الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

"يارون" تلملم آثار الحرب وترمم قصورها

"يارون" تلملم آثار الحرب وترمم قصورها
28 يوليو 2007 03:49
قرى الجنوب اللبناني وخصوصاً تلك المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة، حكايات بطولة وصمود مع الاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته المتكررة منذ العام 1984 وحتى اليوم· شكلت حرب يوليو الماضية نقطة بارزة لا بل محورية في هذا الصراع الطويل والمرير· أينما ذهبت وكيفما تجولت في الجنوب، لا بد أن تصادف شخصاً أو مشهداً أو أي شيء آخر، يروي لك ملحمة بطولية سطرها شيخ أو شاب أو طفل أو امرأة في مواجهة الجنود الصهاينة الذين دنسوا ولو إلى حين هذه البلدات التي تمتد على مدى النظر، ويرسم حدودها فتيان قرروا إعادة الطهارة إليها ونجحوا، محولين الحلم إلى واقع والخيال إلى حقيقة· وقرية يارون، في القطاع الغربي، ليست استثناء في هذا المجال بل تشكل نموذجاً مصغراً لقرى وبلدات منتشرة على هضاب جبل عامل، تعرضت للحقد الإسرائيلي في حرب يوليو الذي صب حمماً وصواريخ وقنابل مختلفة الأحجام والأصناف، تزرع الخراب والدمار والشهداء أينما حلت· و''يارون'' قرية جنوبية محاذية لفلسطين المحتلة تتربع على تلة عالية تمد يدها اليمنى لتصافح بلدة مارون الرأس التي سطرت أروع الملاحم في مواجهة الجيش الإسرائيلي الذي اضطر إلى الاندحار عن أراضيها، فيما تحرك يدها اليسرى فتلامس بلدة رميش المسيحية التي احتضنت في كنيستها وديرها ومدارسها النازحين من مختلف بلدات المنطقة· أما إذا نظرت أمامها فلا ترى سوى منسبط كبيرة تتربع عليه مدينة بنت جبيل المترامية الأطراف وتحتضن كل القرى المحاذية لها، كالأم الحنون وقت الشدائد، ولا داعي للحديث عما حصل في بنت جبيل خلال حرب يوليو، فالملاحم التي سطرت هناك، وصلت أصداؤها إلى كل العالم''· ''الاتحاد'' اختارت بلدة يارون للإطلاع على أوضاعها لاعتبارات عدة، أولها أنها تشكل نموذجاً للعيش المشترك الإسلامي - المسيحي· وثانياً لان جزءاً كبيراً من أهلها لم يغادروها طيلة فترة العدوان· وثالثاً لان البلدة استهدفت بالقصف والغارات الإسرائيلية وسقط ستة من أبنائها ودمر الكثير من منازلها، ومع ذلك لم يذكر اسمها كثيراً في وسائل الإعلام· وقبل أن نقف على ما يقوله أهالي البلدة، لابد من الإشارة إلى أن يارون تعتبر من البلدات الجنوبية الميسورة، إذ أن قسماً كبيراً من أبنائها مهاجرون منذ زمن طويل في استراليا وأميركا وغيرها من الدول الأوروبية والعربية، ولذلك فإنها تمتاز بالقصور والفيلات والمساكن الفخمة· وعلى طريقة ادخلوا البيوت من أبوابها، توجهنا إلى يارون من بنت جبيل، وكان اللقاء الأول مع إمام البلدة الشيخ حسين فرحات الذي قال: ''يارون تضررت كثيراً من جراء العدوان الإسرائيلي، حيث دمر فيها ما يقارب الثمانين منزلاً بشكل كامل و170 منزلاً دمرت جزئياً وكل المنازل تقريباً أصيبت بشكل أو آخر، المسجد دمر بشكل شبه كلي، الكنيسة تضررت''· الآن الناس عادت إلى بيوتها، بفضل دماء الشهداء وتشبث المواطنين بأرضهم وهم الآن يعملون على إصلاح ما هدم، ولكن هناك إهمالاً من قبل الدولة في موضوع دفع التعويضات· أولاً لان المبلغ المخصص لإعادة الإعمار لا يكفي وثانياً لم يدفع بالكامل· وينظر الشيخ فرحات إلى جانبه ويدل على ورشة بناء ويقول: ''الطائرات الإسرائيلية أغارت على هذه المنطقة وألقت صواريخها ودمرت بالكامل ثلاثة منازل لآل فرحات، مما أدى إلى استشهاد ستة أشخاص من العائلة، إضافة إلى منزل آخر قتلت فيه السيدة مريم علي صالح، ولكن إرادة الحياة أقوى وها هي البيوت المدمرة يعاد بناؤها، أما الشهداء فلهم الرحمة''· نترك الشيخ فرحات ونتوجه إلى منزل مختار البلدة علي يوسف غشام الذي يقارب الـ80 عاماً، أمضى منها 35 عاماً مختاراً في خدمة أهالي بلدته من دون أن يقبض منهم أي أموال مقابل ذلك، كما يقول أحد نجليه اللذين كانا يجلسان معه في فسحة أمام منزله· بعد التعارف والاستفسار عن طبيعة الزيارة، تحضر القهوة والشمام البلدي على الفور، ثم يقول المختار غشام ''يارون قرية لبنانية على حدود فلسطين المحتلة، أهلها فلاحون يزرعون التبغ والقمح والزيتون وغير ذلك كباقي القرى الجنوبية، ولابد انك لاحظت بعض القصور والفيلات فيها فهي لأبناء البلدة المغتربين''· ويضيف، يارون ما زالت تلملم آثار العدوان، سقط منها ستة شهداء، خمسة أشخاص من عائلة واحدة وامرأة قتلت في غارة دمرت منزلها، وهناك العديد من المنازل هدمت وأخرى تضررت· واليوم بعد سنة، يعمل الأهالي على إعمار ما تهدم وإصلاح ما تضرر، وهناك مساعدات وصلت من الدولة عبر مجلس الجنوب ولكنها ليست كافية والتالي فإن السكان مضطرون لدفع الباقي من أموالهم الخاصة· رب العائلة السيد عطا زاد يقول: ''الحرب كانت صعبة للغاية، القنابل كانت تنهمر كالمطر، لم نستطع أن نتحمل أكثر من أربعة أيام، اضطررنا بعدها للرحيل إلى بلدة رميش المجاورة وسكنّا في الدير وبعد انتهاء المعارك عدنا إلى يارون· وزاد بقوله: لا فرق بين مسلم ومسيحي في يارون، والعلاقة بينهما لم تتأثر رغم كل الخلافات الطائفية والمذهبية في لبنان، لا بل أن التعاطي بينهما نموذجي بالنسبة إلى مناطق أخرى· ولا يتردد ''زاد'' في الإعراب عن أسفه للتمييز في دفع المساعدات للأهالي، ويقول جراء العدوان تضرر منزلي واتلف نحو ألفي كيلو غرام من التبغ لم نستفد منهم بشيء والدولة لم تعوض علينا و''حزب الله'' وعدنا بتقديم مساعدة لنا ولم يقدمها، وهناك مساعدات وصلت من جمعيات إنسانية عدة ولم نحصل منها على شيء· الأستاذ حبيب قالوش قال: ''الناس تلملم آثار الحرب وتعيد بناء ما تهدم بعد أن حصلوا على تعويضات من الدولة و''حزب الله''، ونأمل أن تنجز هذه العملية مع بداية فصل الشتاء''· الحقيقة أن أهالي الجنوب اجتازوا قطوعاً صعباً ونأمل أن لا يتكرر· في الأيام الأولى للحرب انتقلنا إلى رميش وسكنا في الدير الذي يشرف عليه الأب عادل الذي حضن أعداداً كبيرة من أبناء المنطقة من مختلف الطوائف، من عيتا ويارون وعيترون وبنت جبيل· مع انتهاء العمليات العسكرية عدنا إلى يارون وكان المنظر رهيباً، ليس هناك منزل لم يتضرر، الذي لم يصب بغارة إسرائيلية استهدفته قذيفة مدفع أو تكسر زجاجه نتيجة قوة الانفجارات في محيطه· بعد سنة من هذه الحرب نحاول تجاوز المعاناة التي حلت بنا وإن شاء الله خيراً· ويؤكد أن الجميع يعرف أطماع إسرائيل بلبنان منذ زمن بعيد، وبالتالي فإن لا شيء يمنع من تجدد العدوان، ولكن مع مجيء الجيش اللبناني وقوات ''يونيفل'' إلى المنطقة أعطى بعض الاطمئنان للأهالي ورفع من معنوياتهم، فضلاً عن المحبة التي تسود بين الأهالي· البلد بلدنا ولن نتركها ونريد العيش فيها بأحلك الظروف· البلدة كلها تعرضت للقصف، والناس هـــربوا مع بعضهم البعض مسلمين ومسيحيين، وهناك عائلات عاشت مع بعضها وكانوا يطبخون بشكل مشترك، لغة التمييز الطائفي غير موجودة في يارون· السيد رباح رضا يقول: ''بعد أكثر من 20 سنة غربة في استراليا، استطعنا أن نبني منزلاً في يارون، وفي يوليو العام الماضي، جاء الطيران الإسرائيلي وألقى حممه عليه فأزاله من الوجود، وها أنا من جديد أعيد بناءه، مجلس الجنوب عوّض عليّ بوحدة سكنية أي 60 مليون ليرة (40 ألف دولار)، دفعت كل هذا المبلغ ولم ينجز من البناء سـوى القليل ولم يعد بإمكاني إكماله''· وقال: ''لبنان أجمل بلد في العالم ونأمل بأن نعود إليه، ونتمنى أن تقوم دولة عادلة وقوية ولو من فئة واحدة المهم أن لا يكون هناك تمييز وسرقة وفساد''· نترك يارون ونسيمها اللطيف في عز الصيف، وانطبعت في الذاكرة صورتان، واحدة لطيبة أهلها وبساطتهم، والثانية لقصورها الجميلة ومناخها المميز، الذي لا يعكره سوى وجودها على الحدود مع إسرائيل التي تنغص على الجنوبيين حياتهم الهانئة والهادئة بين الحين والآخر·
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©