخ يدخلك المؤلف في رحلة شيقة تمتد إلى أيام الحضارات المبكرة، تلك التي تعود إليها الصلات التجاربة بين الإمارات والهند، وهو القسم الأول الذي حمل عنوان التاريخ (تراث غني)، يطوف بك بين اللقى الآثارية والمشغولات التي عثر عليها في المواقع الأثرية بشبه القارة الهندية وغربي آسيا، وكلها تؤشر على التأثير والتفاعل المتبادل بين سكان المنطقتين منذ ما يزيد على خمسة آلاف عام. هنا تطل على الصلات التي نشأت بين ملوخة ومجان، فالنصوص السومرية تشير بشكل متكرر الى ثلاثة مراكز هامة كانت التجارة معها وهي: ملوخة ومجان ودلمون، تستعيد تفاصيل كثيرة ترويها البقايا الأثرية قبل أن تتعرف الى الرواد الذين ركبوا البحار، سعياً وراء الحرير والتوابل والأحجار الكريمة والبورسلان وغير ذلك.. تنبيك الصفحات باكتشاف هؤلاء البحارة لأسرار الرياح الموسمية. تفتح بين يديك دفتر البحر لتقرأ فيه خرائط المسير في الأزرق الغامض. مع مجيء الإسلام تعبر بك المعرفة إلى طرقات جانبية تصف أحوال المسلمين في الهند وكيف تأثروا بثقافتها وأثروا في الثقافة الهندية، وتشاهد أثر الطراز المعماري في المساجد وبعض الأبنية، وتتأمل النقوش العربية في مساجد كاليكوت وتتعرف الى عائلات عربية ذهبت هناك، وعاشت واستقرت، فضلاً عن ظهور مجموعة اجتماعية جديدة ترتب على مجيء التجار العرب إلى الهند، ثم تقرأ ما خطه الرحالة ابن بطوطة عن كاليكوت وكايال باتنام. تشاهد النقود وقطع الفخار وكتابات العرب حول الهند فتشعر أنك تعيش في عباءة الماضي الوسيعة، وأينما تجولت يرنّ في أذنيك صوته، حاملاً صدى نهمات البحارة وهي تشق البحر إلى خليج كوتش وميناءيه؛ مومباي وكراتشي، الطريق المفضل بين الهند والخليج في عصر اللؤلؤ، لتخفف وحشة الليل، حلكته الدامسة. تترك المحطة الأولى إلى الثانية، أعني القسم الثاني من الكتاب وهو العلاقات السياسية التي عنونها المؤلف بـ (إرث النيّات الحسنة)، لتتعرف الى طبيعة العلاقات الوطيدة التي ربطت بين البلدين على المستوى السياسي، ثم تغذ السير إلى عالم الأعمال (القسم الثالث) الذي حمل عنوان (الطريق إلى الرخاء)، ومنه إلى الصحة والتعليم (القسم الرابع الموسوم بـ (شيء مختلف)، وأخيراً إلى الناس الذين كتب عنهم المؤلف تحت عنوان (وحدة رغم التعدّدية)، وتختم جولتك بـ «كلمة أخيرة». وجاءت في ثنايا هذه الموضوعات ـ بعد مدخل كل منها ـ كتابات لأشخاص مختلفين حسب ما يخدم الغرض الرئيس الذي حدّده راجاموني، ولاسيما بالنسبة لتأكيد أصحاب الشهادات أو المقالات أو المعالجات الخاصة على الجانب التبادلي المفيد في المنافع المنسوجة بين الدولتين، وما أسهم به تعاونهما من توفير فرص الإفادة من الخبرات والقدرات والتمويلات، وتجنّب الإضرار بمصالح الشعبين في مختلف الظروف، ومن خلال الاتفاقات المبرمة بينهما. ووضع راجاموني في طوايا الصفحات النصيّة مقداراً كبيراً من الصور التي قدّمت معلومات رافدة أو معزّزة لما جاء بعض الكلام عنه في النصّ المكتوب، كما أضافت أحياناً أفكاراً تلامس أبواباً ذات صلة بالموضوع المطروق، على نحو مباشر أو غير مباشر، ففتحت كوى الذاكرة بالنسبة للقرّاء والشهود الذين عايشوا بعض الأحداث التي تمّت إشارة راجاموني إليها، أو تزامنت مع حدوثها، أو نتجت عنها، أو غير هذه الإحالات الذكية التي لخّصتها الصور في مواضع كثيرة، فغدت أشبه بنصّ آخر موازٍ ناطق بلغة لا تقف بانتظار الترجمة ولا السرد اللفظي المسموع. ولقد أورد فينو راجاموني المعلومات المتوافرة بين يديه، تبعاً للأقسام المشار إليها في التصنيف، تحت عناوين فرعية مختارة من متوافر ما وقعت عليه يداه في الموضوعات التي اختارها. وقد بدت انتقائيته واختياراته محكومة بحرصه على بيان الروابط القائمة بين الناس في البلدين، خلال الفترات التاريخية المتتابعة، ولاسيما بالنسبة للتبادل التجاري وتعضيد المصالح المشتركة، منذ الحقبة الزمنية التي سبقت الإسلام حتى بزوغ العصر الحديث، واحتدام المنافسة التجارية بين الدول على المستويين الإقليمي والعالمي، وصولاً للفترة الراهنة. إرث النوايا الحسنة وإذ أشار راجاموني لدى حديثه عن «إرث النيات الحسنة» إلى جهود صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وصاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد المكتوم في إقامة صرح الإمارات عالياً، صرّح أنه حتى قبل قيام دولة الإمارات كان صاحب السمو الشيخ زايد «واضحاً في توسيع العلاقة مع الهند» وقال في مقابلة عام 1970 مع آر كي كرانجيا: »إنّ العلاقة التجارية بين البلدين تعود إلى أربعة آلاف عام، والآن وقد أصبحنا على أبواب الاستقلال نود إحياء تلك العلاقة وتقويتها بكل طريقة ممكنة .. وثمة فرص لا حدود لها للتجارة وحتى المشروعات المشتركة». وعالج راجاموني لدى عرضه قسمات «عالم الأعمال» غير قليل من الصور اللافتة في الطريق إلى الرخاء، فعنون بعبارة «شراكة متعدّدة الجوانب» للحديث عن الشراكة الفريدة والخاصة والتي «ليس لها سوى القليل من ما يماثلها في هذه المنطقة، أو في أي مكان من العالم؛ فهي شراكة ثرية ومتنوّعة وذات جوانب متعددة». وجاءت في هذا القسم مقتطفات لسمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، حاكم رأس الخيمة تحدّث فيها عن «أطيب الأماني للهند وشعبها» ومنها قوله: «الجالية الهندية في رأس الخيمة كبيرة ومتنوعة وتعمل في كافة قطاعات الاقتصاد، وبالتأكيد أسهمت في نمو الإمارة. ولقد اختار الكثير من المستثمرين الهنود رأس الخيمة كموطن لهم، وهذا أمر يسعدنا، وسوف ندعمهم بكل ما نستطيع لكي يحققوا النجاح والرخاء». كما جاءت في هذا القسم من الكتاب مقتطفات من تصريحات سمو الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي ولي عهد ونائب حاكم الشارقة، منها قوله: «لقد تمّ توقيع الكثير من الاتفاقيات مع غرف التجارة والصناعة الهندية، ومع أعضاء مجلس رجال الأعمال والمهنيين بالهند، من أجل استغلال المزايا الاستثمارية الموجودة بالشارقة، ومن أجل إقامة مشروعات تجارية وخدمية وإنتاجية والمشاركة في مختلف الفعاليات بدولة الإمارات العربية المتحدة، وفي الشارقة خاصة، مع التركيز على المعارض التجارية والصناعية». وقالت معالي الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي، وزيرة التجارة الخارجية في الإمارات العربية المتحدة حول ذكرياتها خلال العمل مع شركة هندية: «تقلّدتُ أول وظيفة لي كمنتج برامج بشركة تقنية هندية هي داتاميش، وكنت المرأة العربية الإماراتية الوحيدة بين العاملين بتلك الشركة .. لقد تعلمت كثيراً من زملائي ورئيسي، وأحتفظ بذكريات جميلة عن عملي في تلك الشركة، وقد عرفت الكثير عن أمة عظيمة، وبلد عظيم ذي تاريخ ثري، والهند من أفضل المقاصد لي عندما أفكر في السفر». وضمن مقتطفات من كلام معالي سلطان بن سعيد المنصوري، وزير الاقتصاد في الإمارات، عن قوة الروابط الاقتصادية، جاء قوله: «شخصياً أرى أنّ العلاقات الهندية الإماراتية تتقدم على كافة المستويات، ويبدو المستقبل مشرقاً لكلا البلدين. وليس ثمة شك في أنّ الهنود أسهموا كثيراً في النمو الاقتصادي لدولة الإمارات، وأنّ لهم إنجازات عظيمة في اقتصادها. ويثمّن شعبُ الإمارات تلك المساهمات، ويتطلّع إلى تطوير وتعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين». وتتوالى على صفحات هذا القسم من الكتاب شهادات كبار المسؤولين ومدراء الشركات والخبراء من الجانبين الإماراتي والهندي والعاملين معهما، لتأكيد متانة العلاقات التي استطاعت قيادتا البلدين نسجها، بمساعدة أبناء الشعبين الصديقين، اللذين ما فتئ الطامحون فيهما إلى إبرام العقود وتبادل الخبرات وإبداع الأفكار المنتجة في المجالات التجارية والزراعية والصناعية والمالية والخدمية والصحية والتدريبية، وغيرها مما أمكن أن يتوصل إليه الأفراد والمؤسسات من تعاون يساعد في تعزيز النمو الاقتصادي ويحول دون انتكاس حركة التقدم وديمومة الحصيلة التصاعدية للمشروعات المختلفة. صحة وتعليم وإذ يفتتح فينو راجاموني قسم «الصحة والتعليم» من هذا الكتاب بالإشارة إلى أهمية التبادل بين الدول في هذين المجالين، يصل إلى توصيفه لواقع الحال قائلاً: «في ظلّ القيادة الرشيدة لحكام الإمارات العربية المتحدة تزيد فرصُ التعليم العالي والرعاية الصحية بشكل كبير وسريع لمواطني الإمارات العربية المتحدة، وأمام الوافدين العاملين فيها أيضاً؛ لأنّ تلك الخدمات عنصرٌ لتنمية الموارد البشرية في ظلّ الاقتصاد المتنوّع». ويشير إلى أنّ توافر الموارد والمهارات الهندية، وسعي الإمارات العربية المتحدة للارتقاء بالمستويات في هذين المجالين، أديا إلى تحسن ملموس في تحقيق الاتصال بينهما. وقد تمّ فتح مجالات للسعي إلى إقامة اقتصاد قائم على المعرفة، وفُتح طريق سريع للرعاية الصحية، واجتذبَ اهتمامَ الحكومتين والقطاع الخاص، إضافة إلى التعليم والتدريب. ويعرض راجاموني جوانب متتامّة من الإشارات الدالة عن نشوء التعليم الهندي في الإمارات، مثمّناً التعاون الذي تمّ في هذا المجال، فيقول: «فُتحت المدارس لتوفير العليم الأساسي للأطفال الهنود المقيمين مع ذويهم في الإمارات. وواكب نمو تلك المدارس التطور الكبير الذي شهدته العقود الستة الماضية، كما واكب نمو الجالية الهندية ذاتها». وتأتي بعد هذا أحاديث عن مجموعة مختارة من المؤسسات التعليمية، لتشهد بفاعلية ما تمّ إنجازه من نهضة تعليمية للجالية الهندية في الإمارات المختلفة، وما نتج عنه من تبادل الخبرات والتجارب والتنظيمات والبرامج المتبعة في تلك المدارس، مقارنة بنظائرها من أنواع متعدّدة استطاعت أن تتنافس لتوفير أفضل الخبرات والقدرات والمناهج التعليمية. ويورد راجاموني بعد هذا مقالات ومقتطفات لعدد من المشتغلين بالتربية والتعليم، ولخبراء ومدراء متضلّعين في العمليات التربوية والتعليمية والتدريبية، تشهد بما تمّ تحقيقه من منجزات مهمّة على مستوى الأفراد والمجموعات وبعض الهيئات ذات الشخصية الاعتبارية. كما يتحدث راجاموني عن وجوه من التعاون بين الهند والإمارات العربية، في مجالات متعدّدة أخرى ذات صلة، فيورد أمثلة على البرامج والإنتاجات الفارقة، على غير صعيد. ويختار من هذا للتمثيل إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مبادرة «دبي العطاء» لتوفير أموال تساعد على تعليم «مليون طفل» في الدول النامية. فيذكر أنّ الجالية الهندية استجابت للمبادرة بحماسة، و«قامت بعدة أنشطة لجمع الأموال، شارك فيها كلّ الطوائف والفئات، والشركات ورجال الأعمال، والمدارس والأطفال». كما يذكر راجاموني أنه في «مسعى ذي صلة» شارك الهنود في الإمارات بنشاط في مبادرة «تحدّي المليون كتاب» واشترت المؤسسة الخيرية كتاباً جديداً لكل طالب أتمّ قراءة كتاب، وكان ذلك تشجيعاً للأطفال المحتاجين في العالم على القراءة. وقد وصلت هذه البرامج لأكثر من أربعة ملايين طفل، في بلدان متعدّدة، منها: السودان وتشاد وفلسطين وباكستان وبنجلاديش واليمن والبوسنة والهرسك. أتت بعد ذلك شهادات لعديد من المسؤولين والعاملين والمشاركين في الفعاليات التربوية والتعليمية والتثقيفية، منها كلمة كتبتها ريم الهاشمي وزيرة الدولة في الإمارات، وكلمة للدكتور حنيف حسن القاسمي، وزير الصحة في الإمارات أيضاً. وكلمة لرئيس مجموعة فاركي التي ساهمت في إقامة البنية التحتية الاجتماعية في المجال الصحي، وكلمة للدكتور طيب الكمالي، مدير مجمّع كليات التقنية العليا، وكلمة لمدير المركز الطبي الجديد، وكلمات أخرى. سجادة ثرية ولدى الحديث في القسم الأخير من الكتاب عن «الناس» وصف راجاموني العلاقات بين الهند والإمارات بأنها «سجادة رائعة ثرية، نسجت خيوطَها ذكرياتٌ طيبة، وصورٌ أبدية للصداقة عبر القرون. وتجلّى ذلك التحالف وتلك المودة في النمو الاقتصادي غير العادي، والروابط الشخصية بين البلدين .. وقد اندمج الهنود العاملون في الإمارات في النسيج الاجتماعي الإماراتي على مرّ الأجيال». وتأتي بعد هذا المدخل القصير مجموعة من كلمات المواطنين المسؤولين في الإمارات وعدد من العاملين الهنود فيها، إضافة لمجموعة من المشتغلين في المؤسسات والشركات الهندية، والمشاركين في برامج مختلطة وفعاليات تتصل بالبناء المجتمعي في أشكاله المتنوّعة، التي يبدو من خلال كلامهم عنها، أنها انفردت في تقديم نموذج تفاعلي يستحق التقدير والاحتذاء في تطوير علاقات الدول والشعوب، لما فيه مصلحة أطراف العلاقة الثنائية أو المتعددة. فوردت كلمات تناولت التعاون في مجال خدمات النقل الجوي، والمؤازرة في توليد نظام اقتصادي عالمي جديد، وتمويل المشاريع، وتعضيد الثقة بالأشخاص والفئات والمؤسسات، وتكريس حسن النية والتعاون على تخطّي الصعاب وتجاوز العوائق، وتعميق مشاعر التسامح الديني، وتبادل التجارب الفنّية والمنتجات الجميلة، وتشرّب فاعليات الإنتاج الأدبي والثقافي في الأدب والسينما والتليفزيون والفنون التشكيلية، إضافة إلى الأنشطة الرياضية، والاستفادة من خبرات الأجيال في اختيار الأطعمة والتوابل والبهارات والمشهّيات والفواكه والخضار، وما يتصل بذلك كلّه من ذخر تنقله الأجيال الراهنة إلى الأجيال الصاعدة، من خلال المشاركة في إعلاء صرح بناء الحضارة في صيغتها التفاعلية الشاملة. ويقول راجاموني في كلمته الأخيرة: «تذهب العلاقات بين الهند والإمارات العربية المتحدة إلى ما هو أبعد من علاقة دولة بدولة، فهي جزء من الروابط التاريخية والثقافية والحضارية بين الهند ومنطقة الخليج .. العلاقة بين الهند والإمارات العربية المتحدة رابطة تزداد قوة على قوة يوماً بعد يوم، وهذا الكتاب أول محاولة لتسجيل وتوثيق تاريخ العلاقة بينهما تسجيلاً تاريخياً شاملاً». أخيراً،،، هذا الكتاب يشكل منطلقاً معلوماتياً مهماً لما سيأتي بعده، وربما كانت الشهادات الشخصية التي قدّمها أصحابها أو انتقاها المصنّف تُعدّ واحدة من طرق التوثيق المهمة في عصرنا الراهن، الذي غدا يقوم على التسجيل المباشر، تاركاً مقداراً عريضاً من التخمينات والظنون التي كان المؤرخون القدماء يعتمدون عليها في نقل أخبارهم ووصف الأحداث وتقدير العلاقات وتسويغ الاتفاقات والتحالفات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©