السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الماغوط: لا أعرف أن نصي الأول كان شعراً

الماغوط: لا أعرف أن نصي الأول كان شعراً
28 يوليو 2007 03:45
تروي الشاعرة سنية صالح زوجة الشاعر محمد الماغوط أنه عندما قدم الشاعر أدونيس محمد الماغوط في أحد اجتماعات مجلة ''شعر'' المكتظة بالوافدين - وكانت المجلة التي خاضت معركة قصيدة النثر في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات - وقرأ له بعض نتاجه الجديد الغريب بصوت رخيم دون أن يعلن عن اسمه، وترك المستمعين يتخبطون ما بين (بودلير؟·· رامبو؟··) ولكن أدونيس لم يلبث أن أشار إلى شاب مجهول، غير أنيق، أشعث الشعر وقال: ''هو الشاعر··'' لا شك أن تلك المفاجأة قد أدهشتهم وانقلب فضولهم إلى تمتمات خفيضة· أما هو وكنت أراقبه بصمت، فقد ارتبك واشتد لمعان عينيه· ويقول الناقد السوري صبحي حديدي: من المدهش أن جبرا إبراهيم جبرا لم يتردد في ضم محمد الماغوط إلى صف التيار الأنغلو- سكسوني من شعراء قصيدة النثر العرب ''إلى جانب توفيق صايغ ويوسف الخال وإبراهيم شكر الله وجبرا نفسه'' الذي يقابله تيار فرانكوفوني ضم أدونيس وأنسي الحاج· فجبرا أخذ على أدونيس ولعه بـ ''الوحش الأكبر في الشعر''، أي التكثيف اللفظي الذهني المفتقر إلى الحس والفكر، والتناقض بين تموزيته وإسلاميته، تاريخيته ومعاصرته، سرياليته ووعيه المقصود··· فإن جبرا امتدح نص الماغوط على نحو لافت تماماً، فاعتبره ''أبرع من استخدم المونتاج بسخاء تلقائي، كأنه لا يستطيع كبح صوره المتعاقبة''· أما الشاعر الماغوط نفسه فيقول: إنه لم يكن يعرف أن نص ''القتل'' الذي جعله شاعراً، كان قصيدة· قال: إنه كتبه كي يكتب، وجاء الشعر· أما كيف ولماذا ؟ فهو لا يدري، وظل لا يدري طوال حياته· النص النموذج هكذا هو نص الماغوط نص عصي على التصنيف، لقد تم استخدام نصه كنموذج لقصيدة النثر، كما فعلت نازك الملائكة في هجومها على هذا النوع الشعري، كما استخدمت نصوصه للدفاع عن قصيدة النثر ذاتها· لقد صنف الشاعر في اتجاهات غربية دون أن يجيد أي لغة أجنبية· ولكن الثابت أن نص الماغوط كان على عكس نصوص نجوم ''شعر النثر'' في تلك الفترة، كان شعراً قادماً من الحياة والمعاناة والهوامش، لا من الكتب والتجريب والمقولات الأكاديمية· ''وافترقنا / وفي عينيك الباردتين/ تنوح عاصفة من النجوم المهرولة / أيتها العاشقة المتغضنة / ذات الجسد المغطَّى بالسعال والجواهر/أنت لي / هذا الحنين لك يا حقودة!''· وإذا كان سر قصيدة النثر، كما يقر النقد المدافع عنها، يكمن في اقتصادها وتوليدها للدهشة، قصيدة عليها أن تُذهل، كما يجب عليها أن تكون خفيفة الأثر، فإن محمد الماغوط ممثلها بامتياز· ''آلاف العيون الصفراء/ تفتِّشُ بين الساعات المرعبة العاقة/ عن عاهرة، اسمها الإنسانية''· عبودية الشكل تجربة الماغوط الشعرية صنعتها ثلاثة دواوين: الأول: ''حزن في ضوء القمر'' ،1959 الثاني: 'غرفة بملايين الجدران'' ،1960 الثالث: ''الفرح ليس مهنتي'' ·1970 وبعدها لم يكتب الماغوط الشعر، قال كل ما يريد قوله في هذه الدواوين الثلاثة دفعة واحدة، ولم يشعر أنه بحاجة إلى قول المزيد· عاش بعد ذلك ستا وثلاثين عاماً، دون أن يشعر أنه يحتاج إلى مزيد من الشعر، ذهب إلى ما هو مختلف إلى المسرح الساخر الذي نجح فيه نجاحاً منقطع النظير· بالرغم من أن الماغوط لم يكتب شعراً سوى ثلاثة دواوين، فقد اعتبر من أبرز الثوار الذين حرروا الشعر من عبودية الشكل· حيث نزل إلى الشارع اليومي، واستطاع أن يكون قريباً من الناس بالشعر وليس بوسيلة أخرى· لم يقدم للناس الفرح فهو يقر أن الفرح ليس مهنته، قدم لهم أحلامهم محطمة بصور شعرية قريبة إلى القلب بالرغم أنها منتجة للأحزان، فالحزن هو خيط العقد الذي يربط كل قصائد الماغوط دون استثناء، فليس عنده قصائد فرحة، فكل شيء مجبول بالحزن· ''إنني أبتسم/ وفوق ظهري سنمٌ من الدموع''· كان الماغوط دوماً ساخراً في حياته وفي شعره، وفي مسرحه وفي كتابته الصحفية وحتى في مماته، وكان الإحساس باليتم قد عاش معه طوال مسيرته:''حلمتُ ذات ليلة بالربيع / وعندما استيقظت/ كانت الزهور تغطي وسادتي/ وحلمت مرة بالبحر/وفي الصباح /كان فراشي مليئا بالأصداف وزعانف السمك/ ولكن عندما حلمت بالحرية/ كانت الحراب/ تطوق عنقي كهالة المصباح''·
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©