الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دارفور.. نقص المياه مصدر لتأجيج الصراع

دارفور.. نقص المياه مصدر لتأجيج الصراع
29 يوليو 2007 04:14
مع هؤلاء النسوة الدارفوريات وهن ينتظرن فرصتهن لملء أوانيهن بالماء من إحدى محطات توفير مياه الشرب في هذه القرية الهادئة والوادعة إلى حين، فإن هذا المظهر العادي المألوف للحياة اليومية هناك، لا يحتاج إلا إلى بعض الوقت لا أكثر، قبل أن ينقلب الهدوء النسبي إلى عراك طاحن ومستعر بين الفصائل المتنازعة في الإقليم· وفي مخيم ''تاولوم'' للاجئي الحرب، الواقع على الحدود الشرقية الفاصلة بين تشاد وغربي السودان، فإن مخاطر العطش تبدو واضحة جداً، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في نهار الصيف الجاف القائظ· وبما أن متوسط حصول الفرد هنا يومياً على ما يحتاجه من المياه، يعادل حوالي 4,5 لتر فحسب، فإن هذه الكمية بالكاد تسد الحاجة اليومية لمياه الشرب وطهي الطعام· ولذا فكثيراً ما كان التدافع من أجل الحصول على هذه الحصة الشحيحة من المياه اليومية، سبباً في نشوب المشاجرات والتطاحن بين اللاجئين أنفسهم· والحقيقة أن التنافس على المياه، سواء في مخيمات اللاجئين كما رأينا، أم بين الرعاة والمزارعين، بل وبين الدول أيضاً، قد ظل مصدراً رئيسياً لنشوب النزاعات، خاصة في إقليم جاف وقاحل مثل إقليم دارفور والمنطقة المتاخمة له· والأسوأ أن هذه المشكلة المستعصية لم تزل في بداياتها بعد، مع هذه التغيرات المناخية الكبيرة التي ضربت العالم كله، وأصبحت تشكل تهديداً جدياً وخطيراً لأجزاء واسعة من القارة الأفريقية بشكل عام· وفي وسع هذه المشكلة وحدها إذا ما تفاقمت وزادت تأثيراتها البيئية الكارثية على ما هي عليه، أن تسبب المزيد من المعاناة لمواطني الإقليم، وأن تدفع بملايين إضافية منهم إلى الهجرة من قراهم وديارهم، بحثاً عن موارد جديدة للحياة في أماكن أخرى· بيد أنه من رأي الكثير من العاملين في مجال الغوث الإنساني في الإقليم، أن هذه المشكلة نفسها التي تثير النزاعات بين مواطني الإقليم هنا، أن تدفع بهم نحو الوحدة بهدف مواجهتها وحلها· ووفقاً لوجهة النظر هذه، فإن من شأن إقبال المواطنين على الحل الجماعي المشترك للمشكلات التي يواجهونها، وفي مقدمتها بالطبع الحاجة لتوفير المياه اللازمة للمزارعين والرعاة على حد سواء، أن يشكل الخطــوة الأولى المهمة نحو تحقيق المصالحة الوطنية في الإقليم· وعلى نحو ما، فإن في وسع المياه وحدها، لم شمل أهل الإقليم وتوحيد كلمتهم، على حد قول ''كارولين سانت مليوكس''، رئيسة مكتب منظمة ''كير العالمية'' في إريبا التشادية، حيث تتولى المنظمة إدارة اثنين من مخيمات اللاجئين في البلدة· وفي الوقت نفسه تساءلت ''كارولين'' عما إذا كانت المياه هي المصدر الوحيد للمشكلات هناك؟ فالشاهد أن الجميع يعلم بمستوى تعقيد النزاعات التي يشهدها الإقليم، وهي بالطبع لها أسبابها وجذورها التاريخية التي لا تشكل المياه إلا عاملاً من عواملها الكثيرة فحسب· على أنه وفي الوقت ذاته لا يزال استخدام المياه نفسها كوسيلة لتوحيد كلمة أهل دارفور واستنفار طاقتهم الجماعية من أجل حلها، ضمن المشكلات الأخرى التي يواجهونها· وعليه فإن من الواجب أن ندفع بالأطراف والفصائل المتنازعة والمتحاربة في الإقليم باتجاه الحديث عما يشكل حاجة مشتركة لجميع أهالي دارفور· والقصد هنا أن ندفعهم نحو التفكير فيما من شأنه أن يقدم حلاً لنزاعاتهم، بدلاً من تسعير نيرانها وزيادتها وقوداً بمجرد الحديث السياسي المجرد عن اقتسام الثروة والسلطة والموارد الطبيعية· غير أن العوامل نفسها التي ألهبت النزاع في دارفور، مثلما هي تفعل الشيء نفسه في الجارة تشاد، وعلى امتداد المنطقة الإقليمية بأسرها، بما فيها جمهورية أفريقيا الوسطى، هي التي دفعت مجموعات الزغاوة والفور وغيرهما من المجموعات الأفريقية إلى حمل السلاح ضد حكومة الخرطوم، التي تتهمها هذه الجماعات بإهمال وتهميش الإقليم اقتصادياً وسياسياً· وبسب نقص عدد الجنود الحكوميين القادرين على صد هذا التمرد، الذي اندلعت نيرانه في عام ،2003 فقد لجأت حكومة الخرطوم إلى تجنيد واستقطاب الميليشيات العربية التي عرفت باسم الجنجويد، وشرعت في تسليحها وتدريبها -كما يزعم- ومنحت مقاتليها مطلق الحق في مصادرة وامتلاك كل ما ينهبونه من الجماعات القبلية المتمردة على الحكومة· وبالنتيجة، فقد ذهبت تقديرات الأمم المتحدة لقتلى الإقليم من المدنيين جراء النزاعات المسلحة، إلى نحو 200 ألف قتيل على الأقل، بينما بلغ عدد النازحين واللاجئين حوالي مليونين ونصف المليون مدني خلال الأعوام اللاحقة لاندلاع النزاع· وعلى اختلاف التفسيرات والدوافع التي أثارها المراقبون والخبراء في النزاع الدارفوري، فإن التمرد السياسي على الحكومة لم يكن سوى مظهر من مظاهر المشكلات الطويلة الأمد التي ظل يواجهها الإقليم على امتداد القرون، وفي مقدمتها شح المياه والمراعي والأراضي الزراعية، وما يترتب عن ذلك من تنافس قبلي على الموارد الطبيعية في الإقليم بوجه عام· ومما زاد الأوضاع تفاقماً وسوءاً في الإقليم، انحسار مساحة بحيرة تشاد، الواقعة على الحدود المشتركة بين كل من تشاد ونيجيريا والنيجر، إلى 10 في المئة فحسب من مساحتها الأصلية· إلى ذلك يذهب خبراء وعلماء أرصاد جوي سودانيون وتشاديون إلى أن معدل هطول الأمطار قد انخفض هو الآخر إلى 40 في المئة فحسب، عما كان عليه خلال الخمسين عاماً الماضية· وبالنتيجة فقد قلت كثيراً كمية المياه التي تجد طريقها عبر مسامات التربة إلى الصخور الجوفية، ما يشير إلى حدوث انخفاض عام في مناسيب المياه المتوفرة في الإقليم· لكن وعلى الرغم من ذلك، فربما يصبح الماء نفسه مدخلاً مهماً لحل نزاعات الإقليم وتوحيد أهله، فيما إذا جمعت أطراف النزاع حول طاولة المفاوضات لتناول كيفية حل المشكلة· مراسل صحيفة كريستيان ساينس مونيتور في إريبا- تشاد ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©