الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ترامب»... ضد الاستثناء الأميركي!

17 أكتوبر 2016 09:27
السياسة الأميركية اليوم تمثل، لي أنا على الأقل كمراقب أجنبي، مشهداً غير أميركي للغاية. فالبلد الذي قام في الأساس على المهاجرين يكتسحه خطاباً شعبياً ضد المهاجرين. وهناك مرشح يحتج بشدة ضد التجارة الحرة والأجانب. والرهاب من الأجانب مستشري. وحرب الطبقات كادت أن تطل برأسها بشكل خطير. صحيح أن الولايات المتحدة مرت بتدهور اقتصادي ومراحل من «الحمائية» الاقتصادية في الماضي. لكن العالم الجديد تحلى بحصانة نسبية أمام الخلل الوظيفي السياسي والكراهية الطبقية والعرقية وتطلع الحشود إلى السلطوية التي كانت من مظاهر العالم القديم. واليوم تشبه الأزمة في الولايات المتحدة تلك التي حدثت مرات لا تعد في أوروبا وروسيا. والبيانات السكانية التي تربط الدعم لدونالد ترامب بالناخبين البيض من الطبقة الوسطى الذين عانوا كثيراً من ارتفاع معدلات الوفيات، تذكرنا بالدمار الاقتصادي والارتفاع المفاجئ في معدلات الوفيات في روسيا التي ساعدت فلاديمير بوتين على الوصول إلى السلطة. والكراهية الكاسحة للصفوة في المدن تعيد إلى أذهاننا كتاب «سياسات اليأس الثقافي» لفريتز شتيرن عن صعود المشاعر المعادية للمهاجرين في القرن التاسع عشر في ألمانيا. وفي الآونة الأخيرة، وجه كاتب في مجلة ناشيونال ريفيو الاتهامات إلى «الأميركيين البيض من الطبقات الدنيا الذين تستبد بهم ثقافة شريرة وأنانية منتجاتها الرئيسية هي التعاسة وحقن الهيروين». واقترح أن علاج مشكلتهم يتمثل في الانتقال الى منطقة سكنية أخرى أو الهجرة إلى مناطق من البلاد مازالت فرص الحياة على الطراز الأميركي متوافرة. ومن المرجح أن يلجأ السكان في المدن التي تفتقر للوظائف إلى مثل هذا الحل. لكن العمل البشري لا يمكن أن يكون بالمرونة أو القدرة على الانتقال مثل رأس المال العالمي. ومن المعروف تاريخياً أن العمال ينقمون على كل من العاملين في البنوك والاقتصاديين الليبرالييين والمثقفين العالميين الذين يبدون كما لو أنهم غير مباليين بمحنة هذه الحشود. وأدرك دونالد ترامب هذا بشكل أفضل من الخبراء في الوقت الذي يتهم فيه الصين بسرقة الوظائف الأميركية ويعزف على وتر كراهية الأجانب التي تقوم على خلفية المجد والعظمة الأميركيين. ويتحدث ترامب عن إعادة تأسيس الاستثنائية الأميركية، لكن حله للمشكلة يمتد نسبه بشكل واضح إلى أوروبا. والمشكلة نفسها تعود إلى الأيام المبكرة التي أطلق فيها آدم سميث المجتمع التجاري، وهو في الأساس مجتمع أقيم حول التجارة الحديثة والتمويل الحديث وحقوق الملكية. ومنذ البداية وجد المنظرون والساسة صعوبة في تحقيق توازن بين حرية وكرامة المواطنين أصحاب الأملاك وعدم المساواة التي لا يمكن تفاديها التي نشأت بسبب مجتمع تجاري تنافسي على مستوى العالم يتطلب تقسيم معقد للعمل. ومحاولة التغلب على هذه المعضلة في أوروبا انتج أفكاراً مغرية للقومية الاقتصادية التي يروج لها بعض الساسة الأميركيين في الوقت الحالي. ولتأخذ على سبيل المثال، «يوهان جوتليب فيشته»، وهو أحد أكثر المفكرين الألمان تأثيراً في العصر الحديث الذي دافع عن «الدولة التجارية المغلقة». ويرى فيشته أن الدولة يجب أن تكون مسؤولة عن السياسات النقدية بشكل أساسي وتكفل حق العمل. لكن هذا يعتمد في المقابل على إغلاق الاقتصاد أمام المنافسة الدولية. ومضى فيشته قدماً ليبسط نظريته في القومية التي تتلخص في «نحن وهم» مما تضمن الكثير من العداء ضد الأجانب. ومن السهل أن نعتبر فيشته باعتباره من طليعة المنظرين لأيدولوجيات رهاب الأجانب في أوروبا وهو ما ستقضي عليه في نهاية المطاف الامبراطورية الانجلو أميركية وليبرالية التجارة الحرة. والكراهية الشعبية للعولمة بصفة عامة والصين والمهاجرين والأجانب بشكل خاص، تبين تفوق هذه التوترات والعدوات على الحسابات المالية حتى في أميركا. والولايات المتحدة لن تتمكن من تفاديها إلا إذا اتضح أن فوائد العولمة تتسرب للطبقات الأدنى. وانهيار هذا الوهم دفع إلى الإمام بصراع طبقي أوروبي الطابع. وهذا هو السبب الذي ينبغي من أجله النظر إلى «ترامب» باعتباره متشدداً أوروبياً متنكراً يمزق دون مبالاة زعم الاستثنائية الأميركية ولا يعيد بناءها. *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مه خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©