الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بكّاء الأندلس

بكّاء الأندلس
12 فبراير 2014 22:24
واكب شعراء الأندلس أحداث عصرهم ولولا ما سجلوه من نظم ونثر لضاع تاريخ الأندلس وتبددت آثار العرب المسلمين فوق تلك البقعة الجغرافية. ولقاؤنا اليوم مع الشاعر أبوالمطرِّف بن عميرة، بفتح العين لا بضمها، وقد نسبه ابن الأبار وكان معاصراً له إلى بني مخزوم فأضيفت إلى الشاعر نسبه المخزومي. وسنحاول من خلال الحوار مع روح الشاعر أن نتعرف على بعض الأحداث الهامة في تاريخ الأندلس، خاصة تلك التي عاصرها الشاعر. ‏v السلام عليك يا أبا المطرّف بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن الحسين بن عميرة المخزومي. ? وعليك السلام أيها المقلق لأرواح الشعراء بإثارة جمر الذكريات واستعادة أيام الحياة على الأرض. ‏v وهل كانت تلك الأيام صعبة إلى هذه الدرجة؟ ? نعم كانت كذلك. ‏v ولكننا نعيش الآن أياماً أصعب من أيامكم. ? وهذا ما جعلني أقبل دعوتك إلى الحوار. ‏v إذن نبدأ بالسؤال التقليدي.. متى وأين كان الميلاد؟ ? ولدت في شهر رمضان عام 582 هجرية بجزيرة شقر القريبة من شاطبة بالأندلس. ‏v وهل عشت فيها؟ ? تنقلت ما بين شقر وبلنسية وشاطية ودانية ومرسيه بحثاً عن العلم. ‏v وأين كان الاستقرار؟ ? تم الاستقرار في بلنسية. ‏v نعرف أنك توليت القضاء في أريولة وشاطبة بشرق الأندلس. ? هذا صحيح ولو أنني كنت أسعى لمنصب الكاتب في ديوان الحاكم. ‏v ولقد حققت هذا الطموح لدى أمير بلنسية أبو جميل زيان بن سعد الجذامي. ? ولكن مع الأسف - سقطت بلنسية في يد الاسبان عام 636 هجرية مما جعلني مضطراً للنزوح منها إلى المغرب. ‏v وكانت المغرب في ذلك الوقت تحت حكم الموحدين؟ ? ولقد وردت إلى الخليفة الموحدي الرشيد أبي محمد عبدالواحد، ابن أبي العلاء ادريس المأمون. ‏v متى كان ذلك؟ ? في 637 هجرية. ‏v وهل عملت كاتباً لديه. ? لمدة قصيرة. ‏v ولماذا.. هل حدث خلاف بينكما. ? قلدني منصب القضاء لمدينة كانت تسمى في زماننا هيلانة شرق مراكش ثم نقلني إلى قضاء رباط الفتح وسلا. ‏v توفي الرشيد عام 640 هجرية فهل بقيت في المنصب؟ ? أقرني عليه خلفه وهو أخوه أبو الحسن السعيد الخليفة الموحدي العاشر في المغرب، ولكن بعد مرة نقلني إلى قضاء مدينة مكناسة الزيتون. ‏v لم تكن على وفاق معه. ? هو نفسه لم يعطني الاهتمام الذي أستحق. ‏v وضعك قاضياً على مدينة مكناسة. ? بعد سلا يقذفني إلى ذلك المكان البسيط. ‏v ولكنه لم يتخل عنك. ? أنا فعلت. ‏v بدلاً من الاستمرار في ولائك له.. قمت بكتابة نص بيعة أهل مكناسة للأمير أبو زكريا الحفصي وذلك في 643 هجرية. ? هذا صحيح.. ولكن اعتذر أهل مكناسة واعتذرت وتم العفو عنا. ‏v لأنه كان حاكماً متسامحاً وطيباً. ? لم يكن قوياً كما يجب.. ولذلك تم اغتياله عام 646 هجرية. ‏v وماذا أفادتك صداقتك مع الأمير أبو زكريا الحفصي. ? أفادتني كثيراً. ‏v كيف؟ ? بعد اغتيال الخليفة الموحدي أبو الحسن السعيد وجدت الفرصة المناسبة لمغادرة مكناسة والذهاب إلى سبتة. وليتني لم أفعل. ‏v لماذا؟ ? في طريقي إلى سبتة تعرضت لحادث سلب ونهب من بعض قُطاع الطرق وضاعت ثروة العمر كلها. ‏v ولكنها لم تزد على أربعة آلاف دينار وبعض الحلي. ? كان هذا يشكل في ذلك الوقت ثروة كبيرة. ‏v لم تجبني عن السؤال الأول.. ماذا أفادتك صداقتك مع الأمير أبو زكريا الحفصي؟ ? تركت سبتة عن طريق البحر متوجهاً إلى بجاية في الطريق إلى تونس وفي بجاية دخلت على صاحبها الأمير أبي يحيى وهو ابن الأمير أبي زكريا الحفصي.. فأكرمني بسبب صداقتي مع والده وأقمت في بجاية حوالى سنتين أعلم الطلبة. ‏v وحتى ذلك الأمير الطيب تركته ورحلت إلى تونس. ? كانت تونس حلم العمر.. وخاصة بعد إعلان الحفصيين انفصالهم بتونس عن الدولة الموجدية. ‏v وماذا عملت في تونس؟ ? ملت إلى صحبة الصالحين والزهاد. ‏v ولم تدم هذه الصحية إلا وقتاً قصيراً. ? عرض عليّ قضاء الأربس ثم قضاء قابس وكنت مضطراً للقبول. ‏v ولكن الأمير محمد بن أبي زكريا الحفصي استدعاك مرة أخرى ولبَّيت الدعوة. ? كان يجب أن ألبي.. فقد كان ابن الصديق العظيم أبو زكريا الحفصي. ‏v وهل أكرمك؟ ? بل أصبحت من خاصته حائزاً على تقديره واحترامه. ‏v بالاضافة إلى عطاياه طبعاً. ? كان التقدير المعنوي بالنسبة لي أهم من التقدير المادي. ‏v لقد أخذنا الحديث عن حياتك ولم نسمع بعد بيتاً واحداً من شعرك. ? وماذا تريد أن تسمع؟ ‏v اتهمك كثيرون أن شعرك كان انهزامياً. ? أعطني دليلاً واحداً على ذلك؟ ? في القصيدة التي أرسلتها للأمير الحفصي ليدفع البلاء عن بلنسية قلت: تدارك أمير المؤمنين دماءنا فإنك للإسلام والدين ناصرُ ‏v ألأنني استغثت بالخليفة الموحدي لإنقاذ المسلمين فشعري انهزامي؟ حتى قصائد الرثاء، فقد كانت للمدن الأندلسية التي كانت تتساقط واحدة تلو الأخرى، لم تحمل إلا الأسى والحزن، وخلت من الدعوة إلى الجهاد. ‏v عن أي جهاد تتكلم؟ كان المسلمون يقاتلون بعضهم البعض ولا يجاهدون ضد عدوهم الذي يريد طردهم من الأندلس. ‏v ألم يصلك لوم النقاد؟ ? وصل.. وقمت بالرد عليهم في حينه. ‏v وماذا قلت؟ ? قلت: أقلّوا ملامي أو فقولوا وأكثروا ملومكم عما به ليس يقصِّرُ يحن وما يجدي عليه حنينه إلى أربُعٍ معروفها متنكِّرُ ويندب عهداً بالمشقّر فاللوى وأين اللوى منه وأين المشقِّرُ تغير ذاك العهد بعدي وأهله ومن ذا على الأيام لا يتغيَّرُ ‏v كان عصرك يا أبا المطرِّف بن عميرة عو عصر السقوط، سقوط الأندلس. ? كان البداية.. ‏v هل يمكن أن نعرف منك متى بدأت هذه المرحلة، مرحلة التهاوي والسقوط؟ ? بعد معركة العاب الشهيرة سنة 609 هجرية.. حيث توالى سقوط المدن الأندلسية واحدة تلو الأخرى.. كما شهدت إعلان بعض الإمارات الإسلامية انفصالها عن الدولة الموحدية كدولة الحفصيين بتونس بزعامة محمد بن عبدالواحد بن أبي حفص ودولة المسريتين في المغرب بزعامة عبدالحق بن محيو سنة 614 هجرية، كما رافق ذلك ظهور زعامات جديدة على المسرح السياسي كابن هود سنة 653 هجرية الذي أعلن نفسه أميراً على مرسية وقرطبة وغرناطة وغيرها. ‏v وبالطبع فإن هذا الواقع أضعف القوة الإسلامية العربية أمام الجيوش الإسبانية التي استأسدت لاسترجاع الأندلس إلى حضن إسبانيا. ? فماذا يمكن للشاعر أن يقول في وضع كهذا، إلا ذرف الدموع والتحسر؟ ‏v وهل بكيت فعلاً؟ ? دموع الشاعر هي الختم الذي يؤكد صدق مشاعره. ‏v أود أن أستمع إلى أبيات قلتها تحمل تلك الدموع. ? قلت: أقول لساري البرق في جنح ليلةٍ كلا نابها قد بات يبكي ويسهر تعرَّض مجتازاً فكان مذكراً بعهد اللوى والشيء بالشيء يذكر أتأوي لقلبٍ مثل قلبك خافقٍ ودمعٍ سفوحٍ مثل دمعك يقطر ‏v أليس البكاء عيباً للرجل؟ ? الأنبياء بكوا في بعض المواقف ولم يلمهم أحد. ‏v ولكنك اكتفيت بالبكاء. ? بل كنت واحداً من المجاهدين وشاركت فعلاً مع الأمير زيان ابن مردنيش في حروبه وكتبت عنه رسالتين. ‏v لماذا بكيت في شعرك إذن؟ ? لأنني وجدت الأندلس تضيع.. وأهلها يتشردون. ‏v تجربة اللجوء وخبرة اللاجئين كانت لدينا منذ بداية سقوط الأندلس. ? في هذا قلت: صاحَ بهم صائح الرحيل فما فيهم على البين واحدٌ سَلِما وجاس بالربوع عقر دارهم من بعد ما كان سر بهم جُرُما فهم عباديدٌ (1) في البلاد ولا شملٌ يكف الخطوب منتظما قد اتسم الدهر أن يفرقهم وجنّب الحنث ذلك القسما يا سائلي عن بكاي بعدهم بكيت دمعاً حت بكيت دما ‏v ولكنك في هذا البكاء أشبه باليائس، واليائس عدو مبين. ? لم يكن يأساً ولكنه كان استشرافاً للمستقبل المظلم. ‏v أعجبني بحث حديث قام به الدكتور رعد ناصر الوائلي بعنوان دفع الهزيمة عن شعر أبي المطرِّف بن عميرة. ? وماذا قال؟ ‏v قال: استشرف الشاعر المستقبل فوجده مظلماً فانكفأ على نفسه يائساً، فكيف الخلاص وقد مزّق الأعداء ركناً من أركان الدولة الكبرى وأعني بها بلنسية في حين كان أولو الأمر ينامون على أريكة الذل ينتظرون يومهم وأضحت العودة مجرد سراب. ? وهذا ما قلته في قصيدتي المشتاق. ‏v إذن دعنا نختم لقاءنا بهذه القصيدة.. تفضل يا أبا المطرّف. ? قلت: قيل تقضي لبانة(2) المشتاق ويحيل اللقاءُ حال الفراقِ وتؤدى من الدنو حقوقٌ هي دينٌ في ذمة الدهر باقِ ويرى ما دجا(3) من الهمِّ يبدو بنجوم السرور ذا إشراقِ قلت: ما تذكرون أضغاث حلمٍ دون غمضٍ يسري إلى الأحداقِ وأحاديثُ للمنى إن أقيمت في خيالٍ قامت على غير ساق كيف هذا اللقاء والبعد ألقى سعينا فيه في يد الإخفاقِ بعد أن أبقت النوى بيننا بهماء(4) قطّاعةٌ ظهور الرفاقِ ودهتنا من الغلاة خطوبٌ أشهيتها خطبانها في المذاقِ معاني الكلمات 1 - عباديد: من الناس أو الخيل هي الفرق الذاهبة في كل اتجاه 2 - لبانة: الحاجة ولكن بنهم يقال ما قضيت بها لبانتي أي نهمتي 3 - دجا: أظلم 4 - بهماء: أبكم، أو خفي الشكل، أبهم عليه الأمر، لم يجد له وجهاً يعرفه أي البهماء هنا الغموض 5 - خطبانها: جمع خطب مراجع البحث: 1 - أبو المطرِّف بن عميرة: الدكتور محدم بن شريفة 2 - دفع الهزيمة عن شعر أبي المطرّف: الدكتور رعد ناصر الوائلي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©