الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشمال الفرنسي.. ضربة لشعبوية «اليمين»

30 مارس 2016 23:48
إنسوا باريس، أو بوردو، أو مارسيليا البحر متوسطية، في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة، لأن مفتاح هذه الانتخابات يوجد في الشمال الفرنسي المحروم. فمقاطعة «أو- دو-، فرانس» Hauts- de- France، والتي يسكنها ما يقرب من 6 ملايين نسمة، ويفصلها عن إنجلترا القنال الإنجليزي، تقع في أقصى الشمال الفرنسي، وتعتبر من أكثره المقاطعات حرماناً، وهناك شيء ثالث يميزها أيضاً، وهي أنها تُدار بواسطة الجمهوري «خافيير بيرتراند»، وهو الرجل الذي هزم «مارين لوبان» في الانتخابات الإقليمية التي جرت في ديسمبر الماضي. وهذه المنطقة التي كانت مهداً للصناعات، باتت الآن عنواناً على اليأس، فهي تعاني من أكثر نسبة بطالة في فرنسا، وتتصدر قائمة المناطق الفرنسية التي تعاني من الفقر، وتأتي في المرتبة الثانية في معدل الانتحار، وإذا أضفنا إلى ذلك أنها تضم أكثر مخيمات اللاجئين في أوروبا من حيث سوء السمعة، فإننا سندرك أنها تحتوي على كل العناصر الكفيلة باجتذاب سياسة شعبوية مثل «مارين لوبان» زعيمة حزب «الجبهة الوطنية». كان من المفترض إذن أن تكون «أو – دو- فرانس» هي المقاطعة التي سيتمكن فيها حزب «الجبهة الوطنية» من تحقيق نصر كبير، يمهد الطريق أمامه للقفز على منصب الرئاسة الفرنسية في مايو 2017، باعتبارها تمثل بظروفها، أرضاً خصبة للوصفة الشعبوية لحزبها، المكونة من كراهية الأجانب، والرطانة المعادية للاتحاد الأوروبي، وقد نجحت محاولة «لوبان» بالفعل، حيث حصلت على نسبة قياسية من الأصوات، بلغت 27 في المئة من مجموع الأصوات، في انتخابات الإعادة الإقليمية، التي جرت في مختلف أنحاء فرنسا، ولكنها فشلت في الفوز بمقاطعة واحدة من مقاطعات البلاد الثلاث عشرة، بعد أن تعاون الحزب الاشتراكي بزعامة الرئيس فرانسوا أولاند وحزب «الجمهوريون» بزعامة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي معاً، لطرد حزب الجبهة الوطنية من تلك المناطق. وكان انتصار «برتراند» في «أو – دو- فرانس» بالذات هو الضربة الأكثر عنفاً، من بين جميع الضربات التي تلقتها «لوبان»، لأنها حرمت حزبها من أن يكون له موطئ قدم في الأقاليم الفرنسية. وقد أدى نجاح «برتراند» إلى إعاقة تقدم زعيمة حزب الجبهة الوطنية قبيل الانتخابات الرئاسية، وإن كان وقوع الهجمات الإرهابية في بروكسل الأسبوع الماضي، قد جاء في مصلحة أجندتها. ولكن «برتراند» سيحتاج إلى تحقيق تقدم حقيقي في مجال إحداث تغيير شامل في أحوال المنطقة، إذا كان يرغب في إبعاد حزب الجبهة الوطنية عنها بشكل أكثر ديمومة. يقول «برتراند» عن برنامجه لتطوير المنطقة: «نحن نجرب حلولاً جديدة، وأفكاراً بسيطة، لا يمكن القضاء عليها من خلال الروتين الحكومي.. حلولاً يمكن للناس أن يثقوا فيها، وتجعلهم يفكرون مرتين قبل أن يعطوا أصواتهم للجبهة الوطنية». وبرتراند الذي يتمتع بتفويض مدته 6 سنوات، والمزود بميزانية سنوية تقترب من 3 مليارات يورو، يمكن له إنفاقها على مجالات: التعليم والتدريب، وإنقاذ الشركات العليلة، وتطوير البنية التحتية المتواضعة يهدف لتحويل الشمال الفرنسي إلى «مركز لصناعة الخدمات اللوجستية» للقارة الأوروبية بأسرها. المنطقة تحتوي أيضاً على أكبر مخيم عشوائي في فرنسا، وهو ذلك الذي يطلق عليه «الغابة» ويتجمع فيه لاجئون ومهاجرون من سوريا، والسودان، وغيرها من البلدان التي مزقتها الحروب، في انتظار سنوح فرصة للتسلل إلى داخل المملكة المتحدة. وعلى الرغم من أن الحكومة الفرنسية حاولت تفكيك المخيم ونقل المقيمين فيه إلى مناطق أخرى، فإنها لم تنجح في ذلك حيث بقي المخيم مكانه في الوقت الذي استمر فيه قادمون جدد في التدفق، تاركةً السكان المحليين يتعاملون مع تداعيات المشكلات المرتبطة بالمخيم وسكانه كالعنف، وانتشار الجريمة. يقول «برتراند» إن سكان مخيم «الغابة» يجب أن يتم ترحيلهم، كما يجب إلغاء الاتفاقية، التي تسمح لبريطانيا بتشغيل ضوابط حدودية على الأراضي الفرنسية، وهو أمر سيؤدي في حالة تطبيقه إلى نقل مشكلة المهاجرين العالقين في مأزق قانون من فرنسا، إلى بريطانيا. في المقابل، تحاول «لوبان» ترميم صورة حزبها، والتخلي عن الخطاب العنصري، والمعادي للسامية الذي كان يتبناه والدها جان ماري لوبن وإظهار قدرة حزبها على إدارة البلاد. ولكن أداء نواب حزبها في الجمعية الإقليمية هذا الشهر، أثناء جلسة مناقشة أجندة «برتراند» الخاصة بخفض الإنفاق، وخططه الخاصة بخلق الوظائف، أظهر أنهم يفتقرون إلى النظام، على الرغم من سيطرتهم على ثلث مقاعد الجمعية، الأمر بالنسبة لـ«برتراند» يختلف: فهو ثاني أكثر أعضاء حزبه شعبية بعد «آلان جوبيه»، رئيس الوزراء الفرنسي السابق الذي يحتل صدارة السباق من أجل الفوز بترشيح «الجمهوريون» لانتخابات 2017 الرئاسية. يقول عن ذلك: «تنفيذيو حزب «الجمهوريون» جميعاً يأتون هنا كي يروني ويطلبوا تأييدي ودعمي، ولكن اختياري سيكون لشخص لديه الشجاعة والقدرة على اختيار المنصة الملائمة.. لشخص يستطيع تقديم الدعم للأفكار البسيطة». *كاتبة ومحللة فرنسية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©