الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إشكاليات التراث المعنوي في الإمارات·· من الميدان إلى التدوين

إشكاليات التراث المعنوي في الإمارات·· من الميدان إلى التدوين
20 مارس 2008 02:31
حينما أوغل شخصياً في الذاكرة القريبة جداً وأعود بها إلى عام 1983 عندما بدأت خطواتي الأولى نحو الاهتمام بالأدب الشعبي، وقد بدأت في نظم قصيدتي المتواضعة وأشرفت على تحرير صفحات تعنى بالأدب الشعبي في مجلة وليدة في مدينتي (العين) وكان اسمها ''مجلة العين'' استشعرت إلى أي مدى يمثل الاقتراب من المجتمع حياة مختلفة جديدة للإنسان يتشكل من خلاله وعيه الذاتي· واستمر الاهتمام بالأدب الشعبي على الدقة من خلال إشرافي لاحقاً على صفحات الشعر الشعبي في مجلة ''زهرة الخليج'' وهي مستمرة إلى اليوم وقدمت من خلال الصفحات الكثير من الأسماء المبدعة من أبناء دولة الإمارات الذين عانى كثير منهم من التهميش الذي تعمدته بعض الصحف والمطبوعات· جاءت الخطوة الأخرى التي مثلت نقلة نوعية بالنسبة لي وهي بدء العمل بروح الفريق مع مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية حينما أطلق أحد أهم مشروعاته في مجال التراث وهو مشروع ''العادات والتقاليد المرتبطة بدورة الحياة ـ مرحلة الميلاد'' وتم ترشيحي من قبل المشرفة على البحث الدكتورة موزة غباش لأكون ضمن الجامعيات اللائي اشتغلن على جمع مادة المشروع الميدانية في مدينة العين وقد مررنا بفترة تدريبية من خلال المركز بدأنا بعدها العمل الذي استغرق أكثر من أربع سنوات لإنجازه بسبب حرب الخليج الثانية وتداعياتها التي عطلت الكثير من المشروعات الثقافية الكبرى وكان مشروع الإمارات من أكبر وأكثر الأعمال نجاحاً آنذاك· ثم توالت المشروعات التراثية التي طرحها مركز التراث الشعبي في دولة الإمارات وكان منها استكمال مشروع دورة الحياة بأجزائه الأخرى ''الزواج والوفاة''، وقد شاركت في مشروع الزواج لكنني لم أشارك في مشروع الوفاة الذي استكمله زملاء وزميلات وتم تسليمه والمشروعات الأخرى إلى مركز التراث الشعبي، ولكن بعد أن أغلق المركز حق لنا أن نتساءل أين ذهبت كل المشروعات البكر التي تم تنفيذها داخل مجتمع الإمارات الذي أعلمه وعملت عليه أنها موجودة حالياً في مخازن وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع وقد مر عليها الآن أكثر من 3 سنوات لم تمس ولم يعمل عليها أحد من الباحثين أو الكتاب في الدولة، والخوف أن تمر الأيام فتندثر تلك الأعمال كما يندثر الرواة من حولنا من دون أن يتم استغلال مخزونهم من تراث عريق يمثل مرحلة مهمة من مراحل تكوين وطننا الحبيب· زينة وأزياء المرأة استمر العمل مع مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية في مشروعات جديدة كان من أهمها مشروع زينة وأزياء المرأة في دولة الإمارات الذي عملت فيه مع زميلاتي السيدات فاطمة المغني التي تناولت جزئية الأزياء وآمنة إبراهيم التي عملت على الذهب والمجوهرات وياسمين سلطان التي اشتغلت على العطور والخلطات النسائية وتناولت معهن موضوع زينة الجسد واستمر العمل في المشروع لمدة عام وكان أول عمل يسند إلينا كمؤلفات· مركز زايد خلال تعاوني مع مركز التراث الشعبي كنت أعمل كذلك باحثة متعاونة ومشرفة على الدورات التدريبية الخاصة بالتراث من خلال مركز زايد للتراث والتاريخ، هذا المركز الرائد الذي قدم للثقافة الشعبية في الإمارات الكثير من الإنجازات من خلال الإصدارات المتخصصة في التراث وتدريب طلبة الجامعات على العمل الميداني وتعويدهم الكتابة في التراث بشقيه المادي واللامادي· وكان من أبرز الأعمال الميدانية التي تم تنفيذها من خلال مركز زايد للتراث والتاريخ معجم الألفاظ العامية لدولة الإمارات الذي سيصدر خلال أيام عن دار البارودي في بيروت، وكذلك ديوان الشاعرة موزة بنت جمعة الذي صدر في العام الماضي وديوان الشاعر الراحل خليفة بن مترف الذي صدر هذا العام 2008 عن لجنة الشعر التي أتشرف بعضويتها إلى جانب الدكتور راشد المزروعي وهو رئيس اللجنة والدكتور فالح حنظل والزميلة الشاعرة ميرة القاسم· الخراريف وإعادة التوظيف الخراريف عالم من المتعة والخيال وإعادة كتابتها وتوظيفها بشكل مختلف ورؤية جديدة تشكل عبئاً على الكاتب، ذلك أنه يسعى إلى أن تكون قريبة من ذهن الطفل من دون المساس بأحداث القصة الرئيسية كما تناقلتها أفواه الرواة، وقد نشرت لي خمس خراريف في ملحق ''دنيا'' بجريدة ''الاتحاد'' خلال شهر رمضان قبل عام، وما زلت مستمرة في الكتابة حول ذات الموضوع· والجدير بالذكر هنا أن بعض أبناء الإمارات قد اشتغلوا على الموضوع ذاته كأحمد راشد ثاني وعبد العزيز المسلم لكن لكل منهما رؤية خاصة من خلال تناول الخروفة· إشكاليات وعوائق كثيراً ما التقينا وفكرنا بصوت مرتفع وتبادلنا الآراء حول واقع الاهتمام بالتراث اللامادي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكثيراً توصلنا إلى توصيات لم تخرج من إطار الأوراق التي كتبت عليها أو الأدراج التي حفظت فيها ولا نعلم لماذا يتم تجاهل مثل تلك المقترحات التي تسعى في المقام الأول الى تكريس الدعوة لحماية موروثنا الثقافي ولعل من أبرز الإشكاليات التي تواجهها جهود الحفاظ على تراث الإمارات غياب التنسيق بين الجهات العاملة في المجال ذاته، وبالتالي ضياع الجهود وتشتتها، لأننا بإحصائية بسيطة نجد أن في كل إمارة من إمارات الدولة اليوم توجد هيئة ثقافية تضع في أولوياتها حفظ التراث وصونه فتبدأ العمل في معزل عن الجهات الأخرى في الوقت الذي نحتاج فيه إلى تضافر الجهود أو على الأقل التعاون بين هذه المؤسسات كي لا تتكرر المشروعات ولتستفيد كل جهة بما قدمته الجهة الأخرى· المناهج التعليمية غياب التراث عن المناهج التعليمية هو إحدى الإشكاليات الكبرى التي يعانيها التراث في الإمارات والخليج والدول العربية، اذ يغيب التراث عن قائمة المواد التعليمية التي يدرسها أبناؤنا في المدارس والجامعات باستثناء مساق واحد هو التراث الشعبي الذي يدرس في جامعة الإمارات العربية المتحدة أما في المناهج المدرسية الدنيا والمتوسطة والعليا فلا يوجد ما يشير الى تضمين التراث كمادة أساسية ضمن المناهج، ولذا فإن على وزارة التربية والتعليم أن تتنبه إلى هذا الأمر· مقترحات لتفعيل الجمع والتدوين هذه المقترحات من شأنها أن تساهم في تكريس الاهتمام بالتراث المعنوي في الدولة وأن تساعد وبشكل مباشر على حفظه للأجيال القادمة، وتتلخص المقترحات فيما يلي: استقطاب الكفاءات والخبرات في مجال الدراسات التراثية وتفريغها للعمل على المشروعات الكبرى التي تنفذها المؤسسات العاملة في مجال المحافظة على التراث، وهذه تعتبر مهمة وطنية لا بد من الاشتغال عليها واعتبار هؤلاء خبراء كل في مجاله يستطيعون التدريب والتأليف وتخريج أجيال من المشتغلين في هذا المجال· إنشاء أرشيف وطني أو مركز لتوثيق تراث دولة الإمارات الشعبي وتخصيص ندوات تواكب الإصدارات الحديثة التي ستصدر عن المركز· إصدار مجلة تعنى بالتراث لتعوض المهتمين والباحثين والدارسين بعد غياب مجلة المأثورات الشعبية التي كانت مرجعاً رئيسياً لكل باحث في التراث· تخصيص مقر يضم كل المهتمين بشؤون التراث يجتمعون فيه ويتدارسون أوضاعهم ويتبادلون الخبرات ويطالعون نتاجاتهم من الكتب أو القصائد أو الأبحاث ويتداولون ما يتعلق بالتراث والدراسات الإنسانية من مستجدات بالشكل الذي يعزز روح التواصل بينهم، واقترح أن ينشأ مقر يسمى ''بيت التراثيين'' أو ''ملتقى أهل التراث'' ويكون مقره إحدى مدن الدولة التي تفتقر للنشاط الثقافي كمدينة العين مثلاً الزاخرة بالآثار والغزيرة بالمعرفة والنابضة بالهدوء والطبيعة الخلابة وهو اقتراح أضعه أمام المعنيين في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث· يجب على الجهات المعنية بالاشتغال على التراث مادياً كان أمر غير مادي أن تتجه الى عقد شراكات مع وزارة التربية والتعليم بهدف تضمين مواد من التراث في المناهج الدراسية وذلك بهدف تقريب الثقافة العامة للطلبة وتكريسها في عقولهم· أعتقد أن الوقت قد حان لتلتفت الجامعات الى التراث وتستفيد من غزارته وأصالته وتسعى الى تشجيع الباحثين للاستمرار في التنقيب عنه من خلال فتح المجال أمامهم للدراسات العليا في الموروث والفولكلور الشعبي· وضع استراتيجية خاصة باحتواء بعض الشباب والشابات العاطلين عن العمل والذين يحملون شهادات علمية ليتم تدريبهم تدريباً مكثفاً ويستفاد منهم كجامعيين ميدانيين بما يحقق الفائدة للطرفين، ويمكن تحقيق النجاح الكبير من هذا الاقتراح بعد أن يصبح لدى كل مؤسسة تعنى بالتراث فريق جمع خاص بها تستفيد منه في جمع المادة الخاصة بالمشروعات التي تطرحها للجمع ميدانياً· وبما أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي إحدى الدول التي تزخر بوجود العديد من الباحثين في مجال التراث فأقترح في هذا الشأن تخصيص جائزة علمية سنوية تمنح لأفضل دراسة في التراث ويتم تكريم الفائزين في حفل توزيع جوائز دولة الإمارات التقديرية· نحن نفتقد لببلوغرافيا تجمع شتات المشتغلين في الأدب من شعراء ورواة وجامعيين وباحثين ومؤلفين في معجم خاص بهم وهذا اقتراح حضاري حبذا لو رأى النور ويضاف إليه قائمة بالإصدارات الخاصة بكل باحث· تكرار الندوات العلمية وورش العمل التي تعنى بالتراث الشعبي ليتم من خلالها تقييم التجارب وتنمية وسائل الجمع الميداني والاهتمام بها بما يساير التطور التكنولوجي وثورة المعلومات وتشجيع الباحثين مادياً ومعنوياً لإنجاز دراساتهم والسعي إلى تكوين جيل من المتخصصين في هذا المجال وبرعاية من الجهات الرسمية في الدولة مع تسهيل مهمة الوصول إلى المعلومات· الانفتاح والتعاون مع وسائل الإعلام المختلفة العاملة في الدولة بهدف تنمية الوعي بأهمية التراث ونشر ثقافته بكافة جوانبه ضمن الخطط البرامجية لكل قناة على حدة· تكريم الباحثين الذين أمضوا سنوات من أعمارهم في الجمع والتأليف والإشراف على المشروعات التي تعنى بالتراث وكذلك طباعة ما ينتجونه من أبحاث كتشجيع لهم بخاصة الذين قضوا العمر يجتهدون اجتهادات فردية أصبحت اليوم مراجع للمشتغلين في التراث أسوة باحتفالية يوم الراوي التي تنظمها دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة على أن يكون التكريم المقترح شاملاً الباحثين والخبراء من أبناء الإمارات في أرجاء الدولة كافة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©