السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب أفريقيا... وموسم الانتقادات السياسية لحكم مبيكي

جنوب أفريقيا... وموسم الانتقادات السياسية لحكم مبيكي
20 أغسطس 2007 00:29
لا تزال التجربة الديمقراطية في جنوب أفريقيا يافعة جداً، إذ لا يتجاوز عمرها ثلاثة عشر عاماً· وبسبب حداثتها وعدم اكتمال تشكل ملامحها، يكاد يكون أي تطور سياسي كبير فيها بمثابة سابقة في تاريخ هذه التجربة· ولهذا فقد بدأ البعض يتساءل حول ما إذا كان الرئيس تابو مبيكي على وشك تسجيل سابقة جديدة من هذه السوابق··· أي ما إذا كان سيضيف إلى سجلها تجربة ''البطة الكسيحة''؟ ''مبيكي'' ظل الشخصية السياسية الأكثر لمعاناً في جنوب أفريقيا منذ منتصف الولاية الرئاسية للرئيس السابق نيلسون مانديلا في أواخر عقد التسعينات، وإن 20 شهراً فحسب قد تبقت على نهاية ولايته الثانية التي تمتد لخمس سنوات أخيرة ونهائية، في منصبه الرئاسي الحالي، إلا أنه بدا ضعيفاً وعرضة للانتقادات فجأة· وكان آخر هذه الانتقادات وأشدها قد وجهت له في الأسبوع الماضي، على إثر اتخاذه قراراً مفاجئاً بإقالة ''نوزيزوي مادلالا-روتيلدج'' نائبة وزير الصحة، التي لمع نجمها عالمياً جراء تمكنها من تجاوز عجز الحكومة عن التصدي لأزمة الإيدز المتفشية في البلاد· وقد برر ''مبيكي'' قراره هذا بنعت ''مادلالا'' بعدم التعاون مع بقية أعضاء الفريق الحكومي· وعلى رغم التوقعات بأن يثير هذا القرار موجة سخط وانتقادات واسعة للرئيس ''مبيكي''، فإنه لم يكن في الحساب أن تثور الانتقادات حتى من جانب أقرب الأقربين للرئيس· فقد قام ''مؤتمر نقابات جنوب أفريقيا'' وهو التنظيم الشريك لحزب ''المؤتمر الوطني الأفريقي''، وهما التحالف السياسي الحاكم في البلاد حالياً، باتهام حكومة ''مبيكي'' بتسريحها لخيرة موظفيها وأكثرهم موهبة، مع الإبقاء على العناصر الميتة وغير المنتجة فيها دون مساءلة ولا مضايقة· والصحيح بالطبع هو أن يتم التخلص من هذه العناصر الميتة، فيما لو كانت الحكومة نفسها تعمل بجد واستقلالية، على حد قول ''زويلنزيما فافي''، رئيس ''مؤتمر نقابات جنوب أفريقيا''· ومن جانبه كان الحزب الشيوعي لجنوب أفريقيا، وهو شريك آخر في التحالف السياسي الحاكم، حاداً في الانتقادات التي وجهها إلى مبيكي: ''إن من رأينا أن هذا القرار يتطلب مراجعة شاملة لممارسة السلطات الحصرية للرئيس، فيما يتعلق بتعيين وإقالة المسؤولين· يذكر أن ''مادلالا'' تعد إحدى نجوم الحزب الصاعدة· غير أن المصاعب والتحديات التي يواجهها ''مبيكي''، تتجاوز كثيراً ردود الفعل الغاضبة هذه على إقالته لنائبة وزير الصحة· فمن المتوقع أن يعقد المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم اجتماعاً في شهر ديسمبر المقبل، بهدف انتخاب زعيم له· وعلى الرغم من أن السيد ''مبيكي'' لم يرد اسمه في قائمة المرشحين المعلنة حتى الآن، إلا أنه يظل مرشحاً قوياً غير مستبعد للاستمرار في منصبه الحالي في زعامة الحزب لدورة ثالثة، مدتها خمس سنوات· وفيما لو فاز بزعامة الحزب، فإنه سوف يسهل عليه جداً اختيار خلف له في المنصب الرئاسي، مما يمكنه من الاستمرار في السيطرة على اللعبة السياسية من وراء الكواليس في حال انتهاء فترة ولايته· غير أن مجموعة كبيرة من معارضيه في دوائر النقابيين و''اليسار'' السياسي، قد شرعوا في التحرك العملي لإحباط مخططاته هذه· وفي الوقت ذاته أبدت مجموعات أخرى، بما فيها بعض الأحزاب السياسية المنافسة مثل حزب ''التحالف الديمقراطي'' اليميني، وكذلك أعداء مبيكي الأيديولوجيون في مختلف المنظمات ''اليسارية'' الناشطة، سعادتها واستعدادها للتعاون في إحباط مخططات مبيكي هذه· ولعل هذه هي المرة الأولى التي يحيط فيها الخطر بما خطط له مبيكي· وفي الاتجاه نفسه كان الحزب الشيوعي، وهو من أقوى حلفاء ''المؤتمر الوطني الأفريقي'' الحاكم، قد طهر لجنته المركزية من الأعضاء الموالين لـ''مبيكي'' في شهر يوليو الماضي، بمن فيهم ثلاثة من الأعضاء الوزاريين في الحكومة· وفي الشهر نفسه، نظم مؤتمر نقابات جنوب أفريقيا، وهو الطرف الثالث في التحالف السياسي الحاكم، مظاهرة احتجاجية قوية، شارك فيها المعلمون وعمال البلديات· وعلى الرغم من أن الدوافع المعلنة لتلك المظاهرة هي النزاع بين الحكومة والمتظاهرين حول الأجور، فإنها كانت مدفوعة كذلك برغبة الاحتجاج على سياسات العمل والاقتصاد التي ينتهجها مبيكي· وقد كان من رأي بعض المحللين السياسيين أن إقالته للآنسة ''مادلالا'' الأسبوع الماضي، كانت محاولة منه للسيطرة على الموقف، خاصة أنه شكا من كونها شوكة في خاصرته على حد تعبيره· غير أن ما أكدت عليه الحكومة وأيده المحللون، أن برامج مكافحة الإيدز التي كانت تقودها ''مادلالا'' ستستمر كما هي دون أن يطرأ عليها أي تغيير· فالذي كانت تفعله نائبة وزير الصحة، لم يكن أكثر من تنفيذها لتوجيهات رؤسائها، بمن فيهم الرئيس ''مبيكي''· ولكن الذي أكده المحللون أيضاً، أن موجة الانتقادات الحادة التي يواجهها الرئيس حالياً، لم تكن لتخطر على البال مطلقاً قبل مدة وجيزة لا تزيد على العام ونصف العام فحسب· وخلال المدة نفسها، كان ''مبيكي'' قد تعرض لانتقادات على ما نسب إليه من تجاهل لحليفه في ''اليسار'' السياسي، إلا أنه حافظ على صورته رغم ذلك، بوصفه زعيماً سياسياً قوياً وحكيماً· وبالنتيجة لم يعد ''مبيكي'' ذلك القائد القوي الحصين الكلي النفوذ والجبروت الذي كان عليه في مطلع عام ،2000 على حد قول ''جوناثان فول''، الباحث السياسي بـ''معهد الديمقراطية'' في جنوب أفريقيا· ومضى ''فول'' إلى القول: إن مبيكي فقد الآن شعبيته سواء داخل حزبه الحاكم، ''المؤتمر الوطني الأفريقي''، أم في الحليفين الآخرين في حكومته· وعلى الرغم من أن هذه التطورات السياسية قد تتمخض عنها كارثة لـ''مبيكي''، فإنها ربما تكون دليل صحة وعافية للتجربة الديمقراطية الناشئة في جنوب أفريقيا· مراسل صحيفة نيويورك تايمز في جوهانسبرج ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©