الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الولايات المتحدة وتعزيز الاعتدال في العالم الإسلامي

الولايات المتحدة وتعزيز الاعتدال في العالم الإسلامي
29 يوليو 2007 04:11
زار جورج بوش المساجد أكثر من أي رئيس أميركي آخر؛ كما أنه كثيراً ما يتحدث عن الفوز بعقول المسلمين وقلوبهم· ولكن، بماذا يمكن تفسير مشاعر العداء المنتشرة اليوم؟ وما الذي حدث؟ المشكلة تكمن في أن بوش يعتمد على مستشارين وخبراء قليلي الإطلاع· ونتيجة لذلك، فقد فشل في فهم العالم الإسلامي· فبدلاً من شرح المجتمعات الإسلامية المنقسمة على نحو معقد، يقدم مساعدو بوش صورة نمطية معيبة عن الإسلام باعتباره ديناً توحيدياً عنيفاً· وقد ساعدت هذه الخطوات الخاطئة على عدم اغتنام النوايا الحسنة للشعوب في العراق وأفغانستان وباكستان-وجميعها بلدان تطرح تهديداً كبيراً على أمن الولايات المتحدة، وبلدان كانت تعتبر نفسها في وقت من الأوقات صديقة للولايات المتحدة· الحقيقة أن الأخطاء من هذا النوع كارثية، ولكن يمكن تلافيها· لقد سافرت العام الماضي إلى الشرق الأوسط وجنوب وشرق آسيا رفقة مجموعة من الباحثين الأميركيين، تحدونا في ذلك الرغبة في مساعدة الأميركيين على فهم الإسلام بشكل أفضل· وهكذا، أجرينا مقابلات، والتقينا مع رؤساء ورؤساء حكومات ورجال دين وطلبة؛ وزرنا المساجد والمدارس القرآنية والجامعات· وخلال تجوالنا، وجدنا أن ثمة أموراً تغفلها الصور الكاريكاتورية التبسيطية التي ترسمها إدارة بوش· فكثيراً ما يسمع الأميركيون عن دين منقسم بين ''المعتدلين'' و''المتطرفين''، بيد أننا اكتشفنا ثلاث فئات واسعة من ردود فعل المسلمين على العالم المعاصر: الصوفيون، والحداثيون، والمتمسكون بالنص· أما الصوفيون، فهم الأكثر تسامحا والأقل تسييساً؛ وتميزهم رؤيتهم الشمولية للعالم التي تحتضن الاختلاف بدلاً من أن تقاومه· والمسلمون ضمن هذه الفئة يقدرون ويجلون حكماء من قبيل الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي· ويوجد متصوفة اليوم في بلدان مثل إيران والمغرب وتركيا· ثم هناك موقف الحداثيين، وهو موقف يتبناه المسلمون الذين يسعون للتكيف مع الحداثة الغربية· وينتمي إلى هذه المدرسة بعض من أشهر المفكرين المسلمين في العصر الحديث مثل محمد عبده، عالم الدين المصري الليبرالي الذي تزعم محاولة أواخر القرن التاسع عشر لإزالة الغبار عن المؤسسات الإسلامية التي كان يعتقد أنها متأخرة عن العصر· وقد استشعر بعض أهم السياسيين المسلمين، مثل مصطفى كمال أتاتورك، العلماني مؤسس تركيا الحديثة، الحاجة نفسها إلى تغيير الطرق القديمة للدين· ويمكن إيجاد الكثير من الحداثيين في تركيا اليوم، إضافة إلى بلدان مثل الأردن وماليزيا· الواقع أن هذه القراءات والتفسيرات المتطلعة للأمام كانت تبدو قبل عقود أنها ستصبح الصبغة المميزة للإسلام، وبدت البلدان الإسلامية ذات الأفكار الإصلاحية مستعدة للانضمام إلى عصبة الأمم· أما الفئة الثالثة، فهي فئة المتمسكين بتفسير النص تفسيراً حرفياً· وقد ظهرت هذه الجماعة أيضاً في القرن التاسع عشر، ولكنها تستمد مواقفها ومبادئها وخطابها من تصور مركزي واحد: وهو أن الإسلام مستهدَف· إذ تنظر هذه المجموعة إلى الأفكار والمفاهيم مثل الليبرالية، وحقوق المرأة، والديمقراطية باعتبارها تهديدات، وليست فرصاً· وقد سعت هذه المجموعة، في ردها على توغلات الامبراطوريات الغربية الكبيرة في العالم الإسلامي، إلى رسم خطوط ثابتة حول الإسلام وحرصت على ألا يتعرض لتأثيرات أجنبية· وقد تأثر بهذه الرؤية مجموعة من الناشطين الإسلاميين، من ''طالبان'' إلى أحزاب سياسية مثل ''الجماعة الإسلامية'' في جنوب آسيا· وإذا كان فكر هذه المدرسة بكاملها تقليدياً، فإن قلة قليلة فقط هي التي تدافع عن الإرهاب· أما الأغلبية العظمى من المسلمين ممن يصنفون ضمن هذه الفئة، فإنها لا ترغب سوى في العيش وفق تقاليد دينها· اللافت أن احتمالات رؤية صور رجال ملتحين معتمرين العمامة وهم يهتفون ''الله أكبر'' و''الموت للشيطان الأكبر'' في وسائل الإعلام أكبر من احتمال رؤية الفقهاء يعملون· وهو ما يفسر ربما تزايد النشطاء الناقمين، مثلما وجدت الدراسة التي قمنا بها· أما الأسباب فكثيرة ومتشعبة، ومنها فساد وعدم كفاءة الزعماء الحداثيين في بعض بلدان العالم الإسلامي؛ واتساع الهوة بين النخبة غير النزيهة وبقية السكان؛ وغياب مدارس لائقة وفرص اقتصادية وبرامج الرفاه الاجتماعي؛ وفشل الزعماء الحداثيين في إطفاء الحرائق والنزاعات الإقليمية مثل الشيشان وكشمير وفلسطين· الواقع أن غزو العراق وأفغانستان الذي تزعمته الولايات المتحدة صب كميات هائلة من الوقود على نار مشتعلة أصلاً ذلك أن حروب بوش منحت المجموعة الداعية لتفسير النصوص تفسيراً حرفياً ما يدعم مزاعمها من أن الإسلام محاصَر؛ كما أن الهجوم القوي لبعض أنصار بوش على المسلمين ساعد هذه الفئة على أن تجادل بأن الإسلام بات هدفاً لهجمات وسائل الإعلام الغربية، التي يعتقد الكثير من المسلمين أنها تمثل فكر المواطن الغربي· من أجل تغيير فحوى حوارات واشنطن مع العالم الإسلامي، لا بد من الإشارات الإيجابية مثل زيارات بوش للمساجد الأميركية· غير أنه لا بد أيضا من الأفعال القوية أيضاً· ولعل ذلك يبدأ بضرورة أن يبذل الدبلوماسيون الأميركيون بعض الجهد ويخرجوا من مقار سفاراتهم التي تشبه القلاع والحصون ويلتقوا مع الزعماء الدينيين والثقافيين· فهذه الخطوة لوحدها من شأنها أن تحدث فرقاً كبيراً وتُكسب أميركا أصدقاء في العالم الإسلامي· صحيح أنه لم يعد في حوزة بوش الكثير من الوقت؛ ولكنه يستطيع مع ذلك تلافي الكارثة· ولعل الأكثر أهمية هو بدء الحوار، حينها قد نكسب صداقات كثيرة· رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإسلامية بالجامعة الأميركية ومؤلف كتاب رحلة إلى الإسلام: أزمة العولمة ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©