الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

واشنطن و"سيريالية" السجال الحزبي

8 أغسطس 2007 01:12
لقد دخلت الولايات المتحدة الأميركية عامها الخامس من حربها على العراق، بتكلفة بلغت مئات المليارات من الدولارات، وبعد أن أزهق فيها من أرواح الجنود الأميركيين ما يفوق عددهم ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي شنت بسببها الحرب· وفي الوقت نفسه، فقد تراجعت كثيراً معدلات التأييد الشعبي لأميركا في نظر الرأي العام العالمي، بينما تهشمت مكانتها الاستراتيجية في نظر الغالب الأعم من دول العالم، إضافة إلى ما يثيره بعضهم من أن الحرب نفسها قد زادت من مخاطر انتشار السلاح النووي في كل من كوريا الشمالية وإيران، في ذات الوقت الذي شتت فيه جهودها في مكافحة خطر تنظيم ''القاعدة''· وقد كان طبيعياً أن يحظى هذا الوضع المؤسف باهتمام ورقابة النخبة الأميركية، التي سعت إلى تحديد سبب المشكلة وما تمخض عنها من غضب عام واسع إزاء هذا الوضع· فعلى سبيل المثال، كتب ديفيد إيجناتيوس، المعلق الصحفي على الشؤون الخارجية بصحيفة ''واشنطن بوست'' عموداً صحفياً مؤخراً قال فيه إن أفضل بداية محتملة للخروج من هذا المأزق، أن يقلل الخصوم ''الجمهوريون'' و''الديمقراطيون'' على حد سواء، من حدة مواجهاتهما الحالية، وأن يتحلوا بالمزيد من الكياسة والهدوء· وفي اليوم نفسه الذي نشر فيه التعليق المذكور، ذهبت ''آن ماري سلوتر''، عميدة كلية وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية، إلى القول في ذات الصحيفة، إن أشرس المعارك السياسية التي تدور في أميركا اليوم، لم تعد بين ''اليمين'' و''اليسار'' كما يعتقد بعضهم، وإنما بين الحزبية من حيث هي، والثنائية الحزبية، مع العلم أن لأولاهما صقورها ''اليمينيين'' الأقوياء الأشداء المؤازرين للحرب، ومتطرفيها ''اليساريين'' المغالين في عدائهم للحرب، مع وصفها لكليهما بالسوء طبعاً· وبالنظر إلى أن التفويض الأولي باستخدام القوة العسكرية في هذا النزاع العراقي، قد اتسم بطابع ثنائي حزبي، ولكونه حظي منذ البداية بتأييد زعيمي مجلسي النواب والشيوخ، وكلاهما الرجلان اللذان يتوقع لهما شق الطريق الانتخابي للترشيح لانتخابات حزبيهما الرئاسية للعام المقبل، إلى جانب التأييد الذي حظي به استخدام القوة العسكرية من قبل السيناتور هيلاري كلينتون، التي تعد في مقدمة السباق الانتخابي الرئاسي لحزبها ''الديمقراطي'' لعام ،2008 فإن من الطبيعي أن يتساءل المرء مذهولاً عن توقيت اندلاع كل هذا التطاحن الثنائي الحزبي الشرس حول النزاع العراقي الدائر الآن؟ ومن وجهة نظر ''سلوتر''، فإن انتقاد الآخرين على مشاركتهم فيما ارتكب من أخطاء سياسية، هو جزء لا يتجزأ من المشكلة القائمة حالياً، بدلاً من أن يكون وسيلة لحلها كما يرى بعضهم· وإذا كانت ''سلوتر'' قد حذرت من خطر الكتابات الحرة المعبأة بانتقاد الآخرين ومهاجمتهم -على النحو الذي يتعرض له المرشحان الرئاسيان ''الديمقراطيان'': هيلاري كلينتون وباراك أوباما، فإنني أقر بهذا الخطر، من واقع مهاجمتي المتكررة لكلينتون، وكذلك انتقاداتي المتفرقة من حين لآخر لأوباما· لكن وعلى رغم هذا التحذير، فماذا بوسع الآخرين أن يفعلوا؟ فطالما أن هناك حملة ترشيح رئاسية جارية، وأن هناك مرشحين، فما هو الوقت الأنسب من هذا، لأن يقول الإنسان ويعلق على ما يراه خطأ في مواقف وتصريحات هؤلاء؟ وللحقيقة فإن الدعوة إلى التريث والتزام الهدوء وسعة الصدر الثنائية الحزبية، إنما هي دعوة تكاد تقتصر على صحيفة ''الواشنطن بوست'' وحدها· هذا وقد شهدت صحيفة ''واشنطن بوست'' الصادرة يوم الاثنين الماضي، أشرس المعارك المعادية للحزبية· ذلك أن كلاً من ''مايكل أوهالون'' وزميله ''كينث بولاك''، من مؤسسة بروكينجز المرموقة، قد شاركا في الشكوى مما وصفاه عبر صحيفة ''نيويورك تايمز'' من ''سيريالية'' الحوار السياسي الدائر في واشنطن الآن، ومن حرمان منتقدي الإدارة مؤخراً من المشاركة في زيارة ميدانية للعراق، نظمها ذات المسؤولين القائمين على السياسات المتبعة حالياً، ما يعني جهلهم بتغير صورة الأشياء بمجرياتها الفعلية على الأرض· وبما أن كلاً من ''بولاك'' و''مايكل أوهالون'' من الليبراليين والديمقراطيين، فإن دفاعهما معاً عن السياسات المتبعة حالياً، ومناداتهما بمواصلة المهمة التي بدأناها في العراق، يعد نموذجاً يحتذى لمضاء التفكير الثنائي الحزبي الذي نتوقعه من واشنطن، فيما لو كرست هذه الأخيرة جهودها كلها لمعالجة عيوب الممارسة الثنائية الحزبية فيها· وللحقيقة فقد آن الوقت للاعتراف بأن للثنائية الحزبية هذه، سجل أخطائها الفادحة فيما يتصل بسياساتنا المتبعة في العراق· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©