الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خدمات النقد الثقافي

خدمات النقد الثقافي
5 مارس 2010 22:14
في كتابه الجديد الحائز جائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع الآداب والصادر عن الدار العربية للعلوم والنشر (ناشرون)، يناقش الباحث الجزائري د. حفناوي بعلي نظرية النقد الثقافي المقارن وأثرها على الدراسات الأدبية الحديثة، مؤكداً أن النقد الثقافي نشاط يشمل جميع المعارف الإنسانية وليس مجالاً معرفياً قائماً بذاته، وأن الناقد الثقافي أو نقاد الثقافة يطبقون المفاهيم والنظريات المتنوعة، مستمدين مواضيعهم من الثقافة الشعبية والحياة اليومية. ويضم الكتاب ثمانية فصول هي: الدراسات الثقافية .. جينالوجيا النقد الثقافي، والنقد الثقافي ونظرية ما بعد الكولونيالية، والنقد الثقافي وفلسفة النسوية وما بعد النسوية، والنقد الثقافي والانتلجانسي.. المثقف/ السلطة، والنقد الثقافي المقارن وثقافة العولمة، والنقد الثقافي والانثربولوجيا الرمزية المقارنة، و النقد الثقافي وثقافة الصورة والمشهد، و النقد الثقافي والنقد الايكولوجي البيئي. وتأتي أهمية هذا الكتاب من نظرته الشاملة والمعمقة لمفهوم النقد الثقافي، فضلاً عن محاولة تأطيره والتعريف بالقاعدة المعرفية العريضة التي يتوفر عليها والتي تأتي من استفادته وانفتاحه على مختلف فروع المعرفة (علم الاجتماع، الانثربولوجيا، علم النفس، اللغويات، واللسانيات، النقد الأدبي، نظرية الفن، الفلسفة، العلوم السياسية وعلوم الاتصال وغيرها)، في ما ينجزه من دراسات ثقافية تهدف إلى تناول موضوعات تتعلق بالممارسات الثقافية وعلاقتها بالسلطة، وتروم من وراء ذلك اختيار مدى تأثير تلك العلاقات على شكل الممارسات الثقافية، كما تركز على أهمية الثقافة لأنها تعين على تشكيل وتنميط التاريخ، وهي إلى ذلك، تقف على عمليات إنتاج الثقافة وتوزيعها واستهلاكها. ويعالج المؤلف بعض الاتجاهات والمذاهب النقدية للماركسية الجديدة أو التاريخانية الجديدة، وهي أحد المنابع والمصادر التي أفاد منها النقد الثقافي، خاصة في جانبها الاجتماعي، وتوجهاتها الأدبية التي تربط الأدب بالمجتمع وبمنطلقاتها في التفسير المادي التاريخي. ويرى المؤلف أن الماركسية، رغم أنها شوّهت من حيث كونها نظرية اقتصادية وفلسفة سياسية، ما زالت في جانبها الثقافي والفكري تصوغ عمل عدد كبيرمن المشتغلين بالنقد الثقافي وتسيطر على تفكيرههم، لاسيما الأوروبيين منهم. ويدلل على ذلك بأن “كثيرا من نقاد الماركسية لا يؤمنون بوجوب العنف/ الصراع لإسقاط النظم السياسية في بلادهم إنما يستخدمون مفاهيم الفلسفة الماركسية للهجوم على الأمراض في ما يسمونه المجتمعات الرأسمالية البرجوازية”. وعبر تحليل معمق لموقف الماركسيين الليبراليين المنفتح على العمل التجريبي وعلى فناني الحداثة وكتابها أمثال بابلو بيكاسو وفرانز كافكا وجيمس جويس، يكشف المؤلف ان النقد الماركسي لم يكن أحادي البعد، كذلك الماركسية الجديدة. ومن هنا، يتميز النقد الثقافي عن النقد الأدبي باتساع النظرة وعمقها وعلاقتها الوطيدة بالفلسفة، وهو بهذا مؤهل لإضافة الكثير من المعرفة الى النص الادبي لأنه يتعامل معه من منظور النقد الثقافي الذي يعنى بوضع النص داخل سياقه من ناحية، وداخل سياق القارئ أو الناقد من ناحية أخرى، وفي هذا يتحرك الناقد من منطلقات ماركسية تركز على العلاقة بين الطبقات وعلى الصراع الطبقي كعناصر لتحديد الواقع الثقافي، وهكذا يصبح النص علامة ثقافية تتحقق دلالتها فقط داخل السياق الثقافي السياسي الذي أنتجها. النقد النسوي ويذهب الباحث في كتابه إلى أن النقد النسوي، وهو فرع مهم من النقد الثقافي ومنهج في تناول النصوص والتحليل الثقافي بصفة عامة، ينشغل بشكل واضح بالمسائل المرتبطة بالجنوسة، وقد درس بعض النقاد من خلاله الطرائق التي تشكلت بها صورة المرأة في وسائل الإعلام واهتمّوا بأمور مثل عدد النساء مقارنة بالرجال في النصوص المعروضة في وسائل الإعلام الجماهيرية، وبدور المرأة في النصوص الدرامية، وبالاستغلال الجنسي لجسد المرأة، و بالمسائل المرتبطة بذلك مثل النظرة الذكورية في النصوص والقيم والمعتقدات الموجهة في المقام الأول إلى المرأة كالروايات العاطفية والمسلسلات والكيفية التي قدمت بها المرأة في مثل هذه الأنواع الأدبية. وفي حديثه عن العولمة يشير المؤلف إلى أنها تبشر بمرحلة جديدة من تنظيم العلاقات بين البشر هي على النقيض من المرحلة السابقة التي نحن في صدد الخروج منها، أي مرحلة الدولة القومية والانكفاء ضمن الحدود السياسية للدولة كإطار جغرافي للتثمير المادي والروحي عند الجماعات والشعوب المحافظة. مؤكداً أنه “ليس ممكناً فهم العولمة من حيث ديناميكيتها من دون فهم أساسها المتمثل في الثورة العلمية والتقنية المتجسدة بشكل رئيسي في الثورة المعلوماتية وثورة الاتصالات، منطلقة من القاعدة الصناعية. ولا يمكن أن نتصورالعولمة من دون ثورة الاتصالات ولا يمكن أن نفهم نتائجها كما نشاهدها اليوم من دون فهم السياسات الليبرالية أو النيو - ليبرالية التي توجهها”. ويخلص إلى أن “الأخذ بتقنيات العولمة أمر ضروري للدفاع عن البقاء وضمان النجاعة الاقتصادية والثقافية، لكن الاستفادة الفعلية من هذه التقنيات غير ممكنة إذا لم تقف وراءها استراتيجية ذاتية تحدّ وتقلل من استخدامها من القوى الكبرى لأهداف تتعلق بالهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب المستضعفة وآمالها”. المنهج الثقافي المقارن وفي معالجته للمنهج الثقافي المقارن يدرس المؤلف هدف هذا المنهج وفلسفته والفوائد التي يقدمها للباحث على اعتبار أن “المقارنة من الأدوات التي يمكن بفضلها أن ننتقل من الجزئي إلى الكلي، ومن العام إلى الأعم، ومن ثم نستطيع بلوغ النهاية إلى ما يسمى بالتعميمات أو العموميات التي تصدق على كثير من المجتمعات البشرية”. كما يتطرق إلى بعض الصعوبات المنهجية والنظرية التي تكتنف استخدام المنهج المقارن في الدراسات الثقافية بصفة عامة وسوسيولوجيا الأدب بصفة خاصة، وهي في الغالب صعوبات منهجية. وعن اهتمام الدراسات الثقافية بالميديا وعلوم الاتصال والخطاب الإشهاري ذكر أن الخطاب الإعلامي شهد تحولاً واضحاً وكان للنقد الثقافي فضل في توجيه الاهتمام الى ما هو جماهيري وإمتاعي ومنفعي في الوقت نفسه، حيث يركز الخطاب على المتلقي فيعمل على إغوائه وإغرائه واستدراجه. وفي المحصلة يؤكد المؤلف أن النقد الثقافي نشاط وليس مجالا معرفيا قائما بذاته، وان الناقد الثقافي او نقاد الثقافة يطبقون المفاهيم والنظريات المتنوعة في تراكيب وتباديل على الفنون الراقية والثقافة الشعبية والحياة اليومية وعلى حشد من الموضوعات المترابطة، وان النقد الثقافي مهمة متداخلة، مترابطة، متجاوزة، متعددة، كما ان نقاد الثقافة يأتون من مجالات مختلفة، ويستخدمون افكــاراً ومفاهيم متنوعة، وبمقدور النقد الثقافي ان يشمل نظرية الادب والجمال والنقد فضلا عن التفكير الفلسفي، وتحليل الوسائط والنقد الثقافي الشعبي، وبمقدوره ايضا ان يفسر نظريات ومجالات علم العلامات، ونظرية التحليل النفسي، والنظرية الماركسية والنظرية الاجتماعية والانثروبولوجية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©