السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دورة بكين الأولمبية.. الرهانات والتحديات

9 أغسطس 2007 04:31
خلال عام من الآن، ستشهد الصين الحفل الافتتاحي لدورة الألعاب الأولمبية التي ستقام في عاصمتها بكين في صيف ·2008 وسيكون هذا الأولمبياد الذي ستستمر فعالياته لأسبوعين، والذي ستثير ألعابه خيال العالم وتلهب شعوره، وخاصة أنه سيقام في تلك الدولة التي تتمتع بحضارة تعد من أقدم الحضارات وأعظمها في العالم، مفترقاً حيوياً على طريق تحول الصين إلى فاعل دولي رئيسي ومسؤول· كان من الأمور المألوفة تاريخياً أن يتم استغلال الألعاب الأولمبية لتحقيق أغراض سياسية كما فعل النظام النازي في دورة الألعاب الأولمبية في برلين عام ،1936 والنظام الشيوعي السوفييتي في دورة الألعاب الأولمبية في هلسنكي عام ،1952 اللتين تم استغلاهما بواسطة النظامين، على التوالي، للترويج لنفسيهما سياسياً واجتماعياً· في نفس الإطار كانت مقاطعة أميركا لأولمبياد موسكو ،1980 ورد الاتحاد السوفييتي عليها بمقاطعة أولمبياد لوس أنجلوس عام ،1984 محاولتين واضحتين لتحقيق أغراض سياسية· ولم تكن هاتان الحالتان شيئاً جديداً في هذا النطاق، حيث قاطعت كل من مصر والعراق ولبنان دورة الألعاب الأولمبية في ملبورن عام 1956 بسبب أزمة السويس، وتم حرمان ألمانيا من أولمبياد 1920 بسبب الأعمال التي ارتكبتها أثناء الحرب العالمية الأولى، كما تعرضت جنوب أفريقيا للحرمان من المشاركة في الألعاب الأولمبية عقاباً لها على سياسة التمييز العنصري التي كانت تتبعها ضد مواطنيها من السود· وهناك حالات أخرى مشابهة تم فيها استغلال الألعاب الأولمبية والرياضة عموماً لتحقيق أغراض سياسية· وتكتسب دورة الألعاب الأولمبية التي ستجري في بكين العام المقبل أهميتها من كونها الدورة الأولمبية الثالثة التي تقام في القارة الآسيوية منذ انطلاقها عام ·1896 ومن المعروف أن تقليد استخدام الرياضة كأداة دبلوماسية يعد من التقاليد التي تبرز في قارة آسيا تحديداً أكثر من القارات الأخرى· فقد استُغلت مباراة لتنس الطاولة بين فريقي الصين والولايات المتحدة لتحقيق التقارب بين الدولتين بعد سنوات طويلة من الجفاء، كما روجت الكوريتان للمصالحة والتسوية من خلال تشكيل فرق رياضية موحدة تمكن بعضها من إلحاق الهزيمة باليابان، مما اعتبر بمثابة نوع من التعويض أو الانتقام من الاعتداءات التي اقترفتها اليابان ضد الدولتين تاريخياً· وعندما تستضيف الصين، الذي تعد أكثر دول العالم اكتظاظاً بالسكان، الألعاب الأولمبية، فإن الأمر يتعدى نطاق الرياضة· فالصين ستحاول استغلال هذه المناسبة لاستعراض التقدم الاقتصادي السريع الذي حققته، ودرجة الرخاء التي وصلت إليها· وهو نفس ما فعلته كوريا الجنوبية في الدورة التي أقيمت في عاصمتها ''سيئول'' عام ·1988 يذكر أن الصين قد بذلت جهوداً ضخمة في إطار التحضير لهذه الدورة، حيث أنشأت مطاراً جديداً وأزالت حياً من الأحياء القديمة لإقامة منشآت رياضية مكانه، علاوة على أنها أنجزت التحضيرات المناسبة لمنع مليون سيارة من دخول المدينة أثناء الدورة· كما زرعت 200 مليون شجرة جديدة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو· وكما ساهمت دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في طوكيو في وضع سطر النهاية في سجل اليابان الحربي، فإن دورة الألعاب الأولمبية التي ستقام في بكين ستساهم هي الأخرى في وضع سطر النهاية في تاريخ الصين باعتبارها رجل آسيا المريض، كما ستساهم في فتح فصل جديد لها باعتبارها دولة عصرية متقدمة· ولم يكن حرص أول رجل فضاء صيني على حمل العلم، الذي يحمل شعار دورة بكين للألعاب الأولمبية إلا رسالة رمزية واضحة تشير إلى طموح تلك الدولة في تبوؤ مكانة مرموقة في العالم· من ناحية أخرى نجد أن استضافة هذه الدورة مثلت مصدراً للعديد من الضغوط ضد النظام الصيني، وهي ضغوط تحثه على تغيير ممارسته الفعلية، وعدم الاكتفاء بتغيير صورته في أنظار العالم· في هذا الإطار يجد النظام الصيني نفسه مطالباً بتحسين نظامه السياسي المغلق، وتطعيمه بالمبادئ الليبرالية الكلاسيكية القائمة على الفردية والمنافسة الحرة واحترام الكرامة الإنسانية، وهي كلها مبادئ تجسدها الألعاب الأولمبية أبرز تجسيد· علاوة على ذلك ستجد الصين نفسها محلاً لتدقيق شديد من جانب الصحفيين والمنظمات غير الحكومية والفاعلين المؤسساتيين المسؤولين قبل وأثناء هذه الدورة· ومن الصعب تخيل حدوث تغييرات شاملة في الصين نتيجة للأولمبياد على النحو الذي حدث به ذلك الأمر في كوريا الجنوبية في الدورة التي عقدت هناك عام ،1988 والتي لعبت دوراً بارزاً في جعل الحكومة الكورية السلطوية تغير موقفها، وتلين أمام الضغوط التي كانت تطالبها بالتحول الديمقراطي· إن تعاون الصين مؤخراً مع المجتمع الدولي بشأن البرنامج النووي لكوريا الشمالية، وبشأن البرنامج النووي الإيراني، وبشأن المسائل المناخية، يتصل بالمصالح القومية الصينية اتصالاً مباشراً، وليس مجرد مواقف تتخذها الصين حتى تظهر نفسها على أنها دولة متماشية مع قيم ومبادئ الألعاب الأولمبية· علاوة على ذلك فإن الخطوات التي تتخذها الصين بشأن التجارة، وبشأن إصلاح سياستها بالنسبة للعملات، وتجاه زيادة درجة أمان منتجاتها سيحقق مصالح الصين من ناحية، كما أنه سيكون بمثابة تعبير واضح عن رغبة الصين في تجنب الدخول في حروب تجارية مع القوى الكبرى الأخرى· ونجاح الألعاب الأولمبية في تغيير المسلك الصيني من عدمه سيتوقف على الموقف الذي تتخذه الصين من مسألة حقوق الإنسان، ومن مسألة انتهاج سياسة خارجية مسؤولة خصوصاً في أفريقيا، حيث تبيع الأسلحة وتشتري النفط من الحكومة السودانية، دون بذل أدنى محاولة من جانبها لإيقاف المذبحة الجماعية في دارفور· ويمكن القول إن الصين قد عملت وتعمل على تغيير موقفها من تلك القضايا، فهي مثلاً لم تعترض على قرار الأمم المتحدة الذي رعته أميركا والداعي لفرض عقوبات على صناعة النفط السودانية· كما أنها عينت ممثلاً خاصاً من جانبها لشؤون دارفور في مايو الماضي، كما دعمت المرحلة الثالثة من مراحل خطة السلام في الإقليم، ونشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي هناك· ويبقى السؤال: هل ستتمكن الألعاب الأولمبية التي ستتم في بكين -كما تمكنت الألعاب الأولمبية التي عقدت في برلين عام 1936- من تحسين صورة نظام معيب في نظر العالم·· أم أن الصين ستستغل خلال العام القادم، تلك الألعاب كنقطة انطلاق للعب دور إيجابي ومسؤول في المجتمع الدولي؟ أستاذ بجامعة جورج تاون عمل مستشاراً للشؤون الآسيوية للبيت الأبيض خلال الفترة من 2004 إلى ·2007 ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©