الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة السورية: مأساة تتفاقم بالعجز الدولي

8 فبراير 2012
وسط العنف المتنامي في سوريا وقمع قوات نظام الأسد المتواصل للمتظاهرين من المدنيين قررت الولايات المتحدة إغلاق سفارتها في دمشق، هذا في الوقت الذي انبرت فيه كل من روسيا والصين للدفاع عن رفضهما قراراً أممياً يدين النظام في دمشق وتبرير استخدام "الفيتو" لإسقاط القرار المنتظر الذي في جميع الأحوال ما كان ليتجاوز عبارات التنديد والاستهجان. هذا فيما يُصعد نظام الأسد في دمشق حملته العسكرية المسعورة ضد المدنيين بعد التأييد الروسي والصيني في مجلس الأمن، وبعد ما تردد عن وصول شحنات سلاح قادمة من إيران، وبالطبع يبقى الهدف من هذا التصعيد الملحوظ في العنف من قبل النظام القضاء نهائياً على الروح الثورية التي حركت الشعب طيلة الفترة السابقة، ودفعت أعداداً كبيرة منهم للنزول إلى الشوارع ورفع شعارات مطالبة بسقوط النظام. والمشكلة أن التطورات الأخيرة على الساحة السورية بكل ما تنطوي عليه من عنف وسقوط يومي للضحايا المدنيين، لم تُزحزح المجتمع الدولي من غفلته وتنتزعه من الصراعات، التي تعيق تبلور موقف موحد يحمي المدنيين ويضمن حقهم في التظاهر السلمي واختيار من يحكمهم، وهكذا يمتد القمع الوحشي ويتوسع في جميع المحافظات السورية المضطربة بدءاً من دير الزور في الشمال الشرقي على الحدود مع العراق ومروراً بإدلب المتاخمة لتركيا وليس انتهاء بحماة وحمص وسط البلاد. وعلى امتداد هذه المدن والخطوط، تنتقل القوات الموالية للنظام بين المناطق الريفية لقصف التجمعات السكانية المعارضة في محاولة لكسر مقاومتها وضرب روحها المعنوية علَّ ذلك يخفف من معارضتها للنظام، ويدفعها إلى الاستسلام لحياة الاستبداد والفساد. وفي العديد من المناطق الريفية، خرجت بلدات بكاملها عن سيطرة قوات النظام بعد مواجهات دامية بين الثوار المسلحين وبين القوات الموالية. فقد انفلتت المناطق الكردية في الشمال الشرقي للبلاد عن السيطرة، وباتت بعيدة عن الدولة المركزية في دمشق، كما أن حلب التي ظلت بمنأى عن الاضطرابات انخرطت مؤخراً في الانتفاضات المناهضة للنظام، لا سيما في المناطق الريفية المحيطة بالمدينة. ويبدو أن الرد القاسي للنظام على المظاهرات ومحاولاته الرهان على الحل الأمني للخروج من الأزمة كانت لها نتائج عكسية بعدما ازدادت حدة الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام، يدلل على ذلك الخروج المتزايد لسكان حلب إلى الشوارع تعاطفاً مع باقي المناطق ومواجهة النظام لذلك بالمزيد من العنف مثلما شهدت منطقة مرجة في ضواحي حلب التي سقط من أبنائها عشرون قتيلاً خلال الأسبوعين الماضيين. وفيما تستمر الاضطرابات في درعا وضواحيها على وقع المواجهات اليومية بين قوات النظام والثوار، يواصل الجيش قصف بلدات ريف دمشق التي خرجت عن سيطرة النظام في الأيام الأخيرة إلى درجة أن شبح حرب العصابات بات حاضراً بقوة في الأزمة السورية. لكن الفوضى تبدت أكثر في حمص وسط البلاد حيث تتعرض أحياء بأكملها لقصف بالمدفعية والدبابات. وعشية اجتماع مجلس الأمن وفشله في إصدار قرار يدين العنف سقط ما لا يقل عن 250 شخصاً في حي الخالدية، وفي محاولتهم لزرع الخوف وترويع الأهالي، اقترفت قوات النظام أفظع الجرائم في حمص باستهدافها النساء والأطفال، وهو ما قد يسرع في عملية التطهير العرقي في المدينة والفرز الطائفي في المناطق الساحلية المختلطة. ورغم الإدانات الدولية المتتالية للممارسات النظام السوري والدعوات المتكررة لقوى دولية بتغليب لغة الحوار ووقف العنف استمات النظام في استخدام القوة بعد "الفيتو" المزدوج لكل من الصين وروسيا الذي اعتبرته دمشق ضوءاً أخضر للاستمرار في القمع. ويتنازع المجتمع الدولي حول مدى قوة عبارات التنديد التي يتعين تضمينها القرار الدولي، وما إذا كان يتعين دعم المبادرة العربية التي تمهد لنقل السلطة في سوريا وحقن الدماء ووضع آليات واضحة للتطبيق، وفي غضون ذلك يواصل الأسد وأركان نظامه قتل المدنيين بوتيرة غير مسبوقة تدفع البلد يوماً بعد يوم إلى شفا حرب أهلية مدمرة. ومع أن الوقت لم يفت بعد لوقف سفك الدماء في سوريا والوصول إلى حل ما ينهي الأزمة، إلا أن المؤسف فيما يجري غياب اعتراف دولي بأن الأزمة السورية تستدعي بالضرورة نوعاً من التدخل مع البحث في تفاصيل هذا التدخل وملامحه العامة. وكل ما يمكن القيام به في ظل الجمود الدولي وشلل مجلس الأمن عن الاضطلاع بدوره هو البناء على دعوة الرئيس الفرنسي، ووزيرة الخارجية الأميركية، لتشكيل مجموعة اتصال حول سوريا، والسعي إلى تنفيذها بأقصى سرعة، فما عاد بإمكان المجتمع الدولي تأجيل الأزمة السورية وإضاعة المزيد من الوقت في البحث والمناقشة فيما نظام الأسد يواصل قتل المدنيين بدون هوادة، مراهناً على التقاعس الدولي وتضارب مصالح القوى الكبرى لكسب الوقت وسفك دماء السوريين، كما أن التأخر في حل المعضلة السورية المتفاقمة يزيد من احتمالات عسكرة الثورة التي بدأت ملاحها تتضح يوماً بعد يوم، وقد لا يستطيع المجتمع الدولي التدخل مستقبلاً في حال تدهورت الأوضاع وانزلقت إلى حرب أهلية ممتدة تحول سوريا إلى ساحة للصراع الإقليمي، والجدير بالذكر هنا التحذيرات التي أطلقها رئيس الحكومة التركي، رجب طيب أردوجان، في وقت سابق من أن الصراع في سوريا قد يجر المنطقة إلى حرب طائفية لن تكون في مصلحة أحد. عمار عبد الحميد زميل في منظمة الدفاع عن الديمقراطية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©