الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

"السيد بروكس".. فيلم يحلل نوازع الذات البشرية

"السيد بروكس".. فيلم يحلل نوازع الذات البشرية
13 أغسطس 2007 03:19
تقول العبارة الواردة على ملصق فيلم ''السيد بروكس'': الرجل الذي يملك كل شيء، يخفي كل شيء· هذه العبارة تشكل عتبة مناسبة للدخول في أجواء هذا الفيلم المتميز بطابع خاص، لا يمكن أن تعثر عليه في أي فيلم آخر قد يتناول ذات القصة وذات الأجواء القاتمة· ففيلم ''السيد بروكس'' يبدو والحال هذه وكأنه يوازن بصريا وموضوعيا بين الفيلم الجماهيري وبين الفيلم النخبوي بميوله الفنية الخالصة، ذلك أنه يشتغل في اتجاهين مضادين ولكنه في ذات الوقت يعمل على كسر حدة هذا التناقض من خلال استقطاب النجوم الكبار في هوليوود والزج بهم في فيلم له طابع تحليلي ومهموم بالكشف عن غموض النفس البشرية· هذا الغموض الذي عالجته أفلام كثيرة باستسهال واضح أو بمبالغة أشد غموضا، لم يجد في هذا الفيلم سوى المعالجة الهادئة والسلسة التي لم تنجذب لأجواء الرعب والفزع في قصص تتعلق بالقتلة المتسلسلين، ولم تنحن لشرط الإثارة والتشويق الملتصق بأفلام الجريمة والمطاردات البوليسية· الشيطان الأنيق واضح أن مخرج فيلم ''السيد بروكس'' قد استغل نجومه كيفن كوستنر وديمي مور ووليم هيرت في تقديم سينما داكنة ولكن بظلال متحركة وإضاءات متناوبة تتيح للمشاهد التعاطف مع الشخصيات رغم تورطها في جرائم دموية وتصفيات جسدية· فبطل الفيلم ''إيرل بروكس'' الذي يجسده كوستنر يملك تبريرات دينية لأفعاله· فالقتلى يستحقون الموت لأن غيابهم سيخفف المعاناة عن القريبين منهم· ومصيرهم الدامي هذا شبيه بالعقوبة الإلهية المنصفة لهم· بينما ديمي مور التي تقوم بدور ''تريسي أتوود'' المحققة بجهاز الشرطة، فإنها تعاني من طليقها الذي يحاول استغلالها ماديا· كما أنها تعاني من النظرة الدونية من والدها الثري الذي يستخف من كونها أنثى ضعيفة لا تستطيع أن تدير ثروته الطائلة، فتنضم لجهاز الشرطة كي تشعر بنوع من الاستقلالية وإثبات الذات وسط مجتمع وحشي وكائنات بشرية أقل ما يقال عنها أنها كائنات مسكونة بالجشع والعنف وإقصاء الآخرين لإشباع رغباتهم الشخصية ومطامعهم الشرهة· وحتى الشيطان الداخلي أو القرين المرافق للسيد ''بروكس'' والذي جسده الممثل القدير وليام هيرت فقد ظهر بملامح إنسانية صرفة ومحايدة، وكأنه الوحش المسالم المعفي من شروط أفلام الرعب ذات المنحى البشع والصادم والمقزز· قد يذكرنا هذا القرين بالشيطان ''مفيستو'' الذي يرد ذكره في رواية ''فاوست'' للشاعر الألماني ''غوته''· ففي الرواية يبيع الطبيب فاوست روحه للشيطان، ولكن بطل فيلم ''بروكس'' رجل أعمال سعيد وميسور ومحبوب من عائلته وأصدقائه، ولكنه مصاب بحالة خفية من الفصام النفسي والشيزوفرنيا التي يستغلها الشيطان ''مارشال''، فيعيده إلى ساحة القتل والتلذذ بتصفية العشاق وهم على فراش الحب، وذلك بعد فترة توقف عن القتل المتسلسل دامت سنتين حاول خلالها السيد بروكس أن يهجر هوايته المدمرة بالانضمام إلى وسائل العلاج الجماعي التي تأخذ بيد المدمنين واليائسين من حياتهم· القاتل الخفي يبدأ الفيلم في اللحظة التي يتم فيها تكريم ''السيد بروكس'' كرجل العام في الحقل الاقتصادي والاجتماعي· فهو يدير وبنجاح شركته المتميزة في مجال التغليف، ويعيش مع زوجته ''إيما'' - تقوم بدورها مارج هيلجينبيرجر- بتناغم عاطفي لا يشوبه شيء· ولكن السيد بروكس يعيش أيضا في الجانب المظلم من شخصيته ويتحول دون وعي واضح منه إلى قاتل محترف ذي بصمة مميزة في جرائمه· فهو يختار ضحاياه بعد تجميع معلومات كافية عنهم وينفذ جرائمه بخفة بالغة بحيث لا يترك وراءه أي أثر يذكر· ومن هنا فإنه يثير فضول المحققة تريسي التي تحاول حل لغز هذا القاتل الذكي واللامرئي· في النصف الثاني من الفيلم تدفع الظروف بالسيد بروكس إلى خلق دوافع وتبريرات داخلية مقنعة لعمليات القتل، حيث تتحول التصفية الجسدية هنا إلى فعل تطهيري وإلى مهمة مقدسة - في ملمح سردي يذكرنا بفيلم ''سبعة'' للمخرج ديفيد فينشر - فهو يقتل السيد سميث الذي يكشف إحدى جرائمه ويحاول ابتزازه من خلال شرط غريب وهو أن يشترك سميث في الجريمة القادمة للسيد بروكس· وعندما تقتحم ابنته الغائبة حياته ويكتشف أنها هجرت الدراسة الجامعية بسبب جريمة قتل ترتكبها في سكن الطلبة، يشعر أن التهم الموجهة ضد ابنته سوف تختفي لو قام بجريمة قتل مشابهة بحيث تلصق التهمة بقاتل مجهول ما زال يقيم في السكن الجامعي· الخطاب اللاهوتي هذه التبريرات والدوافع تضع السيد بروكس في موقع الدفاع الديني واللاهوتي عن جرائمه· ذلك أن الضحايا والحال هذه سيكون غيابهم سببا لسعادة الآخرين وتخليصهم من مآسيهم وأوضاعهم الحياتية والنفسية المؤلمة· هذا القتل التطهيري يتحول في النهاية إلى نوع من العلاج والخلاص الذاتي، يجسده الذوبان في خطاب مقدس أو دعاء روحاني يتلوه السيد بروكس في نهاية الفيلم قبل أن يخلد إلى النوم بضمير صاف ومتصالح وخالٍ من شوائب الماضي· عموما فإن فيلم ''السيد بروكس'' ينتمي لتيار الفيلم الأسود، الذي راج لفترة طويلة في السينما الأوروبية والفرنسية تحديدا، ورغم أنه فيلم يدور في أجواء واقعية، وتتشكل أحداثه على خلفية الضواحي الحديثة· إلا أنه فيلم يمارس نوعا من الحفر البصري والتحليلي في الذات البشرية ونوازعها المتأرجحة بين الخير والشر والممتدة إلى جذر الوجود الإنساني منذ القدم ومنذ بدء الخليقة، فبين البراءة والوحشية يقبع تاريخ هائل من سوء الفهم، ومن التفاسير المبهمة للوجود البشري وتاريخ الأديان وعلم الأخلاق·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©