الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفغانستان.. ورطة لا تحلها بنادق التحالف

أفغانستان.. ورطة لا تحلها بنادق التحالف
13 أغسطس 2007 02:04
في طريق سريع شمال العاصمة الأفغانية كابول، صوّب أحد الجنود الأميركيين نحوي ماسورة بندقيته الآلية عبر نافذة سيارة ''همفي'' المصفحة التي كان يستقلها في الشهر الماضي· وفي ذلك الجزء الصغير جداً من الثانية التي التقت فيها أنظارنا معاً، خطرت لي فكرة أن من شأن كل شيء أن يشكل مصدر تهديد أمنيٍّ لكل من يحمل السلاح· وعلى رغم أدائي للخدمة العسكرية سابقاً في أفغانستان، بصفتي ضابطاً في فرقة المشاة خلال الفترة 2001-،2002 ثم في العراق عام ،2003 إلا أن هذه كانت المرة الأولى لي التي أجد فيها نفسي تحت تهديد بندقية أميركية، وهو ما لن أنساه طوال عمري· والأهم من ذلك أنه ليس بالشيء الذي يسهل على المواطنين الأفغان نسيانه أيضاً· ففي مثل هذا السلوك المعتمد في الأساس على طغيان التكتيكات العسكرية على عملنا هناك، ما ينبه المرء إلى الطريقة التي ننفر بها الشعب الأفغاني الذي لم نأت لبلاده إلا لتقديم يد العون له، بينما نرمي به فـي ذات الوقت في خانة العدو الذي جئنا لنهزمه· وإن صحت رؤيتي وتقديري، فإن الهدف الرئيسي من حربنا للمتمردين ليس هو قتل كل فرد من أفراد التمرد، لكون هذا مستحيلاً أصلاً، بقدر ما هو إقناع المواطنين بالتخلي عن الأهداف التي يرمي إليها المتمردون· وربما كانت القوانين التي تعمل بموجبها هذه الحملات مقلوبة رأساً على عقب من وجهة النظر العسكرية التقليدية: فالمال فيها أكثر أهمية من الرصاص والبنادق، وحماية قواتنا ينجم عنها تقويض المهمة التي ذهبنا من أجلها إلى أفغانستان، والإفراط في إطلاق النيران والرصاص، لا يأتي إلا بنتائج عكسية، في حين لا يجلب لنا الفوز بالمعارك العسكرية سوى العدم· وكم كان ذلك التهديد الذي تعرضت له من قبل الجندي الأميركي الذي أشرت إليه آنفاً، مثيراً للسخرية، لكوني سبقت ذلك الجندي إلى أفغانستان في عام ،2001 وما ذهبت إلى هناك إلا لكي أدرس ذات المبادئ في أكاديمية مكافحة التمرد الأفغانية· ولتحري الدقة، فقد كانت تلك الأكاديمية تسمية خاطئة لمجموعة الخيام والأكواخ المقامة في ذلك الجزء المترب من جنوب أفغانستان، حيث تجمع بضع عشرات من ضباط الجيش والشرطة الأفغانيين، إلى جانب عدد آخر من ضباط حلف ''الناتو''، وزملائهم الضباط الأميركيين، وتمكنوا من التعايش والدراسة معاً لمدة أسبوع كامل· وكانت تلك الأكاديمية تبذل ما يتجاوز مجرد دراسة نظرية وتكتيكات مكافحة قوات ''طالبان''، الهادفة إلى تقويض حكومة الرئيس حامد قرضاي، واستعادة الحركة إلى سدة الحكم مجدداً في كابول· كما كانت تلك الدراسة فرصة عظيمة ونادرة لاجتماع عدد من ضباط الجيش وموظفي الغوث الإنساني وبعض الأكاديميين والدبلوماسيين، من أفغانستان والسبع وثلاثين دولة من الدول المشاركة في قوة المساعدة الأمنية الدولية التابعة لحلف ''الناتو'' هناك· ولا يزال الغرض من نشر هذه القوة الدولية هو تحقيق الازدهار والاستقرار والحكم الرشيد في ذلك البلد الذي طالما مزقته الحروب· أما المقرر الذي اعتمدته تلك الدراسة، فقد كان أساسه عقيدة مكافحة التمرد، التي طورتها كل من وحدات البحرية والجيش الأميركيين، على أن تدور موضوعات الدراسة حول أربعة محاور لحربنا ضد ''طالبان''· وقد كان واضحاً لجميع المشاركين في تلك الدورة التدريبية العسكرية، أنه لا سبيل لتحقيق أي فوز في معاركنا الجارية في أفغانستان، من دون تعلم كل محور من تلك المحاور الأربعة· وأول هذه المحاور أن من الواجب ألا تطلق أفضل ما لدى قواتنا من أسلحة وبنادق نيرانها بقدر الإمكان· ويقوم هذا المبدأ على ضرورة أن تبتكر قواتنا من الحلول والوسائل غير العسكرية ما هو كفيل بحل المصاعب العسكرية التي تواجهها· ويقيناً أن في وسع الأرصدة المالية المخصصة لبرامج إعادة البناء، أن تشكل ميدان الحرب بقدر ما تشكله القنابل· فعلى إثر إنفاقها لما يزيد على 14 مليار دولار منذ عام ،2001 تكلفت أميركا بمبلغ إضافي تبلغ قيمته 10 مليارات أخرى، على أن تخصص نسبة 80 في المئة منه للأغراض الأمنية· ويرتبط المحور الثاني بالمبدأ الأول الذي بيناه، إذ يقوم على فكرة: كلما أفرطت في حماية قواتك كلما كنت أقل أمناً وسلامة· ولكي تكون لهذه القوات فعاليتها ودورها، فإن من واجب عمال الغوث الإنساني والدبلوماسيين أن يشقوا طريقهم إلى المواطنين الأفغان· غير أن كل الأميركيين الذين رأيتهم في كابول تقريباً، إما اكتفى الواحد منهم بالاختباء وراء الأسوار الشاهقة، أو فضل السباق السريع الجنوني في شوارع العاصمة متنقلاً بالناقلات والعربات المصفحة، بدلاً من الاختلاط والدخول في المواطنين· وعلى رغم الهواجس الأمنية التي تفسر هذا السلوك، إلا أن من الواجب القول: إن أفغانستان ليست كالعراق· فما أكثر الأبراج الزجاجية التجارية التي تعج بها العاصمة كابول، بينما يستطيع السياح الأجانب التنقل بقدر كبير من الأمن والسلام في أجزاء واسعة من البلاد· والمؤسف أن هذه العزلة طالت طاقم بعثتنا الدبلوماسية أيضاً هناك· وفيما أذكر، كنت قد دعوت أحد أفراد تلك البعثة، إثر تقديمه لمحاضرة في الأكاديمية، إلى جولة مشينا فيها إلى جبل قريب من المكان الذي قدمت فيه المحاضرة، بغرض استكشاف الآثار المتبقية من قصر قديم كان هناك· ولدهشتي فقد علمت من ذلك الدبلوماسي أن تلك هي المرة الأولى التي يخرج فيها في جولة كهذه، على الرغم من أن ذلك اليوم، كان هو الأخير في مدة بعثته التي استمرت هناك لعام كامل! وبالمنطق ذاته نصل إلى العامل الثالث المرتبط بالمحورين السابقين، ألا وهو أنك كلما أفرطت في استخدام القوة، كلما ضعفت قدرتك وفعاليتك في تحقيق الأهداف التي جئت من أجلها· والدليل أن تصاعد العمل العسكري لم يسفر إلا عن المزيد من زعزعة الأمن وتأليب حركة طالبان وحليفها تنظيم القاعدة ضد الوجود الأجنبي في البلاد· ثم نصل أخيراً إلى الدرس الأخير من هذه الدروس، الذي نلخصه في أن إحراز النصر العسكري التكتيكي في الفراغ، لن يسفر عن شيء إيجابي البتة· ومن هنا فقد أعدنا تعريف مفهوم ''إحراز النصر'' في أفغانستان، على أن يكون محوره الرئيسي هو قبول الشعب الأفغاني بشرعية حكومتهم وأن يكفوا عن تقديم الدعم النشط أو السلبي للتمرد المناهض لها· ضابط سابق بسلاح البحرية الأميركية وزميل حالي بـ مركز الأمن الأميركي الجديد ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©