الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

عيدة.. 70 عيداً على عرش الدقيق

عيدة.. 70 عيداً على عرش الدقيق
29 يوليو 2007 05:10
على طريقتها عاشت حياتها·· لم تهتم بتفاصيل التاريخ؛ لأنها ومنذ نعومة أظفارها سألت عن تاريخ ميلادها أجابوها: يوم عيد!·، لكن أي عيد؟·· عيد الفطر أم عيد الأضحى؟·· لا أحد يعرف، الأهم أنها تعيش منذ زمن·· شهد أكثر من 120 عيدا· ترى أن الحياة مشوار حزن لمن يعيشها مضطراً، و''حياة'' لمن يعيشها مختلفاً، و المرأة الإماراتية لابد لها أن تتذوق ''حلاوة الشغل''، أن تعمل ليس لأنها مطالبة بالعمل وإنما لأن الحياة من دون عمل مدعاة لكل الأمراض والآفات المجتمعية· عيدة مبارك عبد الله·· أقدم تاجرة ''دقيق'' مواطنة، وأول من قاد السيارة ''البيك أب'' في شوارع دبي، وشاهد عيان على تجارة الدقيق - أحد أهم النشاطات التجارية المهمة والحيوية والتي تميزت بثبات أسعارها على مدار 35 عاماً· 31 عاماً من العمل المتواصل، الذي بدأته قبل إنشاء شركة المطاحن الوطنية عام 1976 بسنوات عديدة، كانت الحاجة عيدة تمارس عملها في شراء وبيع الدقيق والخبز، تتنقل بين المخابز والمحال بسيارتها ''البيك أب'' الصغيرة التي حصلت على رخصة قيادتها عام ،1972 بل وصارت ''بيك أب'' كبيرة بمرور السنوات، وبالرغبة في مواصلة المسيرة· عاشت حياتها في أحضان سلعتها البيضاء مثل قلبها الذي ظل منتعشاً دون أن ترهقه السنوات·· وذاكرتها الحاضرة كأي تاجر متمرس يحتفظ بمعلومات تجارته في عقله، وليس في أوراق ودفاتر· حصدت ثقة واحترام وحب أباطرة ذلك العالم، وأيضاً أبسط وأصغر عامل وتاجر داخل وخارج سوق الدقيق· من داخل مطاحن الدقيق الوطنية في منطقة بر دبي، سردت الحاجة عيدة قصتها التي ارتبطت بميلاد تلك المطاحن بقولها: عندما تم إنشاء المطحن عام ،1976 سمعت من المقربين عن إعلان بالصحف نشرته إدارة المطحن برغبتهم في اعتماد وكلاء وموزعين من المواطنين، وكانت مهنتي في ذلك الوقت شراء وبيع الدقيق ''باليونية'' أو ''الجوال'' وتوجهت فوراً إلى المطحن وطلبت منهم اعتمادي كوكيل، سألوني: كم تقدري تشيلين؟·· أجبتهم 200 ''يونية'' ،500 1000 حسب طلب السوق· صمتت قليلاً وعادت لتقول: ''لقد راعني مسؤولو المطحن وما زوّدوا عليّ، حتى الضمانة البنكية التي أحضرتها إليهم ألغوها وبقيت مفتوحة؛ لأني وفيّت منذ اليوم الأول للعمل بالتزاماتي تجاههم، بل وبمجرد دخولي إلى المطحن تقف سيارتي للتحميل من دون ورقة أو فاتورة''· مهنة شاقة بسيارتها ''البيك أب'' انطلقت من خلف البرقع إلى مخابز ومحال دبي، بل والشارقة أيضاً، لتمارس مهنتها في قلب السوق بقلب حي وضمير يقظ، كان يكفي اتصال هاتفي بها من أي صاحب مخبز لطلب شحنة من الدقيق لتكون الحاجة عيدة أمامه بعد لحظات بابتسامة التاجر المتمرس الذي يعرف كيف تربح تجارته ويستريح من يشاركه تلك التجارة· الحاجة عيدة ما زالت تسترجع تفاصيل الماضي وهي تحكي: ''حينما أنشئ المطحن كان سعر اليونية 55 درهماً تزيد أحياناً إلى ستين، نظراً لارتباط الطحين بأسعار السوق العالمي، الآن وبعد مرور 31 سنة وصل سعر (اليونية) إلى 78 درهماً فقط، وهذا يعني أن معدل الزيادة طفيف للغاية، نظراً لحرص القيادة الرشيدة على توافر الخبز في البيت الإماراتي بأسعار متوسطة''· وأوضحت أن مكاسبها من تلك التجارة ليست كما يتصور البعض في ظل ثبات الأسعار، حيث تعتمد في الأساس على الأرباح الخاصة بنقل الشحنات إلى التجار بواسطة سياراتها، إلى جانب زيادة طفيفة في الأسعار لا تختلف كثيراً عن أسعار الطحين من المصنع· وتتذكر زملاءها في عالم تجارة الدقيق دون أن تنسى أن تدعو بالرحمة لمن رحل منهم عن الدنيا، تقول عنهم: ''كانوا رجالاً بمعنى الكلمة، تجاراً أمناء، ولن أنسى التاجر جمعة بن صبيح الذي كان يورّد الدقيق داخل وخارج الإمارات''· 12 شمعة في حياتها 12 شمعة، تراهم كل الحياة وسر حياتها عاشت لهم وانتعشت بهم، ساندوها واحداً تلو الآخر، الأكبر ساندها حتى عمل مفتشاً في مطار دبي الدولي، وجمال الذي انتهى قبل أشهر قليلة من دراسته مقرراً وبمنتهى الحب لتلك المهنة أن يكون الذراع اليمين لأمه· تقول الحاجة عيدة: ''كنت حريصة على أن أقوم بنفسي بتعليم أبنائي قيادة السيارات وتحديداً الشاحنات الكبيرة، شاركوني متعة العمل وشاركتهم حب الحياة باللون الأبيض، لون سلعتي''· لحظات حرجة التفاصيل المتشابكة التي تغطي عالم التجارة، والتي تجمع بين الربح والخسارة الناتجة عن تعثر التاجر عن سداد قيمة البضاعة، مواقف عاشت فيها الحاجة عيدة وتجاوزتها قوية، ومثلما تحكي: ''تعرضت خلال رحلتي لحالتي تعثر، حيث تعثّر تاجران عن سداد قيمة شحنة دقيق قمت بتوريدها لكل منهما، ولأنني أدرك أن تلك المواقف أمر طبيعي يواجه أي تاجر، فقد قررت أن أتعامل معها بحكمة، وتمت تسوية أحد الحالات وديا والحمد لله، أما الآخر فما زالت الاتصالات الودية والمبنية على الثقة المتبادلة مستمرة لإنهاء الأمر''· ولأن المواقف الصعبة كثيراً ما تواجه من يؤمنون بقيمة العمل، فإنها وكثيراً ما تعرضت لمواقف تتعلق برغبة بعض التجار في استبدال شحنة الدقيق لظروف طارئة كحدوث تغييرات في لون الدقيق أو ما شابه ذلك من مشكلات، وهنا كانت وما زالت، تقرر استبدال أي شحنة يرغب التاجر في ردّها، حفاظاً على مصلحة المتعاملين معها، ولتربح بذلك موقعاً متميزاً في إمبراطورية تجارة الدقيق بدبي· عمل متواصل 12 ساعة من العمل المتواصل يومياً، تنتشر فيها في أنحاء دبي كافة لتوصيل شحنات الدقيق إلى المخابز والمطاعم، ومثلما تقول: ''تغمرني السعادة وأنا أمارس عملي، حيث عملت في هذه المهنة انطلاقاً من حب حقيقي لها ومن رغبة في التميز وخدمة ذلك القطاع التجاري الحيوي والمهم في دبي''· وتعقد الحاجة عيدة مقارنة بين معالم الحياة في دبي منذ 50 سنة وبين الآن، بقولها: ''نعيش حالياً حالة من الازدهار والنمو، وأدعو المواطنات تحديداً إلى المشاركة بقوة في صناعة المزيد، ومساندة جهود وإنجازات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي (رعاه الله)''· لكن بماذا تحلم؟·· حلمها أن تبقى في حالة عمل متواصلة، لأنها ترى أن حياتها من دون عمل بداية صراع مع المرض، العمل سر حياتها وجندي مجهول يقف وراء حيويتها ونشاطها الدائمين مهما مرت السنوات· دقيق بالفيتامينات والمعادن تنتج مطاحن الدقيق الوطنية في منطقة بر دبي حوالي 21500 طن شهرياً، وتعتزم مواصلة الأداء المتميز وتجويد الإنتاج وتوفير الغذاء الصحي، انطلاقاً من أن صحة المستهلك مسؤولية اجتماعية ملقاة على عاتقها، حيث قامت المؤسسة في عام 2001 بتزويد الدقيق بالفيتامينات والمعادن كالحديد وحمض الفوليك كخدمة إضافية للمستهلك على الرغم من عدم وجود تشريعات ملزمة في هذا الصدد· يذكر أن مطاحن الدقيق الوطنية هي إحدى شركات مجموعة عبد الله الغرير، والتي لعبت دوراً كبيراً في مجال تنمية المال والأعمال في دبي، والمجموعة منتشرة في 20 دولة بمجموع موظفين يقدر بحوالي 30 ألف موظف، ورأسمال مال يفوق 4 مليارات دولار· وفازت مطاحن الدقيق بجائزة محمد بن راشد للأعمال عن فئة الصناعة لعام 2006 وشهادة دبي لتقدير الجودة عام ·2004 أسعار ثابتة أكدت الحاجة أم عيدة أقدم تاجرة دقيق في دبي أن النظام المتعارف عليه في تجارة الدقيق يختلف عن بقية الأنشطة التجارية الأخرى، فقيمة الشحنة التي تُورّد إلى كل تاجر، لا يتم تحصيلها في اليوم ذاته، حيث يتم الانتظار لحين الانتهاء من بيع منتجات الدقيق وبعدها تقوم الحاجة عيدة بتحصيل قيمة الشحنة، مشيرة إلى أن أسعار الدقيق ترتبط ارتبطاً وثيقاً بالأسعار العالمية والتي تتفاوت من عام إلى آخر· وتتذكر أنها باعت جونية الدقيق منذ سنوات بـ 150 درهماً، نظراً لارتفاع سعرها في السوق العالمي، لكنها تؤكد في الوقت ذاته أن أسعار الدقيق في الدولة تحظى بالثبات· وقالت أنه عندما يقول البعض إن أسعار الدقيق في دبي مرتفعة، فعليهم أولاً أن يعقدوا مقارنة بينه وبين أي نوعية أخرى ''مخلوطة''·· وسيكتشفون الفرق·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©