الحنين...
بالنسبة لي ليست كلمة عابرة أكتبها في لحظات جنوني بين رفوف قصائدي التي تحمل الوجع والألم، بل تتخطى معاني هذه الكلمة كل المسافات بداخلي، بل وصل الأمر بي أن طيفها المخملي يخترق كل مساحات عقلي وقلبي، تارة يرسم جرحاً، تارة يضمد ذات الجرح، لكن الأثر باق، وهذا ما لا طاقة لي أن أتحمله كإنسان ضائع تائه في فوضى الحياة. ربما أتحمله شاعراً وكاتباً، فكلماتي وحروفي تساعدني كي أتخطى أثر جرح الحنين، لكن بعد معاناة معه أو له يبدأ بالبكاء وينتهي بالصراخ، وكم هي الصرخات التي تصدر عن الإنسان، فأقساها التي تصدر من القلب ولا يسمعها أحد سوى من يحمل أثقال الحنين.
الحنين إلى الحبيبة.. إلى الصديقة.. إلى من هاجر منذ زمن.. إلى من عشت معه في طفولتك.. إلى الصديق الذي جلس معك على ذات المقعد الدراسي لسنوات.. إلى الأقرباء الذين رحلوا إلى أفق الغربة.
![]() |
|
![]() |
ما أقصده هنا من خلال هذا النص أن أقول، إن لكلمة الحنين تأثيراً سحرياً لمن يفهم معانيه الحقيقية، فهو داء ودواء. إنه بحر هائج ما إن أبحر الإنسان فيه أخرج من أعماقه ذكريات بقدر ما تحمل الجمال والنعومة واللحظات السعيدة، لكنها لن ترتدي ثياب الحاضر، فالأيام لا تعود، وقبل سنين كنت طفلاً، ومن ثم شاباً مراهقاً يتخبط بين همسات تلك الذكريات بصورتها الحقيقية، أما اليوم فلقد كبرت ولم أعد ذاك الطفل والشاب المراهق، بل حملني الزمن إلى متاعب الحياة لكن يمكن أن يعيش الإنسان فصولها بمجرد أن يتذكرها مع ذات الأشخاص، فالمسافات تختفي ولا صوت يعلو سوى هدير ناعم من الحروف والكلمات تتناقلها أروقة «فيسبوك» في نهايات الليل، فتصدح الضحكات أحياناً، وينقلب الحدث من بعده إلى صمت وهدوء، فتقف الكلمات عن الرقص، وتعود الحروف إلى ثكناتها، وتبقى الكاميرا هي الناقل الحصري لمشاهد الواقفين أمامها، وهذا مؤلم وقاس، فالصورة عبارة عن رسم مصنوع من خلايا التكنولوجيا. هنا أرى أناملي تبحر على الشاشة كي ألمس وجوه من أحبهم ومن قضيت معهم أجمل أوقات حياتي، في الطرف الآخر أرى دموعاً تتساقط أرى. كم هو الحنين قاسٍ حتى وإن تكلمت وحاورت ورأيت من أحبهم ويحبونني، فلا حل لهذه الحالة سوى أن تسرد الحقيقة سطورها في يوم من الأيام فيصنع اللقاء من جديد.
![]() |
|
![]() |
إيفان زيباري