السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن هنا وهناك و نحن وهم

عن هنا وهناك و نحن وهم
20 مارس 2008 02:59
بدأ في القاعات السينمائية بالمغرب عرض أحدث أفلام المخرج المغربي محمد إسماعيل ''وداعا أمهات'' الذي يتناول هجرة اليهود المغاربة نحو إسرائيل اعتمادا على وقائع تاريخية وقصص حقيقية· وتدور أحداث الفيلم في ستينيات القرن الماضي الفترة التي عرفت حركة نشطة لهجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل بمساعدة وكالات تهجير اليهود، حيث حاول الفيلم استحضار هذه الفترة وما كانت تتميز به من انسجام وتعايش بين المسلمين واليهود في المغرب، وكيف استغلت وكالات التهجير تدهور أوضاع تجارة اليهود وبعض الأحداث المعزولة ضدهم لاقناعهم بالهجرة إلى اسرائيل· رغم أن السينما المغربية سبق لها أن تطرقت لموضوع هجرة اليهود، إلا أن هذا الفيلم حقق سبقا من نوع خاص فهو الأول الذي يتناول موضوع الانسجام بين اليهود والمسلمين من منظور انساني· ويصف الفيلم اختلاف آراء اليهود المغاربة بخصوص الهجرة الى اسرائيل وإحساسهم بالحيرة تجاه رغبتين متنازعتين هما: البقاء في الوطن الأم أو الرحيل الذي يأخذ صفة الاجتثاث· سيرة عائلتين في هذا السياق تدور أحداث الفيلم من خلال علاقة عائلتين واحدة مسلمة والأخرى يهودية، كانتا تنعمان بحياة هادئة يطبعها التعايش والتفاهم، قبل أن تكثف وكالات تهجير اليهود إلى إسرائيل نشاطها، وتجمع العائلتان علاقة صداقة وشراكة تجارية قوية· فقد ورثا ابراهيم أب العائلة المسلمة وهنري أب العائلة اليهودية معملا عن والديهما، واحتفظا بصداقة متينة منذ مرحلة الطفولة، كما أن زوجتيهما فاطمة وروث مرتبطتان بعلاقة صداقة وتعملان معا في مكتب للتأمين· لم تنجح فاطمة في اسعاد ابراهيم بانجاب أطفال لأنها كانت تعاني من العقم، لكن الزوجين عوضا هذا الحرمان بعايدة وأفي ابني هنري وروث، ونظرا للظروف السياسية في المغرب والأحداث في العالم العربي خلال فترة الستينيات بدأ اليهود الذين كانوا يشكلون%10 من سكان المغرب يواجهون مشاكل في تجارتهم وممارسات غير مسبوقة ضدهم، فماما حنا أم روث تعرضت لاعتداء عند خروجها من المعبد اليهودي من طرف بعض الشبان المتهورين· وساعد هذا الحادث بنشتريت المكلف بتتبع عمليات تأطير وتهجير اليهود المغاربة، على اقناع الكثير بالرحيل عن المغرب· قصة مقبورة ولم يغفل الفيلم الجانب الرومانسي فقد تناول قصة حب ملتهبة بين شاب مسلم وفتاة يهودية ستقبر في بدايتها بواسطة والدين محافظين، فالمهدي ابن بنشقرون رجل الأعمال المتخصص في تصفية ممتلكات اليهود الراغبين في الهجرة، وقع في حب زميلته في المدرسة التقنية إليان ابنة شوشنا الأرملة اليهودية المتعصبة لتقاليدها وثقافتها، والتي دخلت في صراع مع ابنتها بعد أن علمت بعلاقتها بالمهدي، ورغم محاولات إليان إلا أن الأم كان لها موقف متصلب من هذه العلاقة· أما عائلة المهدي فلم تتدخل إلا حين علمت بنية ابنها الارتباط بحبيبته، فقد كانت نفيسة أم المهدي على علم بالعلاقة التي تجمع بين ابنها وإليان، لكن لما علمت بأن هذه الأخيرة حامل رفضت فكرة الارتباط بها بسبب الاختلاف بين الأديان· وأمام رفض الجميع لهذه العلاقة تدخل بنشريت للضغط على إليان بالرحيل الى اسرائيل وهجر الحبيب لأنها الطريقة الوحيدة للتخلص من هذا الحب الفاشل، ومن اجل تحقيق مراده يستعمل بنشتريت كل الوسائل لإقناعها بفكرة الرحيل· وتتطور الأحداث حيث تتوفى ماما حنا، ويتراجع الانتاج في معمل هنري وإبراهيم، وبفعل هذا الوضع ينجح بنشتريت في اقناع هنري بفكرة الرحيل الى إسرائيل وما يمكن أن يجنيه هناك من استقرار عائلي وأرباح مالية· لكن هنري يقرر الهجرة من دون أن يصطحب عائلته حيث أوصى صديقه إبراهيم بالعناية بها على أن تلتحق به بعد أن يهيىء لها الوضع هناك، لكن الأمور سارت عكس ما كان يتمنى ، حيث انتهت مغامرة ترحيل مئات المهاجرين بطرق غير قانونية الى اسرائيل بعد أن منعتهم السلطات المغربية من الرحيل، نهاية مأساوية وغرق المركب الذي يقلهم ولم ينج أي أحد منه· لم تتحمل روث زوجة هنري الصدمة فنقلت إلى المستشفى حيث اكتشف الأطباء اصابتها بمرض السرطان، واستسلمت لقدرها وطلبت من إبراهيم وفاطمة التكفل بابنيها، وهو ما قاما به، بإكمال الرسالة وتنفيذ الوصية بل إنهما حرصا على عدم اقتلاع جذور الطفلين والمحافظة على تقاليد وثقافة ودين أبويهما· لماذا هاجروا؟ تم تصوير فيلم ''وداعا أمهات'' بمدينتي الدار البيضاء وتطوان، واستغل المخرج محمد اسماعيل ما تتوفر عليه هاتان المدينتان من ديكورات خارجية وداخلية مازالت تنطق بالحياة وتعكس فترة الستينيات، ونجح في اختيار الديكورات والإكسسوارات بعد رحلة بحث وتدقيق استمرت ثلاث سنوات، جمع خلالها معلومات موثقة ونقل صفحة من تاريخ المغرب بطريقة علمية دقيقة، ولاضفاء مزيد من المصداقية على الشخصيات اليهودية في الفيلم استعان المخرج بأسماء لها تجربة في الميدان فاستدعى بمجموعة من النجوم المعروفين من خارج المغرب مثل مارك صامويل وكريستيان درييو وراشيل أوث، وأما الممثلين المغاربة المشاركين في الفيلم فكان من بينهم رشيد الوالي وسعاد حميدو ونزهة الركراكي وأحمد العلوي وأمينة رشيد· وحرصت مؤلفة الفيلم رين دنان وهي يهودية مغربية على اظهار الوضعية ''الاستثنائية'' لليهود في المجتمع المغربي مقارنة مع باقي المجتمعات العربية، فأشارت الى التسامح والتعايش بين المسلمين والنصارى واليهود في المغرب والعلاقات القوية التي ربطتهم منذ قرون· وقد ساهم ظهور عدد من الأفلام المغربية التي تناولت موضوع اليهود المغاربة في الفترة الأخيرة، في اثارة الجدل حول سر هذا الاهتمام الكبير بفئة غير مؤثرة في المجتمع المغربي، وتحدث النقاد عن موجة جديدة تجتاح السينما المغربية كما سبق وأن فعلت أفلام الاعتقال السياسي والهجرة السرية، وحذروا من تأثير موجة أفلام هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل على السينما المغربية ونظرة المشاهد لقضية نشأة اسرائيل حيث أن طريقة المعالجة الدرامية لهذه الأعمال وتكثيف انتاجها سيخلق نوعا من التعاطف مع المهاجرين· دفاع عن الموضوع لكن مخرجي هذه النوعية من الأفلام مثل ''في ماشي يا موشي'' و''ماروك'' وأخيرا ''وداعا أمهات'' دافعوا عن أعمالهم وعن فكرة توظيفهم قضية هجرة اليهود لادانة اسرائيل وشبكات التهجير، واعتبروا أن أعمالهم استرجاع لأحداث مهمة في تاريخ المغرب، ومحاولة لفضح الدور الذي لعبته المنظمات الدولية في تهجير اليهود إلى إسرائيل، وكشف زيف ادعاء الصهانية بأنهم أنشأوا دولة لتوفير الأمن والسلام لليهود بينما نجد أن هذه الفئة كانت تنعم بالأمن والاستقرار وكافة حقوق المواطنة وتمارس جميع شعائرها الدينية ببلدانها ''الأصلية''· وكشف مخرج ''وداعا أمهات'' أنه ذهب الى أبعد من ذلك وحاول الاجابة عن سؤال: ما الذي جعل اليهود المغاربة يبدلون بلدًا كالمغرب يوفر لهم الحماية والحرية الاقتصادية والحرية الدينية ببلد آخر قام على عذابات وآلام الآخرين· وينظر المغاربة لهذه القضية بحساسية بالغة فما الذي كان بمقدورهم فعله لمنع هجرة هؤلاء الى اسرائيل أكثر من منحهم جميع الحقوق المدنية والسياسية، ويزيد من شعور المغاربة بالذنب وصول هؤلاء المهاجرين الى مراكز قيادية في دولة ترتب كل يوم جرائم فظيعة ضد الفلسطينيين، مثل عمير بيريتس نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، وشلومو بن عامي وزير الأمن الداخلي ووزير الخارجية، ودافيد ليفي وزير الخارجية، وآزولاي سالمون أحد مؤسسي حركة ''نيطير الصهيونية''، وأهارون أبو حصيرة وزير الأديان في حكومة مناحيم بيغن· ووجد المخرج محمد اسماعيل من خلال المعلومات الميدانية التي استقاها قبل تصوير الفيلم أن هذه الهجرة لم تأت نتيجة اضطهاد اجتماعي أو إكراهات دينية فاليهود كانوا منصهرين داخل المجتمع المغربي وأتيحت لهم فرصة التعلم وتولي المناصب المهمة أكثر من المسلمين وكانوا أداة فاعلة في الاقتصاد المغربي، واعترف أن الإكراه الوحيد الذي كان يعترضهم هو انه كان يتم رفض الزواج بين اليهود والمسلمين من قبل الطرفين معا· وقال المخرج الذي حظي بتكريم خاص في مهرجان ''السينما والهجرة''، أن الفيلم يحمل قيمة تاريخية وسياسية واجتماعية كبيرة، وأكد أن ما تكتسيه هذه الفترة من أهمية ومن غنى على مستوى الأحداث، حفزه لإنجاز هذا العمل، موضحا أنه ركز بشكل كبير على فترة الستينيات التي تعرف بـ ''السنوات السوداء لهجرة اليهود'' والمتميزة بنوع من الصعوبة لكونها تمثل الدفعة الأولى لبداية الهجرة السرية لليهود المغاربة· وأشار إلى أن الفيلم تطلب الكثير من الجهد والوقت للتحضير والاعداد للسيناريو واختيار الأبطال والديكورات ومكان التصوير، واضاف ''قمنا باختيار دقيق للديكورات في مختلف المدن التي شهدت في الماضي كثافة سكانية يهودية مهمة، وهذا عامل يزيد من واقعية الفيلم، صورنا في بعض الأماكن التي تركها اليهود الذين هاجروا، ديكورات تنبض بالحياة وكأن سكانها لم يغادروها إلا أمس''· وأكد أن العديد من الدول الأوروبية أبدت رغبتها في مشاركة فيلم ''وداعا أمهات'' في المهرجانات الدولية حيث تمت برمجة مشاركته في أكثر من ثلاثة عشر مهرجانا دوليا، إلى جانب المهرجانات المغربية·
المصدر: الرباط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©