الجذور.. عارية ترتدي الثبات

فالأصالة تشبث بالقاع العميق، تظهر ملامحها كأصابع تتمسك بتربة الأرض، نازلة ضاربة في عمقها، وصاعدة باسقة من خلال أغصان ترفرف كأجنحة الطيور· ما من دلالة عن أصل الإنسانية والمجتمعات والقيم والأخلاق، إلاّ بالجذور· وقد عنيت كل قواميس اللغة العربية بتفسير الجذر واتفقت على أن: الجذر: أصل الشيء· جزؤه الذي يتشعب بالأرض ويحصل به على غذائه· والجذير: بناء عضوي دقيق، شبيه بالشَّعر في صورته، أو إحدى الشعب الدقيقة التي ينتهي إليها الجذر في النبات · أما قاموس الحروف فيسعى خلف الصور التي تصافح عيونكم هنا، يتحسس عبر سطحها أعصاب الشجرة، شرايين دمها، أصابعها المغروزة في لحم الأرض، تتشبث بها سعياً للحياة والنمو والاستمرار· تنساب لتتأصل في عمق العمق، تحكي سيرة ذاتية لبذرة نمت وكبرت من ماء وهواء وشمس ورعاية وحنان، شأنها شأن الإنسان· هي مثله، تتلون بشرتها، تختلف ملامحها، تتنوع أحجامها، تتبدل هيئاتها، وتتعدد صفاتها··· تشعر حين تضرب جذورها في عمق الأرض، بالشوق لماضيها كبذرة مؤصلة فتحنّ، وتحس بالألم حين تُسلخ عن منبتها عنوة فتتوجع وتئن· وتجيد الابتسام لماء تسدله عليها يد السماء أو ترويها به يد الإنسان، فتعبر عن شكرها بالثمار وبكثافة الأغصان، وبوفرة الفيء· فتحمي ساقها بظلالها من لسع الشمس، ونعيف الهواء· تلوذ بقوتها لحماية نفسها، حداً قد يعجز فأس عن قطع أوصالها، أو حداً تبحث فيه بين الصخر عن منبت تحمي به ديمومتها، وتؤمّن امتدادها، فهي العزم والأصابع المتشبثة والعناق مع الأرض حدّ التوحد· ربما تميل أشجارها مع الريح، تنحني، لكن لا تنكسر! ربما تتعرى، تنكشف لعوامل الطبيعة، لكنها ترتدي الثبات، حتى لو فقدت تاجها الأخضر· ومهما تباعدت سيقان الأشجار أو صَغُر حجمها أو ضَعُف، فإنها تلتقي في الجذور وبها تتحد وتتقوى· صحيحٌ أن الجذور ماض··· لكنها أيضاً: المستقبل·