الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التسوية بين بناء الدولة الفلسطينية والتفاوض حول السلام

التسوية بين بناء الدولة الفلسطينية والتفاوض حول السلام
18 أغسطس 2007 04:45
قال الكاتب الإنجليزي ''صامويل جونسون'' ذات يوم: ''عندما يعلم شخص أنه سيُشنق بعد أسبوعين، فإن فكرة الشنق تستحوذ على عقله وتشغل باله للأبد''· بهذا المعنى، يمكن القول: إن الأحداث التي شهدتها المنطقة مؤخراً، وهي انتصار حركة ''حماس'' في قطاع غزة، وانهيار ''فتح'' السريع هناك، أثارت جهوداً دبلوماسية حثيثة وهزت إسرائيل والولايات المتحدة ودولاً عربية، لا سيما القلقة من تزايد النفوذ الإيراني· ومن أجل قياس مدى جدية كل هذا الحديث الجديد حول مفاوضات السلام، وحول الوجهة التي يمكن أن تأخذها، يبدو من المهم استحضار وتذكر منفذ عملية الشنق دائماً· فحسب ''مارتن إنديك''، الذي كان مسؤولاً في إدارة كلينتون وسفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، فثمة ''تحالف خوف'' جديد يتيح إمكانية إحراز التقدم إذ يقول: ''لا يمكن للأطراف أن تحرز تقدماً إلا حينما يكون لديها شعور بالطابع الاستعجالي والملح للتوصل إلى اتفاق''، مضيفاً ''وإلا، فإن الحاجة إلى الصمود السياسي هي التي تتغلب على جهود التقدم باتجاه السلام''· وهكذا، قررت الولايات المتحدة أخيراً، بعد سبع سنوات من العنف والإرهاب والجمود والأحادية، التدخل من جديد، فدعت رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى التفاوض حول السلام· والحقيقة أن أولمرت وعباس ضعيفان سياسياً، غير أن كليهما في حاجة إلى إنجاز ما· وعلاوة على ذلك، فإن المناخ الحالي مختلف تماماً عما كان عليه الحال قبل سبع سنوات· اللافت أن الولايات المتحدة وإسرائيل تتصرفان اليوم كما لو أنهما وضعتا ''حماس'' في المكان الذي تريدانه، وكما لو أن ثمار الهزيمة أحلى من ثمار الانتصار، وهما اللتان حاولتا إضعافها وشهدتا سيطرتها على قطاع غزة· إذ تسعيان، عبر احتضان حكومة لا تشارك فيها ''حماس'' في الضفة الغربية برئاسة خبير اقتصادي مستقل هو سلام فياض الذي عينه محمود عباس المنتمي لحركة ''فتح''، إلى جعل الضفة الغربية نموذجاً· يجادل المسؤولون الإسرائيليون والدبلوماسيون الأميركيون بأن ثمة تعقيدات خطيرة ظهرت خلال الآونة الأخيرة تتمثل في حقيقة أن ''حماس'' فازت بأغلبية تشريعية، وأن فياض لا يتوفر على تفويض، وأنه لا يوجد برلمان يعمل أو إشراف ديمقراطي· ولكن هؤلاء المسؤولين باتوا يدركون أن المهدَّد هو مستقبل حل الدولتين، أي مستقبل توافق ترابي متفاوضٍ بشأنه بين الإسرائيليين والفلسطينيين بخصوص قطعة الأرض نفسها· غير أن ما يلقي بظلاله على هذا الموضوع بطبيعة الحال هي تداعيات العراق والتحدي الإقليمي الأوسع نطاقاً متمثلاً في سعي إيران الشيعية وراء الأسلحة النووية ودعمها لأكثر الحركات معارضة لاتفاق دائم: ''حماس'' و''الجهاد الإسلامي'' في الأراضي الفلسطينيـــة المحتلـــة، و''حزب اللــه'' في جنـوب لبنان· وفي هذا الإطار، يقول مسؤول أميركي: إن إدارة بوش باتت تفهم أخيراً، على ما يبدو، أنه لا يوجد وضع حالي دائم· بل يبدو أن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس باتت تدرك، مثلما عبر عن ذلك وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق شلومو بن عامي، أنه ''إذا كان ثمة شيء مهم في الشرق الأوسط، فهو المشكلة الفلسطينية، وليس ''الحرب على الإرهاب''، أو العراق، أو الحاجة إلى الديمقراطية في العالم العربي''· إلا أنه وخلافاً للرئيس بيل كلينتون، الذي لم يحصل فريقه، أو لم يكن لديه الوقت للحصول، على الدعم العربي لياسر عرفات في كامب ديفيد ،2000 فيبدو أن الرئيس بوش يتوفر على دعم السعودية القلقة من إيران، وهو ما سيمثل مظلة لعباس وفياض· ولكن من أجل ماذا بالضبط؟ هنا يحذر ''إنديك''، بمؤسسة بروكينجز متأملاً في دروس ''كامب ديفيد''، قائلاً: ''إذا اختارت رايس الوضع النهائي، فإنها ستبذل أقصى ما يمكنها أن تبذله''· والحال أن إسرائيل لا تثق في عباس بما يكفي أو في انسحاب مجتمع فلسطيني منقسم من أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وذلك خشية فوضى على شاكلة ما شهدته غزة وتساقط قذائف على مطار بن جوريون· وحسب ''إنديك''، فإن المطلوب هو عملية متوازية ومتزامنة لبناء الدولة الفلسطينية والتفاوض حول اتفاق سلام، حتى لا يذهب ما تبقى من فترة بوش الرئاسية سدى· وهنا، يمكن لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير ورايس أن يعملا معاً، بحيث يساعد بلير الفلسطينيين على بناء مؤسسات الدولة في حين تدفع رايس الجانبين إلى الاتفاق على شكل السلام المنشود· اللافت أن ''رايس'' تتحدث بحذر حول المفاوضات بشأن مبادئ تسوية نهائية، وليس التسوية النهائية في حد ذاتها، التي ستنفذ على مدى سنوات عدة، على أنه يمكن وضع بعض هذه المبادئ في نص -وليس اتفاقية سلام- يدعمه مؤتمر دولي تستضيفه ''رايس'' في نوفمبر المقبل ربما· وحسب المسؤولين الأميركيين، فمن السيناريوهات الممكنة اتفاقٌ يقبل بموجبه الإسرائيليون والفلسطينيون حدود 1967 مع تعديلات ومقايضة أراض تَمنح الدولة الفلسطينية الجديدة قطاع غزة ونسبة من المساحة الحالية للضفة الغربية المحتلة -ربما 97 في المئة، مثلما اقترح كلينتون؛ أو100 في المئة ربما، مثلما تريد الجامعة العربية، ومثلما ألمح إلى ذلك الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز· ويمكن للطرفين أن يناقشا تفاصيل المقايضة الترابية وكيفية تطبيقها لاحقاً، غير أن المبدأ سيكون قد تأسس وتم تبنيه من قبل الغرب والجامعة العربية، مما سيجعل من إمكانية رفضــه من قبل ''حماس'' أمراً صعباً· بيد أن أصعب الموضوعات كانت وما تزال هي الموضوعات ذات البعد الديني، والعاطفي: القدس، والحرم القدسي الشريف، واللاجئون· تتصارع الأحزاب والفصائل في إسرائيل والأراضي الفلسطينية منذ الآن حول المقاربة التي ينبغي تبنيها تجاه المبادرة الأميركية الجديدة· والحقيقة أنها مبادرة جاءت في وقت متأخر من فترة بوش الرئاسية، غير أن ما قد يكسبها النجاح هو طابعها المتواضع، وذلك في ظل ما يبدو أنه إدراك من جانب ''رايس'' لصعوبة تحقيق تسوية شاملة· مراسل نيويورك تايمز في القدس ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©