الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مكافحة المخدرات هزمت الحرب على الإرهاب!

مكافحة المخدرات هزمت الحرب على الإرهاب!
19 أغسطس 2007 02:00
كان الخشخاش أول ما لاحظه النقيب ''ليو دوشيرتي'' في الجيش البريطاني، لحظة وصوله إلى محافظة هلماند المضطربة في شهر أبريل ·2006 بل لاحظ ''دوشيرتي'' أن نبات الخشخاش ينمو مباشرة في مدخل القاعدة العسكرية الخاصة به· وبعد مضي أسبوعين على انتقاله إلى ضاحية سانجين النائية، سرعان ما أدرك دوشيرتي أن الخشخاش هو العمود الفقري لاقتصاد المنطقة، وأنه النشاط الذي يشارك فيه الجميع، من قاع السلم الاجتماعي وحتى قمة هرمه الممثلة في أعضاء الحكومة المحلية· وكما نعلم فالخشخاش هو النبات الذي يستخرج منه الأفيون والهيروين· وعليه فقد أدرك ''دوشيرتي'' أن الزحف العسكري نحو محافظة هلماند الشمالية، سوف يواجه بعقبات كبيرة، بسبب ما أشيع عن عزم القوات البريطانية على استئصال الخشخاش هناك· وسبق ذلك الانتشار قول الأهالي المحليين: إن حركة ''طالبان'' غبية عند تحذيرها لهم: ''هؤلاء جاءوا ليقضوا على مصدر رزقكم وحياتكم· ولذا فعلينا أن نحمل السلاح في وجههم ونقاتلهم''· وهكذا مضى الحال منذ نشر القوة العسكرية التابعة لحلف ''الناتو'' هناك، منذ ذلك اليوم· ورغم نشر 35 ألف عسكري من القوات التابعة لـ''الناتو'' حالياً في أفغانستان، فإن تجارة المخدرات واصلت نموها السريع دون توقف· ووفقاً لمعلومات مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، فقد ارتفع إنتاج أفغانستان من الأفيون في عام ،2006 بنسبة 57% مقارنة بعام ،2005 وهي زيادة مذهلة بكل المقاييس· ويتوقع للمكتب نفسه أن يصدر تقريراً في الشهر المقبل، يشير إلى زيادة جديدة في إنتاج المادة نفسها، بنسبة 15% خلال هذا العام، إلى جانب تضمينه الحقيقة المؤسفة القائلة: إن أفغانستان تنتج ما نسبته 95% من إجمالي الإنتاج العالمي من الأفيون· ولكي لا نقع في الوهم، فإن نجاح هذه التجارة غير المشروعة، ليس قاصراً على أفغانستان وحدها، بل هي تحقق نجاحاً ونمواً ملحوظين في كل من أميركا الجنوبية والشرق الأوسط وأفريقيا، إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية نفسها· والحقيقة أنه بعد مضي 36 عاماً على شن الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون الحرب على المخدرات، ونتيجة لبلوغ عائداتها مليارات الدولارات خلال العقود الثلاثة الماضية، فقد ازداد كثيراً عدد المتعاطين للمخدرات، بينما تضاعفت عائدات وأرباح تجارتها، وتكاثرت عصابات الجريمة المنظمة العاملة فيها أكثر من أي وقت مضى عالمياً· ووفقاً للإحصاءات المتخصصة في هذا الجانب، فقد بلغت عائدات الجماعات التي تنظم وتسيطر على إنتاج وتوزيع المخدرات، حوالي 400 مليار دولار سنوياً· وفي الوقت ذاته تستخدم منظمات إرهابية، مثل حركة ''طالبان''، هذه الأموال في توسيع هجماتها وعملياتها العسكرية، إلى جانب توظيفها لشراء الأسلحة المتطورة، بما يزيد من مخاطر تهديدها لأمن المجتمعات الغربية· وللحقيقة فقد كانت حرب المخدرات، أهم مصدر لتجنيد المقاتلين الجدد في صفوف حركة ''طالبان'' خلال العامين الأخيرين· وبالنتيجة فقد تمكن مقاتلو الحركة من تعزيز صفوفهم عن طريق الدعم الكبير الذي قدموه لأعداد لا تحصى من المزارعين الذين تعتمد حياتهم بشكل أو آخر على تجارة الأفيون، باعتبارها مصدر دخلهم الوحيد· وفي الوقت ذاته فقد اغتنت الحركة وأصبحت أشد قوة وخطراً، خاصة في شرق وجنوب البلاد· والمؤسف هنا هو أن الحرب على المخدرات، قد هزمت عملياً الحرب على الإرهاب! هذا وقد بدأت المشكلة أصلاً بتحريم المخدرات، وهو الأساس الذي قامت عليه الحرب المعلنة عليها· ويقوم هذا التحريم على نظرية ملخصها أنه فيما لو تمكنت من إيذاء منتجي ومستهلكي المخدرات أذى جسيماً، فإن ذلك سيرغمهم على الكف عن نشاطهم· لكن الذي يحدث عادة هو انتقال هذا النشاط إلى نطاق السرية تحت سطح الأرض· وبما أن الطلب على منتجات المخدرات ماض في ارتفاعه داخل الولايات المتحدة نفسها وفي دول الاتحاد الأوروبي وغيرها، فما من أحد يستطيع فرض السيطرة الأمنية على هذا النشاط السري· والحقيقة الأخرى هي أن التحريم يرفع من قيمة هذه المنتجات وأرباحها أضعافاً مضاعفة، بسبب المخاطر الكبيرة التي تتعرض لها حياة المتورطين في إنتاجها وتوزيعها على حد سواء· بل إن التحريم يزيد من حجم الطلب عليها أيضاً· كما ترتبط تجارة المخدرات بالعنف وتسبب الفقر والخوف والمأساة لحياة الكثيرين· وكنت قد جُبت العالم خلال السنوات الثلاث الماضية، في إطار إعدادي لكتاب عن الارتفاع المذهل للجريمة المنظمة منذ انهيار الاشتراكية وبروز العولمة· ورأيت خلال جولتي تلك، كيف شنت عصابة من عصابات الجريمة المنظمة، هجوماً شرساً على مدينة ''ساو باولو''، مما أدى لتوقف الحياة في المدينة كلها مدة ثلاثة أيام، بسب خوف سكانها من الخروج إلى الشوارع· كما رأيت البدو وهم ينقلون مئات الأرطال من الكوكايين على ظهور جمالهم عبر الحدود المشتركة بين مصر وإسرائيل· وفي الوقت ذاته، تحولت كل من جنوب أفريقيا ومنطقة غرب أفريقيا إلى إحدى أكبر محطات توزيع منتجات المخدرات عالمياً· وينطبق الأمر نفسه، وبدرجات متفاوتة على كل من كولومبيا والمكسيك والأورجواي والبرازيل والأرجنتين، مضافة إليها دولتا سيراليون وليبيريا تحديداً في غرب أفريقيا· ليس ذلك فحسب، بل إن كولومبيا تعد اليوم أكبر موطن لجماعات الجريمة المنظمة على النطاق العالمي بأسره· وبعدُ فإن السؤال الذي لا بد من إثارته هنا: هل من بديل للحرب المعلنة على المخدرات، خاصة أنها تهزم الجهود الغربية المبذولة في مكافحة الإرهاب في أفغانستان على وجه الخصوص؟ ليست الإجابة عن هذا السؤال بالسهلة مطلقاً· فعلى سبيل المثال، توصل ''مجلس سينسيل'' الناشط في دراسة قضايا المخدرات في أفغانستان، إلى أن سياسات مكافحة المخدرات هناك، قد تركز اهتمامها على استئصال الخشخاش، دون أن تقدم بديلاً تجارياً عملياً للأرباح الهائلة التي تدرها تجارة المخدرات· وهناك من دعا إلى تقنينها وفرض رقابة حكومية عليها، بينما تصر واشنطن على مواصلة الحرب عليها· كاتبة ومراسلة سابقة لهيئة بي بي سي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©