الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

دروبالنافذة

دروبالنافذة
10 ابريل 2009 03:38
من بين الكلمات التي تكررت كثيرا في الشعرية الحديثة مفردة (النافذة) بما تحمله هذه الكلمة من دلالات ومعانٍ مفتوحة قابلة للاشتقاق والتكرار من دون أن ينضب معينها مع كثرة الاستعمال• ولو رجعنا قليلا لمراجعة الأدبيات الصادرة من كتب وبرامج تلفزيونية وإذاعية وأعمدة وعناوين صحف سنجد ان هذه المفردة هي الأكثر استعمالا بلا منازع• ذلك انها تحمل في بعدها الدلالي العميق أكثر من مجرد إشارة وتحيل الى آفاق مفتوحة دائما•• فهناك في العالم العربي حتى اليوم مجلات وصحف ومواقع انترنت بالعشرات تحمل كلمة النافذة في اسمها• بعكس (الباب) الذي كان نصيبه اقل كثيرا في هذه الأدبيات• المعنى الأعمق الذي قاله الشعر في النافذة هي الإحالة الرمزية العالية في استخدام نافذة السجن باعتبارها العالم الآخر، عالم الحرية والانعتاق من القيد، وكلنا يتذكر قصيدة ابوفراس الحمداني عندما كان سجينا وكيف كان يخاطب الحمامة التي كانت تنوح على نافذة سجنه كل يوم• وفي السجن تتحول النافذة الى صديقة السجين ولذته فيما يتحول الباب المغلق الى عدوه الأول• من بين الأعمال الأدبية الرائعة رواية (مجنون الأمل) للكاتب الكبير عبداللطيف اللعبي التي كتبها من أجواء تجربته في السجن والاعتقال• وفي هذه الرواية تصبح النافذة بطلا حقيقيا وعالما قائما بذاته يوازي وقد يفوق العالم الداخلي للسجن• وهي على صغرها في الجدار إلا أنها في العمق كانت تفصل المكان عن المكان والزمان عن الزمان• كما قرأت رواية يوما، لا أتذكر اسمها الآن، تحمل إحالات اجتماعية وسياسية وذكريات الحرب من خلال وصف الكاتب لما يراه من نافذة قطار يعبر أوروبا• حيث القرى الفقيرة تقبع في النسيان الجميل منسجمة مع الطبيعة، بينما في المدن الفاحشة تتناسل الجريمة وينزلق العقل الى مرحلة (عبادة الاسمنت) وتقديس الطابور والآلة• احد اشهر الاستخدامات الرومانسية للنافذة كانت في لوحة الفنان العربي الذي رسم صورة حبيبته تجلس حزينة قرب النافذة تتطلع الى القمر كتعبير عن القيود الاجتماعية الصارمة التي تواجه العشاق في بداية تعرفهم على معاني الحب• وهنا أيضا تصبح النافذة صديقة للفتاة الحالمة بينما يتحول الباب المغلق الى عدوها اللدود• وهذه ربما تكون (صورة عالمية) حيث سبق لشكسبير ان استخدمها في روايته الشهيرة (روميو وجولييت) وبعدها تكرر هذا المشهد في المئات من الأفلام السينمائية حتى صار كلاسيكيا جدا• وعلى كثرة استخداماتها في الأدب والسينما والصحافة، جاء عالم الإذاعة والتلفزيون ليكمل استثماره لرمز النافذة، وتحولت الشاشة التلفزيونية الى (نافذة على العالم) وحملت البرامج الثقافية اسم (نوافذ) في تكرار وتشابه لم يتوقف ولم ينته• من القصائد الرائعة ما كتبه الشاعر الهندي العظيم طاغور حين قال: (انني اترك نوافذ غرفتي مفتوحة دائما لتهب علي رياح الجهات الأربع) حيث أصبحت هذه الجملة رمزا رائعا على ضرورة انفتاح الإنسان على استقبال التيارات المختلفة بدل الانغلاق على نفسه والتعصب للرأي الواحد• اعلى درجات المعنى حين يصبح قلبك نافذة مفتوحة على الحياة•
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©