الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لماذا يكره سُنة العراق أميركا وإيران؟

لماذا يكره سُنة العراق أميركا وإيران؟
14 أغسطس 2007 02:10
استغرق الاجتماع الأمني التفصيلي الأول بين إيران والولايات المتحدة على الأرض العراقية في المنطقة الخضراء المحصنة ساعات، وهذا يعني أن هناك ما يتم الاتفاق عليه· غريب جداً أمر هذا التاريخ، فواشنطن وطهران هما أشد أعداء العراق منذ أمد بعيد· وإذا كان هناك إيرانيون يحكمون العراق الآن، ولا يعجبهم هذا الكلام فالتاريخ لا يقبل التزوير· حارب العراق جيشاً وشعباً إيران مدة ثماني سنوات، وحاصرت الولايات المتحدة العراق منذ عقود، وكبدته أفدح الخسائر· فما الذي جمع الأميركيين والإيرانيين في بغداد؟! هو بالطبع غباء الديكتاتور السابق صدام حسين، وغباء جورج بوش الذي احتل العراق ليمنحه هدية للإيرانيين، يتحكمون بحكومته وعمليته السياسية، ويوجهون ويشجعون على كل المفاسد والمذابح التي تقع فيه، ثم ليصنع دولة خاصة لـ''القاعدة''، بعد أفغانستان·· تقيم بها وتتحصن· يغطي الاجتماع والتنسيق وتبادل المصلحة بين الجانبين وهماً كبيراً جداً وخادعاً، ومضللاً في آن· إنه أسطورة وأكذوبة الحرب على تنظيم ''القاعدة''، وكأن كارهي أميركا وإيران معها، هم فقط أتباع تنظيم ''القاعدة''، هذا كذب سافر·· فـ''القاعدة'' هي أقل الجهات كرهاً للولايات المتحدة· وفي عمق الشعور فإن كارهي إيران هم السواد الأعظم من شعوب الأمة الإسلامية من الطائفة السُنية، وهم بالمجمل يشكلون نحو 92 في المائة من المسلمين (عدد المسلمين 1600 مليون نسمة منهم 40 مليوناً من الشيعة في إيران و12 مليوناً في العراق·· وبضعة ملايين في لبنان وباكستان وبلدان الخليج والهند)· في العراق نجد أن السلوك الخاطئ والتقديرات الخاطئة للأميركيين، بالإضافة إلى طبيعة المعارضة العراقية التي تربت وترعرعت في حضن إيران، والمزاج النفسي خلال الحرب التي جرى فيها احتلال العراق، حيث شاءت الدول العربية لعجزها عن التدخل أن تأخذ الجانب السلبي الساكن بعيداً عن أي تدخل· كل ذلك ساهم في وقوع العراق في القبضة الإيرانية، ثم ترسخ المفهوم الطائفي بزرع نظام المحاصصة في مجلس الحكم، وروّج القادة التابعون لإيران عند الأميركيين كل المثالب والمساوئ عن الجيش العراقي حتى أقنعوهم بحله، ونفس الشيء بخصوص حزب ''البعث''، وهو في النهاية حزب وطني عربي، يؤمن بهوية بلده، وإن كان الطاغي على ممارساته وسلوكه، هو الدموية والعنف، وهو أمر ينال عليه (البعث) شهادة الابتدائية، فيما يمكن لـ''المعتدلين الليبراليين'' من حكام العراق الجدد، أن يحصلوا على شهادة الدكتوراه، بمرتبة (الشرف) في تخصصات الظلم والتعسف، والنبذ والتمييز والعزل الطائفي، وقوعاً في الخطأ الذي أوصل العراق إلى الحضيض، حتى إنه عندما يتم الاحتفال بفوز فريقه لكرة القدم، ينزل الناس ببعضهم البعض تقتيلاً في الشوارع!· المهم أنه تم الترويج لأن غالبية العراق من الشيعة، من دون أن يعني ذلك أن يتم الاستحواذ على المراكز والأعمال والأشغال في الدولة الجديدة، إلى حد جعل نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، يشكو في أحد الدواوين التي استضافته في الكويت من أن بعض الوزارات أصبحت مقفلة ممنوعة لا يوجد بها سني واحد! بعد هذا مطلوب منا أن نشيد بحكمة النظام الجديد في المنطقة الخضراء! الآن يريد الأميركيون ومعهم الإيرانيون، عقد صفقة انطلاقاً من هذه الحقيقة على الأرض· حيث يستحوذ حلفاء إيران في العراق، على كل شيء، وهم من أزالوا نصباً لخوذ الجنود الإيرانيين القتلى في الحرب العراقية- الإيرانية من العاصمة، وحطموا تمثال هارون الرشيد الذي كانت إيران وحتى حدود الصين ولاية من ولايات عاصمته بغداد· بوش سيخرج من الرئاسة بفضيحة تجعل حفيده، ممنوعاً من ممارسة السياسة بعد الوحل الذي غرق فيه بالعراق، والذي صارت معه ذكريات فيتنام مجرد شيء بسيط، وإيران تريد عقد صفقة مع الولايات المتحدة، تنقذها من احتمال التورط في حرب ضد منشآتها النووية، بينما حجم حشدها الأيديولوجي على مدار ثلاثة عقود، يحول دون أن تنحو منحى ليبيا في التفاهم والانسجام! حلفاء أميركا في المنطقة لم يستطيعوا خداع أنفسهم والآخرين، بتقبل ما زرعه الاحتلال من بذور الفتنة الطائفية والحرب الأهلية في العراق، ولم يستوعب هؤلاء الحلفاء الأفق الضيق، المعاق نفسياً، والذي يظلم جماهير السُنة في العراق، ويجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، بتحميلهم وزر نظام صدام حسين، مع أن حزب ''البعث''، كان شيعي البنية والتأسيس والبناء في العراق، ومع أن النظام السابق كان له أعمدته الشيعية البارزة المعروفة· الفوضى الداخلية إذن ستستمر، مدعومة بإحساس الخارج المترفع عن مهازل التمييز والمظالم في العراق، فصدام باعتباره (أقسى) الحكام على الشيعة، كما يراد منا أن نؤمن ونقتنع، لم يعدم أحداً لأن اسمه علياً أو حسيناً! بينما الإعدامات في العراق الجديد على قدم وساق، وأتت في العام الماضي على ستمائة (600) شخص، كان جل ذنبهم أنهم تشرفوا بحمل اسم فاتح القدس التي اشترت إيران في العام 1986 الأسلحة من دولة اليهود مغتصبتها· زعيم فتوحات العراق وفارس، وما بعدهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الفاروق عمر بن الخطاب، والد أم المؤمنين الطاهرة المطهرة حفصة رضي الله الله عنها· 600 مائة قتلوا لأن اسمهم عمر فقط، مما جعل الأمر يستفز شيعياً قيادياً عاقلاً، يعرف دينه وربه ووطنه، هو الأستاذ المفكر حسن العلوي، فقدم رائعة خاصة، كتاباً أسماه عمر والتشيع ! الأميركيون تعرضوا لكراهية شديدة بسبب دعمهم لإسرائيل، وهم يقرون بهذا ضمناً وعلانية، بمحاولتهم التمثيلية كل مرة دفع مسيرة الحل السلمي، من أجل الضحك على الناس، وإفهامهم أن أميركا تنشد العدل والسلام، بينما الواقع أن الطغمة الحاكمة في واشنطن تزاود حتى على اليهود في أميركا في دعم العقلية العنصرية التي تحكم إسرائيل· والحقد على أميركا بسبب إسرائيل، لا يقارن بمقدار الحقد الذي يتجمع لتسليمها العراق إلى إيران، وتغليبها طرفاً على طرف هناك دون أي اعتبار لمفهوم الدولة الوطنية العلمانية التي كانت مأمولة، وغالبية الشعب العراقي العظمى من العرب الأقحاح الأصيلين· والحقد يتزايد بالمعدل ذاته على إيران نفسها، التي لا يجب أن تنخدع قيادتها لأن بعضاً من الفلسطينيين مؤمنون برسالتها العالمية والدينية، لأنها تمول أو تسلح ''حماس''، فلو وجدت ''حماس'' دعماً عربياً ولو تفاوضت معها الولايات المتحدة، لما رأيتم خالد مشعل يوماً في طهران· فحكام العراق الذين يرتكبون الفظائع الطائفية، مدعومون من إيران ويلقون منها التشجيع، ولن يستقر العراق إلا بالعدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه، والخضوع للمعادلة الانتخابية في بلدان التنوع الطائفي لا يعني إنهاء وجود من كان له حصة الأقلية، وجميعنا يعلم أن انتخابات العراق جرت في الجنوب تحت حراب الميليشيات وفي الوسط والشمال والغرب حيث (الأقلية) السنية! تحت حراب الدبابات الأميركية التي تطارد فلول ''القاعدة''! لقد كان العراق نظيفاً من الطائفية، ونظيفاً من ''القاعدة''، وها هو يغرق بالتمييز الطائفي التافه، ويحاكم أهل السُنة فيه بوصفهم أحفاد قتلة الحسين، بينما الذين قتلوا الحسين وعمر بن الخطاب وسواهم يلطمون عليهم أو يسبونهم، وكان العراق بلداً على الأقل تصل الكهرباء لكل بيوته، فصارت الأنوار مقصورة على المنطقة الخضراء والسفارتين البريطانية والأميركية! الحرب والدمار لن ينتهيا من العراق، ولن تغسل محيطات الدنيا أميركا مما فعلته فيه، إن هي أعطت العراق رسمياً لإيران، بعدما أعطته فعلاً وعلى الأرض لعملاء إيران·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©