الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثقافة كاتم الصوت !

16 أغسطس 2007 02:33
قبيل اغتياله بساعات قليلة قال الصحفي الصومالي الكندي علي شاماركي لوكالة ''أسوشيتد برس'' إن جريمة اغتيال ''زمياه مهاد العلمي'' أخرست الأصوات الصحفية الحُرة التي تنقل معاناة الصوماليين وعذاباتهم في مقديشو إلى الصوماليين في الخارج، وإلى العالم أجمع· وكأنه بذلك كان يعلم أنه شخصياً سيكون هو الضحية التالية اللاحقة بزميله الذي سارع وجمهرة من الصحفيين الصوماليين إلى مواراة جثمانه في مسقط رأسه ذلك الصباح· ففي طريق العودة إلى مقديشو تعرض موكب المُعزِّين إلى هجوم غادر بقنبلة مترصِّدة مزقت سيارته وجسده وأصابت اثنين من الصحفيين الذين كانوا معه بجراح· كان علي شاماركي قد رحل من الصومال إلى كندا عقب اندلاع نيران الحروب القبلية التي دمرت بنيان الجمهورية الصومالية وشرَّدت ملايين الصوماليين إلى مختلف بقاع الأرض· وفي كندا استقر وأسرته وكان ضمن القليل من اللاجئين ممن حققوا نجاحاً في حياتهم العملية في بلاد يصعب فيها على ''القادمين الجدد'' مهما تميزوا بالكفاءة العلمية، أن يشقوا طريقهم في مجتمعهم الجديد· في أواخر التسعينات عندما لاحت بعض مظاهر الانفراج في الصومال قرر شاماركي، واثنان من زملائه، أن يعودوا إلى وطنهم الأول، وأن يؤسسوا أول إذاعة مستقلة في مقديشو· وهكذا أصبح ''راديو القرن الأفريقي'' هو النافذة التي يتعرف فيها العالم على حقائق الأحوال في ذلك البلد المعزول والمنكوب، الذي أصبحت حالته مضرب الأمثال ودخلت مفردة ''الصوْملة'' قاموس اللغة السياسية، وأصبح يعبَّر بها عن اضمحلال الدولة وانهيارها وتفتتها إلى ''دويلات'' ليس في البلد الواسع فقط، وإنما في المدينة الواحدة أيضاً· وكان قراراً لا يحتاج فقط إلى قدر عالٍ من الإحساس والالتزام الوطني، ولكن أيضاً إلى شجاعة ذاتية يندر وجودها في هذا الزمان· وكان كذلك قراراً أعطى ثماره، فقد منح اتحاد الصحافة الكندية الراحل ورفاقه في إذاعة القرن الأفريقي أرفع شهاداته التقديرية في حفل أقيم في مدينة تورونتو، قُلِّدوا فيه ''جائزة حرية التعبير'' رفيعة المعنى والمستوى· وبعيداً عن مشاعر الحزن والأسى التي تثيرها جرائم الاغتيال البشعة التي راح ضحيتها الأسبوع الماضي الصحفيان الصوماليان الكنديان، يبقى سؤال مُحيِّر يعجز العقل السوي عن إيجاد إجابة له، كلما تقدمت نشرات الأخبار -وما أكثر ذلك- حادثة اغتيال أو نسف صحفي أو دار صحفية أو إذاعة في الصومال أو العراق أو فلسطين أو غيرها من بلدان عالمنا المنكوب··· ما الذي يتصوره هؤلاء الوحوش الذين يدبِّرون وينفِّذون جرائم اغتيال حملة القلم؟ وما هي دوافعهم؟ لقد أثبتت كل تجارب التاريخ القديم والحديث أن الاغتيال السياسي لم يحقق لمرتكبيه أية نتيجة، ولم يمنع الصوت المغتال من أن يتردد صداه عبر عشرات الأصوات من بعده، ما دامت هنالك قضية جدية -حملها ودافع عنها صاحب الصوت أو القلم المغتال· أم هي يا ترى تلك النزعة الظلامية المتأصِّلة التي تكره حمَلة مشاعل الضوء كرهاً بلا حدود، يبلغ درجة الجنون وحب فعل القتل في حد ذاته؟! في كل عام وحسب تقارير اتحاد الصحفيين الدولي ومنظمة ''صحفيون بلا حدود'' يرتفع عدد الضحايا حتى بلغت أعداد الصحفيين والإعلاميين الذين راحوا ضحايا العنف المجنون إلى مئات عدة في العقد الأخير· ومع ذلك فإن البحث عن الحقيقة وإيصالها إلى عامة الناس -وهي المهمة الأولى للصحفي- لم يتوقف· فالحقيقة مهما حاول البعض إخفاءها عن الناس لابد أن تظهر ذات يوم، ما دام هنالك من هو مستعد للتضحية بسلامته بل بحياته من أجل إبرازها· وستبقى سيَر هؤلاء مستمرة يتداولها البشر ويتعرفون فيها على أجمل وأبدع ما يميز الإنسان المُحب للحق والعدل· أما مخططو ومرتكبو تلك الجرائم البشعة فلن يرِد ذكرهم في التاريخ إلا مصحوباً باللعنات·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©