الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

امرأة جبارة

امرأة جبارة
29 يوليو 2007 00:39
منذ بداية زواجي جلست مع زوجتي لأخبرها بعقدتي النفسية· قلت لها: لا تكوني زوجة متسلطة، فقد عانيت كثيراً من هذا الأمر وصرت أكره هذا النوع من النساء كرهاً لا حدود له· لا أستطيع أبداً أن أتأقلم مع حياة زوجية تعتمد على فرض الرأي والتسلط وإلغاء شخصية الطرف الآخر، ولتعلمي أن ضعف المرأة ورقتها هما السر الحقيقي في قوتها وشدة تأثيرها على الرجل· خذي منّي ما شئت، شرط أن تكوني لطيفة ورقيقة في أسلوبك· لا تحولي حياتنا الزوجية إلى جحيم لمجرد إثبات أنك المسيطرة في هذا البيت، وأن الكلمة الأولى والأخيرة لك· بصراحة أكثر، أنا لا أريدك أن تكوني صورة من عمتي التي ربتني بعد وفاة والدتي، أتفهمين ما أقصد؟ ابتسمت زوجتي بحنان وأكدت لي بأنها ستكون عند حسن ظنّي، شرط أن لا أكون أنا متسلطاً بدوري كي لا أفقدها شخصيتها، وأطمس حقوقها· ألقيت الثقل الذي كان يؤلمني ويخيفني من الحياة الزوجية، فلطالما هجرت فكرة الزواج خوفاً من هذه المشكلة، ولكنّي تجاوزت خوفي وتوكلت على الله وتزوجت، وقد وضعت في حسابي أن لا أدع لهذه المشكلة دوراً في حياتي، وأن لا أكون زوجاً سلبياً، يساهم دون أن يشعر في خلق المشكلة وتضخيمها· مرت برأسي صور الماضي وذكرياته المؤلمة فبرزت صورتها بقوة، إنها عمتي··· تلك المرأة الجبارة المتكبرة، التي لا تعرف الإنكسار والضعف أبدا· حتى وهي في سنوات عمرها الأخيرة لم تتنازل عن تجبرها، ولم ترخ قبضتها عمن حولها فبقيت تشد وتشد ولا تكترث لشيء أبدا· مسكين زوجها، رحمة الله على روحه، عانى كثيراً في حياته معها، كان صابراً لا يشكو ولا يتذمر، وبقي هكذا حتى فارق الدنيا وعلى ثغره ابتسامة الصبر والرضا··· لا أدري كيف تحملها؟! هي عمتي، شقيقة والدي، ربتني في بيتها مع أولادها بعد وفاة والدي ووالدتي، ولست إنسانا عاقاً أو جاحداً، ولكن تصرفاتها معي ومع زوجها وأولادها هي التي تجبرني على التحدث عنها بهذا الشكل· ليتها أحست ولو للحظة واحدة بأنها مخطئة· ليتها عرفت مدى تأثير قسوتها على من حولها· بالتأكيد لو عرفت لما استمرت في تعاملها معنا بهذا الشكل· لازلت أتذكر زوجها وأتحسر على فراقه· كان إنساناً طيباً بمعنى الكلمة· كان كنعمة كبيرة أنعمها الله علينا بشكل عام وعلى عمتي بشكل خاص، فقد أحبها من كل قلبه، وتسامح مع أخطائها وعيوبها وتحمل منها الكثير· لقد حمانا من قسوتها طوال حياته، وعانى معاناة شديدة من أجل إبعادنا عن أذاها· كان كالجدار الرحيم الواقي سخره الله ليقينا شرها· الإرادة القوية كانت عمتي إنسانه معقدة نفسياً، فقد تم تزويجها بالرغم من إرادتها وهي لا زالت في الخامسة عشرة من عمرها· كانت فتاة جملية جداً فأحبها زوجها حباً شديداً، وقد أدركت مدى تعلقه بها فاستغلت ذلك وصارت تتحكم به كما تشاء، فأخرجته من بيت أهله واستقلت معه في بيت صغير مستأجر· وكان هذا الأمر غريباً على الناس في ذلك الوقت· ثم دخلت المدرسة المسائية على الرغم من معارضة الأهل لفكرة خروج المرأة المتزوجة للعمل أو للدراسة· إلا أن زوجها كان مصراً على تحقيق رغباتها بأي شكل، حتى لو اضطر لمعارضة أهله وأهلها· وبالطبع فإن خروجها كان يضطره لمساعدتها في شؤون المنزل في ذلك الوقت الذي لم يكن للخدم دور كبير في البيوت· أنجبت ستة، أربعة بنات وولدين، وقد انضممت إلى الأسرة بعد فقدان والديَّ وأنا في عمر ولدها الأكبر تقريباً· كان زوج عمتي يشرف بشكل مباشر على تدريسنا والعناية بنا في الفترة المسائية التي تذهب فيها عمتي إلى المدرسة· ولم يكن يقصر في شيء ولكنها لم تكن يوماً راضية عنه أبدا· أنهت دراستها الإعدادية على حساب أسرتها وتم توظيفها في إحدى المدارس بعمل بسيط، وصار لها راتب خاص بها· وبالطبع فهي كانت ترفض المساهمة في مصاريف الأسرة ويبقى راتبها مخصصا فقط لاحتياجاتها الخاصة ولشراء ما يلزمها للمناسبات الكثيرة التي لا تنتهي في حياتها الاجتماعية الحافلة· تعودت على ترك المسؤولية كلها على زوجها· وعندما تعود إلى المنزل تبدأ بافتعال المشاكل وتقوم بضربنا دون سبب معقول فيتدخل زوجها لحمايتنا فتصب جم غضبها عليه وتسبه وتلعنه وتلعن الساعة التي تزوجته بها، ثم تبدأ بالبكاء فيقوم بمراضاتها وتهدئتها، فتتمعن في إذلاله وتوبيخه وتمريغ شخصيته أمامنا حتى تلتمع عيناها بشعاع النصر· بعد هذه الإحتفالية القميئة تذهب لتنام وتغلق الباب خلفها بقوة منهية تمثيلية السطوة والتجبر التي تتقنها وتتمتع بأدائها باستمرار· كانت تضغط علينا ضغطاً نفسياً كبيراً وهي تسمعنا كلمات كالسم تتمنن بها علينا لأننا نأكل ونلبس ولا نحس بالمسؤولية ولا نساهم في الإنفاق· تشبهنا بالحيوانات التي لا نفع لها، مع أنها لا تدري عن مصروف البيت، وتضغط بشكل كبير على زوجها بطلباتها دون أن تفكر براتبه الضئيل الذي لا يكفي فعلاً لسد كافة الاحتياجات، وتبقى في حالة غضب وصراخ إذا لم يتم تحقيق ما تريد، فيضطر المسكين للاقتراض باستمرار لإسكاتها· مجيء الخادمة لازلت أتذكر جيداً تلك الثورة التي أحدثتها بسبب رغبتها بجلب خادمة الى البيت، وكيف أنها دفعته للاستدانة من أحد أصدقائه لجلب الخادمة، وعندما جاءت تلك الخادمة، صارت تعاملها معاملة سيئة جداً مما أدى إلى فرارها، وبالطبع فإن الزوج المسكين هو المسؤول عن فرار الخادمة لأنه يفسدها بالدفاع عنها وتدليلها، وهو المسؤول عن إحضار غيرها دون تذمر أو شكوى· ما أن يخلو البيت من الخادمة حتى تعود للشكوى من جديد· فهي مضطرة للعودة من العمل وإعداد الطعام - رغم صبرنا على الجوع حتى تنتهي من تلك المهمة- وهي تسب وتلعن· في تلك الأثناء نساعد عمّي في تنظيف المنزل وغسل الثياب وكيّها· الكل يعمل ولا يشتكي، وهي الوحيدة التي يعلو صوتها باللعن والسب حتى تنتهي من إعداد الطعام فنقوم كلنا بمساعدتها على تقديمه، ولا نأكل حتى تتفضل هي بالأكل أولا، وإن كانت غير راغبة في الأكل لكثرة ما كانت تتناوله أثناء وجودها في العمل، فإنها تذلنا أولاً حتى تسمح لنا بتناول الطعام أخيراً· في الأوقات التي تنتهي مذاكرتنا فيها ونحب أن نشاهد الصور المتحركة أو المباريات، عندها يحلو لها أن تطفئ التلفاز لتتمتع بالهدوء لأن رأسها يؤلمها كما تدعي، فيصيبنا الإحباط والحسرة لأننا نحرم من أحب الأشياء إلى قلوبنا بلا سبب معقول· وإذا رغبنا في اللعب خارج المنزل فإنها ترفض ذلك بحجة الخوف علينا، ولكنها عندما تريد التخلص من وجودنا فإنها تأمرنا بالخروج من المنزل واللعب حتى في الأوقات الحارة التي لا يوجد فيها أحد خارج بيته· استمر مسلسل الخادمات لفترة طويلة· كلما جاءت واحدة شمرت عمتي عن ساعديها وجلست لها بالمرصاد، تتهمها بالغباء تارة وبالكسل تارة، لا تعطيها الفرصة للتعلم والتكيّف وتطردها بأسرع وقت ممكن· وبالطبع فإن في ذلك تكاليف متراكمة على ظهر ذلك المسكين· ولم ينته المسلسل حتى حظيت بخادمة خبيثة حقيرة متملقة استطاعت كسب رضاها وبقيت لسنين طويلة في البيت لا هم لها إلا التملق لعمتي وأذيتنا· فقد عرفت نقاط الضعف في هذا المنزل واستطاعت أن تحتل دوراً سلبياً ساهم في معاناتنا· لم يكن ينقصنا إلا هذه الخادمة التي صارت تتأمر علينا وتجعل الصغار يخدمونها والكبار يخشونها، لأنها تنقل عنّا الأخبار وتحرف كلامنا وتصرفاتنا حتى تغضب عمتي فتعاقبنا بلا سبب معقول· التقاعد والانكسار تعرض زوج عمتي لحادث سيارة وانكسرت ساقه ثم أحيل على التقاعد فأصبح راتبه ضئيلاً لا يقوى على تحمل نفقات الأسرة· مر المسكين بفترة من التخبط لا يدري ما يفعل حتى يتجنب غضب زوجته ولا يشعرها بالتقصير ويسد سيل السباب المتدفق من لسانها الذي لا يرحم· قام بأخذ سلفة بنكية وفتح محلاً للمقاولات، وبالطبع فإن فتح أي مشروع يحتاج للصبر حتى تتم السيطرة عليه، ولكن الضغوط المادية وعدم قدرته على تسديد أقساط البنك أدى إلى دخوله السجن لفترة غير بسيطة· كان من المفروض أن تقف الزوجة الى جانب زوجها في مثل هذه الحالة ولا تدع مجالاً لإدخاله السجن خصوصاً وأنها موظفة وبإمكانها أخذ سلفية بنكية لمساعدته، أو أن تبيع السيارة التي اشتراها لها من ماله، أو المجوهرات الكثيرة التي ملأ بها صناديقها على مر السنين· بالطبع هي لم تفعل··· وتركته يدخل السجن· ولم تكتف بذلك وإنما وجدت سبباً جديداً يبرر لها موقفها منه، فهي الآن متزوجة من رجل من أصحاب السوابق، وهذا النوع لا يستحق الرحمة، ولم تتوقف عن التحدث عنه بشكل سيء ومشين حتى أجادت تشويه صورته أمام الناس· أثناء وجوده في السجن، أجبرتنا أنا وابنها الكبير على البحث عن عمل· كنّا في الثانوية العامة، وبحاجة للوقت من أجل المذاكرة· ولكنّها أصرت على أن نترك الدراسة ونعمل لنسد الخلل الذي تركه زوجها في ميزانية الأسرة، فتركنا الدراسة وعملنا في الجيش وفق ما أرادت، وصرنا نعطيها رواتبنا كلها لعلها ترضى عنا ولكنها أبدا ما رضيت إلا عن نفسها· العمل السيء الثاني الذي قامت به أثناء وجود زوجها في السجن هو أنها قامت بتزويج ابنتها البالغة من العمر ستة عشر عاماً لرجل كبير في السن ومتزوج، أصغر أولاده أكبر منها· وقد عاشت هذه المسكينة حياه زوجية قاسية مظلمة مع رجل قاسي القلب أذاقها المر والعذاب، وكلما حاولت اللجوء إلى أهلها تهينها أمها وتطردها فتعود إلى بيتها وهي منكسرة وحزينة، وقد حاولت الانتحار عدة مرات ولكن لم يكتب لها الموت وهي كافرة لأنها إنسانة مظلومة لا تستحق كل ما تمر به· أعطاها الله الصبر والأطفال الذين هونوا عليها حياتها حتى توفي زوجها وانتهت معاناتها تقريباً، وقد انقطعت عن زيارة أهلها لأنهم لم يقفوا معها في أوقات الشدة، وكانت أمها هي السبب الرئيسي في تعاستها· أما ولدها الأكبر فقد أصبح يمر بحالات نفسية غريبة· لا يلتزم بالعمل وهو تائه وغير قادر على التركيز فطرد من الجيش واستقل بنفسه عن أسرته وهو يعيش مع شلة فاسدة لا أحد يدري كيف يحصلون على المال وكيف يسيرون أمورهم؟· أما بالنسبة لي فقد أعدت امتحان الثانوية المنزلي وحصلت على تفرغ للدراسة الجامعية وقد حسّنت بعد التخرج وضعي المادي، ولكنّي بقيت معقداً من مسألة الزواج خوفاً من أن تكون زوجتي ··· نسخة من عمتي· عودة الى الذل بعد أن خرج زوج عمتي من السجن احتاج لفترة حتى يستعيد توازنه، فطردته عمتي من البيت واضطر الى اللجوء إلى أهله وبقي لفترة يتصارع مع الحياة حتى وفقه الله وتحولت أموره المادية الى الأفضل· الغريب هو أنه وعلى الرغم من كل مواقف عمتي معه إلا أنه عاد ليستسمحها ويغدق عليها المال لإرضائها لتسمح له بالعودة إلى بيته، وقد نسي كل شيء وكأنه مقتنع بأنه هو المخطئ الوحيد وأنه الوحيد المضطر للاعتذار· سمحت له وعادت الحياة بينهما على الصورة الكريهة التي جعلتني أكره الزواج· صوره مزعجة انحفرت في رأسي، هو يحاول إرضاءها وهي تحاول دائماً أن تقهر إرادته، فيضطر لتغيير مواقفه باستمرار تبعاً لأهوائها حتى لو كانت مخطئة· وبالطبع فإننا، أنا وأبناؤها وبناتها، كنا كلنا ندرك بأننا إن نصرناه ووقفنا ضدها فإنه سيتراجع عن نصرتنا ويقف في صفها ضدنا لكسب رضاها، لذلك، صرنا نحسب حسابها ونبرها ونطيعها ولا نكترث له، ليس لأننا لا نحبه، ولكن خوفاً من غضبها· كان طيباً لدرجة الضعف· كنت أتمنى أن يثور يوماً أو ينفعل بوجهها··· أن يعبر عما بداخله دون خوف منها· صمته كان غريباً، كنت أتساءل ··· هل هو ضعيف الشخصية ؟ لماذا يخاف منها لهذه الدرجة ؟ مسلسل التدمير ساهمت هذه الإنسانة بتدمير حياة أبنائها وبناتها واحداً تلو الآخر وزوجها صامت لا يتكلم ولا يعترض· ثاني أبنائها ترك الدراسة وهرب من البيت· اشترى لنفسه سيارة ''تريلا'' بمساعدة أحد أقاربه وصار يعمل عليها ليحقق لنفسه دخلا يعتمد عليه، وهو بالطبع لا يملك مستقبلاً جيداً· حتى الزواج كان صعباً عليه، فمن هذه التي ترضى بسائق شاحنة؟ وقد حاولت أخواته مساعدته والبحث عن عروس له ولكنهن فشلن فبقي لوحده يعيش عالمه البائس· إحدى البنات أرادت أن تتزوج من ابن الجيران الذي أحبته، فرفضت أمها تزويجها منه على الرغم من كونه شابا يتمتع بالصفات المناسبة· أمام إصرار الأم على الرفض هربت البنت مع الشاب وتزوجا عرفياً وعاشا لفترة حتى ذهب الأب بنفسه يرجو الشاب أن يسجل عقد الزواج في المحكمة· اثنتان من بناتها مصابتان بأمراض لا أحد يعرف مصدرها، واحدة كسيحة والأخرى لديها مرض اسمه الذئبة الحمراء، وهما تدعيان بأن الخادمة قامت بعمل سحر لهما بموافقة الوالدة حتى لا تتمردان عليها كما فعلت أختهما التي هربت وتزوجت من تريد· وبالطبع فهي لم تتوقع أن تكون نتائج العمل الشيطاني بهذا الشكل ولكنها غير آسفة على ما حدث، وهي لا تفكر بطرد الخادمة على الرغم من أنها صارت عجوزاً لا تصلح للعمل· أسرة كاملة تم تدميرها، وتحطيم مستقبل أفرادها وهذه الأم مصرة على أن حظها سيء ولم يرزقها الله بالذرية الصالحة أو الزوج الصالح، وهي تتذمر وتشتكي طوال الوقت من جحود أبنائها وبناتها وتدعو عليهم دعوات مرعبة بالتحطيم والدمار والمرض· إنها إنسانه عميت بصيرتها فأصبحت لا ترى إلا نفسها، ولا ترى الأشياء على حقيقتها، ولا تعرف مدى الظلم الذي سببته لأسرتها· حتى بعد رحيل زوجها فهي لم تكف عن لعنه وسبه طوال الوقت لأنه تركها وحيدة ورحل وأن أولاده و بناته لا يسألون عنها· فحتى ابنتيها المريضتين ذهبتا للعيش مع أخيهما السائق بعد أن ساءت حالتهما الصحية وأصبحن بحاجة لأجواء نقية ولإنسان مخلص يأخذ بيدهما للعلاج ويتحملهما وينفق عليهما دون تمنن· هذه هي عقدتي أقدمها عبرة لزوجتي ولكل زوجة تفكر بأن الزواج هو مؤسسة قائمة على فرض القوة والاستغلال· suad-jawad@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©