الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الشيوعيون القدامى زعماء الرأسمالية في فيتنام

الشيوعيون القدامى زعماء الرأسمالية في فيتنام
11 أغسطس 2007 00:43
هذه بلاد تنتج كائنات نفاثة·· هذا ما يؤكده ''دانج دوان'' الذي انقلب من دكتور في الاقتصاد الموجّه إلى منظّر للحقبة الجديدة في فيتنام، مستخدماً ذلك التعبير المثير ''التخريب الخلاّق''، أي لابد من تخريب أجزاء كثيرة من الماضي من أجل صناعة مستقبل للفيتناميين، ولا مانع من انتقال العدوى الصينية إليهم، بشكل أو بآخر، ما دامت حدودهم مع التنين تبلغ 1281 كيلومتراً· الكل ينقلب·· العسكري الذي أصبح مصرفياً بارزاً، والعامل الذي تحوّل إلى رجل أعمال يدير مؤسسة تضم مئات العاملين·· لكن المهم أنه ليست قواعد اللعبة وحدها هي التي تتغير·· بل قواعد الحياة أيضاً·· هذه هي الحياة في فيتنام حاليا·· ومن خلال التقرير التالي يمكن استعراض مجمل التغيرات التي طرأت على فيتنام خلال السنوات القليلة الماضية· في البداية لابد من طرح سؤال مهم، وهو ''تغيير قواعد اللعبة أم تغيير قواعد الحياة؟''، خاصة عندما ترى عضواً في الحزب الشيوعي يمتلك مصرفاً في فيتنام·· فهل أصبحت الشيوعية رأسمالية إلى هذا الحد؟ و''دانج دوان'' الذي حاز دكتوراه في الاقتصاد من ألمانيا الشرقية عام ،1967 كان يفترض أن يعمل على تسويق النظرية الماركسية على أنها تمضي بنا إلى اليوتوبيا، وهو الذي عمل مستشاراً لأكثر من رئيس وزراء، لكنه الآن يمثل نظرة مثيرة تجسّد المفارقة والافتراق· يقول ''دانج دوان بـ ''التخريب الخلاّق'' لكل تلك البنى الايديولوجية الهرمة، والخاملة، من أجل إطلاق مفهوم جديد للإنتاج كما للعدالة·· يضحك، وهو يقول لك ''كمَنْ يحاول أن يستنسخ نعجة فإذا به يحصل على بقرة''، ليضيف أنه زار الولايات المتحدة، بالإضافة إلى بلدان أوروبية، لكي يحيط أكثر بمفهوم المبادرة، وكذلك بمفهوم المبادرة الفردية، فقد أثبتت التجارب أنه ليس بالإمكان تذويب الفرد في الجماعة إلا في أثناء الحرب· في السلم يتشكل ذلك الكائن الآخر الذي يحلم بأن يقيم جمهوريته، أو مملكته الخاصة· الزلزال الاقتصادي ''دانج دوان'' عاش الحالة الفيتنامية بحذافيرها، ويشرح لك كيف أن الفلاحين هم الذين وقفوا وراء ذلك الزلزال الاقتصادي الذي تشهده البلاد، بل والذي قلب الدنيا رأساً على عقب، فبعد الخروج الأميركي، أعطي الفلاحون 5 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة، على أن يتولوا، جماعياً، زراعة بقية الأراضي· الذي حصل هو أنّ الفلاحين راحوا يزرعون أراضيهم بالخضار، دون أن يزرعوا الأرز، وهو المحصول الاقتصادي الرئيسي في الـ95 في المئة المتبقية· والنتيجة موت ذلك المحصول الحيوي·· وكان هناك إجراء آخر نُزعت الملكية، والزراعة الجماعية معاً، واعتُمد أسلوب تأجير الأراضي واستثمارها، وقيل لهم ''أنتجوا'' وراحوا ينتجون، وهنا راحت الأسر تستهلك مخزونها من تلك المادة، مما أدى إلى انهيار الأسعار· ما يودّ ''دانج دوان'' أن يخلص إليه أنّ الاحتكار، ومهما كان نوعه، يقتل المبادرة، ويقود إلى الإفلاس، فالمنافسة ضرورية، ولكن مع شبكة أمان اجتماعية تقدمها الدولة· بالطبع، هذه عملية معقدة بالنسبة إلى مجتمع أمضى عقوداً في ظل مفاهيم ايديولوجية محددة بل ومقفلة ولكن، لا مجال للصدمات المخملية لأنها قد تؤدي إلى تراكم المشكلات· الصدمات الكهربائية أكثر جدوى، ولقد آتت مفاعيلها، ولكن بعد جهود شاقة ساهم فيها ''دانج'' الذي قال إنّ إقناع زعيم الحزب ''تريونغ شينه'' آنذاك بتغيير نظرته للعملية الاقتصادية كان أشبه ما يكون بمحاولة إقناع صخرة بأن تطير· ولكن مع التغييرات التي حدثت في القيادة، ولقد لعب التلفزيون دوراً حيوياً في هذا المجال، بدأ الحزب الشيوعي يضحك· يضحك بكل معنى الكلمة· إلى حد كبير، تراجع الوجه الخشبي للماركسية· كومة قش بارعون في الحرب·· بارعون في السلم·· فيما مضى وصلتهم من الصين العدوى الايديولوجية·· لم يكن ''هو شي منه'' يشبه ''ماو تسي تونغ'' في أشياء كثيرة· كانا يتشابهان في الشيوعية فقط على أنها الخلاص لأمم أنهكها الاستعمار الأجنبي، لكن الزعيم الفيتنامي لم يكن حفيد سلالات امبراطورية هائلة، كما الزعيم الصيني· ولطالما قيل إنّ الفيتنامي يحمل على ظهره كمّية من القش، فيما الصيني يحمل على ظهره··· التنين· لكن عدوى التنين تصل الآن إلى فيتنام فمعدل النمو السنوي 7 في المئة، ويمكن أن تتحوّل إلى نمر آسيوي آخر، فالذين هزموا الأميركيين في تلك الحرب التي كانت تتساقط فيها القاذفات العملاقة ''بي ـ ''52 بصورة شبه يومية، يمكن أن يهزموا التخلف· هذا الذي يحدث الآن· إذا سألت فيتنامياً عن الموارد الطبيعية الأساسية في بلاده، للتو، يشير إلى رأسه ليٌفهِمك إنها الإرادة· الإرادة الفولاذية· لا، بل الإرادة الالكترونية الآن، ففي هذا الزمن لم يعد يكفي إنتاج الأرز، أو القطن، أو الخضار· الأولوية للثورة الالكترونية، مع التركيز اللافت على الإفادة من التجربة الصينية في الإنتاج· تنين صغير؟ أجل، وإن كان الفيتنامي يقول انه لا يقلد أحداً· لقد وُجِدَ لكي يعرف كيف يعيش مع الأخذ بجاذبية الغرب· ولهذا تستطيع الآن أن ترى عاملاً أو عسكرياً سابقاً في الفيتكونغ أو في الجيش وقد تحوّل إلى مصرفي أو إلى رجل أعمال· يسأل أحد الخبراء الأميركيين حقاً، كيف يستطيع المرء هنا تغيير هيكله العظمي؟ لكن هذا الذي حدث أو يحدث فعلاً، فنموذج ''نغوين روك فينه'' الذي واجه الغزو الصيني لبلاده في عام ،1982 وأُسِرَ في الجبهة، هو الآن في الثامنة والأربعين يبدو رجلاً مختلفاً لا أثر فيه لوحول، ولا لحرائق، الحرب· إنه رئيس مجلس إدارة مدير عام مصرف خاص برأسمال 100 مليون دولار، ويدير محفظة مالية تصل إلى مليار دولار· ''أورينت برس'' 36 مصرفاً خاصاً يوجد حالياً في فيتنام 36 مصرفاً خاصاً، والتشريعات الجديدة تتلاءم مع آليات الانفتاح، والدولة لا تملك سوى 4 في المئة من الاسهم من دون أن تؤثر في الحرية المصرفية، وإذ تتدفق حوالات من المهاجرين إلى الولايات المتحدة، فإن الرغبة القديمة في الادخار لا تزال موجودة، وهذا ما يستفيد منه ''المغامرون'' الذين درسوا في الغرب وأطلعوا على تجربته في المجال الرأسمالي، فنفذوا مشاريعهم في ظروف سهلة، معتمدين، بشكل خاص، على أفكارهم· الأفكار هناك هي رأسمال أساسي· المستقبل غرباً أقل كمية ممكنة من السياسة، أكبر كمية ممكنة من الاقتصاد·· هذه هي الفلسفة الراهنة الآن في فيتنام التي تبلغ مساحتها 331114 كيلومتراً مربعاً ويناهز عدد سكانها الـ 88 مليوناً··· و''الحلم الأميركي'' تعبير يُستخدم الآن، ورجل الأعمال يفاخر بأن أولاده يتابعون تحصيلهم في ''المدرسة الأميركية''· لم تعد صور الجنرال ''جباب'' معلقة في المنازل، وإن كان هناك احترام عميق للماضي، لكن القناعة العامة الآن أنّ المستقبل غرباً! قطار العولمة لحقت فيتنام مؤخرا بقطار العولمة بعد الصين العضو في منظمة التجارة العالمية·· والفيتكونغ أو المقاتلون ضد الاحتلال الأميركي الذي انتهى منذ نحو أربعة وثلاثين عاماً، أصبحوا يحبون الأميركيين، وهناك الكثيرون منهم الذين هاجروا، في أوقات سابقة، إلى الولايات المتحدة، ودرسوا في الجامعات ليصبحوا من أبرز العلماء والخبراء في المجالات التكنولوجية· حتى ذكريات الحرب تتلاشى· على ضفاف الميكونغ، تم تجفيف المستنقعات، من أجل إقامة منتجعات· يحتاجون إلى خبرة في هذا المجال· لكن رائحة الهوت دوغ تنبعث من أمكنة كثيرة· ثمة ملصقات أيضاً لـ''جنيفر لوبيز''، موسيقى البوب كانت تصدح في الشوارع ليلة رأس السنة· ماذا يقول ''هو شي منه'' وهو في قبره؟ اسمه يعني ''الذي يمنح النور''·· كانت لذلك الرجل البسيط، والفذ، عبارة شهيرة ''السعادة هي المستقبل''· تغيرات هانوي هانوي تغيّرت كثيراً· كان بالإمكان أن تقطعها خلال ساعتين على متن دراجة هوائية· مدينة كئيبة، دكاكين شبه مقفلة، مصابيح شاحبة· الآن، أصبحت ترسانة للدراجات النارية، وهي تشهد، يومياً، اختناقات مرورية حادة، ولكن مع انتشار محدود للسيارات الفارهة· عدد محدود جداً من سيارات الليموزين· لا بد من هزّة سيكولوجية، وهي آتية لا ريب، انطلاقاً من قنينة البيبسي كولا، على الأقل، وكان الفيتنامي ينظر إليها وكأنه ينظر إلى قاذفة القنابل· الفيتنامي لم يبق في مكانه القديم· تستطيع أن ترى الحبور على وجوه الكثيرين· هذا لم يكن موجوداً قط في السابق حيث كان التقشف ''الاستراتيجي'' يشمل الفرح أيضاً· حفلات الزفاف كانت تجري في أجواء ''ايديولوجية''· وبدلاً من أن يهدي العاشق المرأة التي يحبها، زهرة، كان يهديها خاتماً مصنوعاً من حطام طائرة أميركية· نموذج آخر ''نغوين شيه لينه'' الذي كان، في عام ،1990 مجرّد عامل في مصنع لقطع تبديل السيارات، هذا حين كان التيار الكهربائي يسمح بذلك· إنه الآن في الرابعة والأربعين، لكنه يمتلك مئة في المئة مصنعاً للأدوات الكهربائية يضم 500 عامل وبقيمة أعمال تصل إلى 20 مليون دولار· هذان النموذجان ليسا فقط ''بطلين'' من أبطال الحقبة الجديدة التي لا تلتفت إلى الزمن الآخر، بل إنهما ''جنرالان'' بين آلاف ''الجنرالات'' الذين يقودون العملية الرأسمالية في البلاد· الآن شكل آخر للمعارك· من الصعب أن يبدو الفيتنامي المتقشف، تاريخياً، بمظهر رجل الأعمال الأميركي أو الأوروبي، أو الياباني، لكنه شيئاً فشيئاً يطوّر ذلك المظهر· بدأت ربطات العنق تأتي من باريس· المسألة تحتاج إلى بعض الوقت، والموظفات الفيتناميات يرتدين الجينز، ويضعن أحمر الشفاه، لكنهن أكثر تحفظاً من جاراتهن الصينيات اللواتي يظهرن بالعدسات الزرقاء وبالشعر الأشقر، كما لو أننا أمام ''كوكو شانيل''، هي تقول إن التغيير، في أي مجتمع، يبدأ من المرأة·
المصدر: هانوي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©