الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإنسان كعاصفة جيولوجية

الإنسان كعاصفة جيولوجية
30 مارس 2016 21:44
محمد سبيلا الانتروبوسين Anthropocène ليس مصطلحاً جزافياً أو وارداً من العلوم الإنسانية والاجتماعية، بل هو مصطلح وضعه الجيولوجيون، وأقره خبراء الجمعية الجيولوجية في لندن سنة 2011. هذا المصطلح يعني عصر دخول الإنسان (Anthro pos) كفاعل جيولوجي مؤثر في تطور الأرض والغلاف الجوي.. يختلف العلماء والباحثون حول لحظة وتاريخ بداية هذا العصر المجسد لدخول الإنسان كفاعل مؤثر وحاسم في الدورة الكونية. فالبعض يربطه بالاستعمار ويرجعه إلى أوائل القرن السابع عشر (1610) مع احتلال أميركا من طرف الأوربيين وإبادة الشعوب الأصلية، والبعض الآخر يرجعه إلى أواسط القرن التاسع عشر (نحو 1850) أي إلى اختراع المحرك البخاري وبداية الاستعمال المعمم للفحم كمورد للطاقة، وهو ما يمثل تحولاً نوعياً في تاريخ البشرية بالانتقال من الاعتماد على الطاقة العضلية والحيوانية والمائية والهوائية والشمسية إلى الاعتماد على الطاقة الأحفورية (الفحم-البترول-الغاز..) والبعض الآخر يرجعه إلى مراحل لاحقة من القرن العشرين مع تكاثف النشاط الإنساني المؤثر على الطبيعة، وهو التاريخ الذي يعتبره البعض الآخر مؤشراً فقط على تسارع هذا التحول الجيولوجي، وبخاصة بسبب تسارع التقدم العلمي التقني وبالخصوص التفجيرات والتجارب النووية ابتداء من سنة 1945 من المعالم الكبرى لعصر الأنتروبوسين: - اختلال التوازنات البيئية الكونية الكبرى - احترار المناخ - انخرام الغلاف الجوي الحامي للأرض - انقراض آلاف الأنواع الحية وتناقص التنوع الحيوي - احتماض (زيادة حموضة) البحار... وقد توازت هذه التحولات الجيولوجية والمناخية مع تحولات حضارية وتقنية وثقافية شهدتها البشرية المتقدمة، وطالت آثارها ومخترعاتها التنظيمية والتقنية البشرية التابعة (المسماة لطفاً المجتمعات النامية). من بين أهم سمات هذه التحولات التقنية والثقافية التسارع التدريجي لوتائرها الأساسية: - تسارع الاتصالات والتواصلات (وسائل السفر، وسائل تلقي المعلومات والأخبار...) التي يمكن أن نعطيها تعبيراً فلسفياً هو تقلص أو تقليص المكان - تسارع وتيرة الحياة الاجتماعية والسياسية والإعلامية، ويمكن أن نعبر عنها بمفهوم تقلص الزمن. - تسارع وتائر التغير الاجتماعي أي الانتقال من وتائر الرتابة وأخلاقيات الصبر والانتظار إلى التغير الاجتماعي السريع ابتداء من وتائر النمو الديموغرافي (من مليار في القرن 19 إلى ما يفوق سبعة مليارات الآن). الدينامو الكامن حول هذا التسارع هو التطور السريع للتقنية سواء في آفاقها الأرضية أو الفضائية والكوكبية. لكن خلف الدينامية التقنية أو على الأقل بموازاتها هناك التحولات الفكرية العميقة التي لا نستورد منها إلا نتائجها وثمارها. فخلف الحداثة التقنية حداثة فكرية عميقة، من أبرزها تحول العلاقة مع الطبيعة بالانتقال من المشهد التأملي أو مشهد التملى إلى مشهد التدخل في الطبيعة. ولعل الفرضية الأساسية لفكر التقدم التقني والفكري هي فرضية انبناء الفكر على أساس مواجهة الطبيعة بالحد من تأثيراتها ومن التبعية لها إلى الوعد باقتلاع الإنسان من شروط الطبيعة في اتجاه التحكم فيها والسيادة عليها بالتدريج، وهو ما مهد للتسمية التي انطلقنا منها لهذا العصر الجيولوجي الجديد عصر الإنسان كفاعل جيولوجي حاسم. بل إن بعض الباحثين يذهبون إلى حد القول بأن الروح الموجهة للحداثة التقنية والمتمثلة في مواجهة الطبيعة واعتبارها مخزناً للطاقة وتسخيرها لمصلحة الإنسان ككل هي الخلفية الفكرية التي نشأت منها وعبرها ما يسمى اليوم بالعلوم الإنسانية أو الاجتماعية، والقائمة على فرضية استقلال الظواهر الاجتماعية أو الإنسانية عن الطبيعة، وأن للظاهرة الاجتماعية قانونها ونظامها الخاص، وأن العوامل الأساسية المتحكمة في هذه الظواهر هي العوامل الاجتماعية والتاريخية (دوركهايم) الداخلية. بل كلما تحضرت المجتمعات انفصلت عن الطبيعة والمجتمعات التي تظل مرتبطة بالطبيعة والمرتهنة لها هي المجتمعات البدائية. هناك إذن توازٍ بين دخول الأرض في مرحلة أو في عصر الأنتروبوسين وبين انطلاق الدينامية الفكرية والتقنية للحداثة بمختلف مستوياتها التقنية والتنظيمية (السياسة) والفكرية (العقلنة واستقلالية الفرد، واستقلالية المجالات، والمشروعية الذاتية...)، وكلاهما يندرج فيما يطلق عليه العديد من المفكرين العصر التاريخي لمركزية الإنسان ومستتبعاته المتمثلة في كون الإنسان (النوع) عاصفة أو صاعقة جيولوجية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©